محمد بن عبد الوهاب وكيف نال القمة
د. وليد بن عثمان الرشودي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إني منذ علمت بوفاء موقع المسلم للإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وفتحهم ملفاً خاصاً به، وأنا أستدعي الكلمات لتسطر شيئاً عن هذا الإمام، فعجزت أن تتناسق فيما بينها لتبني مقالاً يستحق أن يكون لبنة أو إضاءة في حق هذا الإمام، وهكذا الأئمة تعجز عبارات وكلمات المنصفين أن تفيهم حقهم، لماذا؟ لأنهم أئمة وكيف توصف الإمامة إلا بالوحي القرآني "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ" (السجدة:24) فارتسم هذه الآية الإمام محمد بن عبد الوهاب، فسار على الأمر الرباني الشرعي فامتثله في نفسه ودعا وهدى غيره إليه وصبر على ما ناله في ذلك كله من اليقين الصادق بوعد الله لمن نصر دين الله "وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ" (الصافات:173)، فحقّق الأربع: الاهتداء بالهدي الشرعي، والدعوة على المنهاج النبوي والصبر على ذلك مع اليقين والثقة بالله فكان من الأئمة.
إن كل منصف لنفسه في حق الإمام – رحمه الله – ليعلم أن الإمام نال القمة، بل أعلاها، وذلك حينما تقلب ناظريك في كتبه ورسائله، ولا ينقضي عجبك وأنت ترى التجديد واتصال اللاحق بالسابق في دقة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وقوة فقهه، وعظمة تبويبه لكتاب التوحيد، فكأنما الإمام محمد والإمام البخاري قد اتفقا على دقة واحدة، فكل منصف يعلم قوة تبويب كتاب التوحيد وفقه الإمام في ذلك وحجته على التسمية للباب وقوة الاستدلال، حتى قال المنصفون: إنه لم يؤلف في بابه مثله.
ولا عجب فهو آية وحديث وأثر، تحقيقاً لقول الله: "يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا"، أما مسائله فهي من أعظم الاستنباط وأقوى الحجج لبيان الحق، حتى إنك لتعجب من دقة الإمام في هذه المسائل، أما (الأصول الثلاثة)، فهو عنوان الشفقة وسمة الرحمة للأمة وتبسيط الحجة للعامة، فما هي الأصول الثلاثة إلا ما تسأل عنه في قبرك، فإن أجبت نجوت، وإن خالفت فلا تلومن إلا نفسك، كل من قرأه فهمه،وكل من عمل به عمل بحديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في حديث البراء المشهور، أما (القواعد الأربع)، فهي اللبنات في منهج البراءة من الكفار ومعرفة الشر للتوقي منه والحذر بالحجة والبينة والدليل من الكتاب والسنة ودفعاً لأهل الضلال الذين يتهمون المنهج الحق بالتكفير للناس دون حجة وبرهان، أما (كشف الشبهات) فإنه من أنفس ما تقرأه في الرد على الشبهة بالحجة والبينة بأسلوب علمي رصين كتاب وسنة لا فلسفة عقلية ولا تأويل للنصوص الشرعية بعبارة يفهمها كل قارئ يطلب الحق ويبحث عن نجاة نفسه.
أما (مختصر السيرة) فهو ربط للأمة بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ الأسوة، وعظمة ذلك التاريخ وأنه هو الحجة على زمانهم يقاس باقي الأزمان فما كان يومئذ ديناً فهو اليوم دين وما سواه فلا حجة فيه عملاً بقول الله: "فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا" (البقرة: من الآية137)، فها هو يقول: اعلم – رحمك الله – أن أفرض ما فرض الله عليك معرفة دينك الذي معرفته والعمل به سبب لدخول الجنة، والجهل به وإضاعته سبب لدخول النار، ومن أوضح ما يكون لذوي الفهم قصص الأولين والآخرين، قصص من أطاع الله وما فعل بهم وقصص من عصاه وما فعل بهم، فمن لم يفهم ذلك ولم ينتفع به فلا حيلة فيه كما قال _تعالى_: "وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ" (قّ:36)، وقال بعض السلف: القصص جنود الله.. يعني أن المعاند لا يقدر أن يردها.
لقد حاز – رحمه الله – القمة بأمور منها:
1- تجريد التوحيد لله رب العالمين والدعوة إليه.
2- تجريد المتابعة للنبي _صلى الله عليه وسلم_ والدعوة إلى ذلك.
3- الفهم الدقيق لآي الكتاب وأحاديث الرسول _صلى الله عليه وسلم_ من غير تأويل مخل أو رد لها.
4- بذل النفس والمال والولد من أجل دعوته وتضحيته الكاملة لذلك.
5- تركيزه – رحمه الله – على الشبهة دون أن يخوض فيما لا يغني أو ينفع في باب المجادلة والحجة.
6- لقد كان – رحمه الله – تركيزه على الأفكار لا الأشخاص.
7- وكان نقده وحكمه على الفكر دون أن يتعرض لصاحبه، فتكون القاعدة الظاهرة أن عمل المصلح هو تقويم الأفكار لتقوم الأشخاص.
8- لقد ضحى – رحمه الله – في سبيل دعوته بنفسه وولده وماله وجاهه.
9- لقد ظهرت في سيرته – رحمه الله – البعد عن أذى الناس، بل عاداه أقرب الناس إليه ولم يتعرض لهم بسوء.
10- لقد حاز – رحمه الله – بحسن خلقه، وجميل نصحه، وعظمة دعوته قصب السبق بين أهل العلم في زمانه حتى دان له بالإمامة جمع من أئمة الزمان في عصره _رحمه ا لله رحمة واسعة_.
فإذا تأملت ما سبق ظهر لك كيف نال الإمام محمد بن عبد الوهاب القمة.
نشر :
إضافة تعليق جديد