جهود الملك عبد العزيز في نشر العقيدة السلفية داخل المملكة وخارجها

د/ محمد السعيدي

لقد أدرك الملك عبد العزيز رحمه الله أهميةَ الحرمين الشريفين في نفوس المسلمين، ووفودهم إلى المسجد الحرام في كلّ عام؛ لذا لم يتأخَّر عن القيام بواجبه في الاهتمام بالحرمين الشريفين من جميع النواحي، سواء المتعلّقة بتصحيح العبادة والسلوك، أو تطوير المكان، حتى يعود الزائر والحاجّ والمعتمر إلى دياره وقد أدَّى عبادته موافقًا لشرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليرسخ في قلبه عقيدة السلف الصالح، ومصحِّحًا لما أثير من نظرات خاطئة حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

ففي عام 1345هـ صدر نظام التدريس العام في المسجد الحرام بأمر ملكي، ويتبعه في ذلك المسجد النبوي، ومما ورد فيه:

1- يقرأ فقه المذاهب الأربعة والعلوم العربية بكرة وأصيلًا، ودرس التوحيد والتفسير والحديث والوعظ بين العشاءين.

2- يجب على المدرّسين أن يبيّنوا في تقرير العقائد ومباحث الصفات مذهب السلف الذي أجمع عليه أئمَّة أهل السنة على أنه أسلم المذاهب وأحراها بالقبول.

3- يجب على المدرّسين أن يبيّنوا للناس أثناء درسهم أنواعَ البدع التي شوّهت سمعةَ الدين الحنيف، وأنواع الخرافات التي أضرّت بالمسلمين وهبطت بهم إلى الحضيض.

كما استقدم جلالته عام 1345هـ عشرة مدرسين من مصر والشام للتدريس بالمسجد الحرام، وهم من العلماء السلفيين. إضافة إلى استقدام مجموعة أخرى من العلماء الأزهريين للتدريس في المسجد الحرام والمعهد العلمي السعودي عام 1368هـ.

وهذا الحرص الذي أولاه عنايته قد أثمر غرسه، وطال نفعه أرجاء المعمورة.

كان جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله يرى أنه إذا نهض العرب مرة أخرى وأخذوا بقسطهم العلمي في سائر العلوم المادية فإنهم لا يأتون ببدعة، بل يُعتبرون مُحيِينَ لعهد أجدادهم الذين ملَكوا ناصية العلم حِقبة من الزمن، وقدَّموا للإنسان خدمات لا تنكر.

لقد كانت حركة التعليم في عهده رحمه الله تسير على الأسس والأهداف الإسلامية النبيلة، وأهمها: اهتمامه بالعلوم الشرعية والعقيدة الإسلامية واللغة العربية كأساس لبناء الفرد المسلم على أسس إسلامية وبلغة عربية صحيحة؛ لأنها رواية وثيقة تقود صاحبها إلى خير الدارين، وتأتي العلوم الأخرى بالدرجة الثانية من الاهتمام، ولا نكون مبالغين إذا قلنا: إن الملك عبد العزيز وضع كل إمكانات الدولة وبذل كل غال ونفيس في سبيل نشر العلم ومحو الأمية والقضاء على الجهل والتخلف وتثقيف الشعب بعد أن كان الجهل سائدا في عموم البلاد.

فلقد كان رحمه الله يرسل المعلمين والدعاة إلى مختلف مناطق المملكة، خاصة التي يرى أنها في حاجة إلى المعلمين؛ وذلك لما في الجهل والبداوة من خطر على مبادئ دعوته السلفية، بما جُبل عليه أهل تلك المناطق التي انتشر فيها الجهل من طباعٍ أورثتها عاداتٍ وتقاليَد تتنافى كليةً مع تعاليم الدعوة ومعطياتها الحياتية المثلى التي تنشد صلاحَ المجتمع وتفاعل أفراده في وحدة متماسكة منضبطة، فضلًا عما يتَّصف به أولئك البدو من خشونة في الصفات وغلظة في الطبع تجعلهم أشدَّ تمنعًا وأصلب تعنتًا في تقبّل الأوامر الصارمة والاستكانة للتعاليم الجازمة.

ومن هنا اتجه الملك عبد العزيز رحمه الله إلى نهج سياسة حكيمة وأسلوب أمثل في معالجة هذه المشكلة. ودرءُ هذا الخطر يكمن في توطين البدو وصرفهم إلى ممارسة لون من ألوان الحياة المستقرة، وتشكيلهم بالعقيدة الإسلامية، وتسليحهم بالعلم الشرعي، بعد أن أمَّن لهم كلَّ متطلَّبات الأمن والمعاش والاستقرار، بما هيَّأ لهم من مناخ زراعي ملائم، والاستكثار من حفر آبار المياه وتوفير الآلات الضرورية للحرث والزراعة، كما خصَّص لكل هجرة ما يلائمها من قوت ومساعدة حالَةَ التعرُّض للآفات والكوارث الطبيعية، كما أبقى لزعماء القبائل وذوي النفوذ مهامَّهم القيادية وما كانوا عليه من علوٍّ في المنزلة وبسطة في الجاه والنفوذ.

كما اهتمَّ الملك عبد العزيز رحمه الله بإرسال الدعاةِ إلى خارج البلاد للتعريف بالمنهج السلفيّ، ودحض الشبه المثارة حولَه. ووجَّه اهتمامه رحمه الله إلى دَعم العلماء السلفيين في البلاد الإسلامية الذين أخَذت أقلامهم تصول وتجول في مناصرة الدعوة السلفية والذبِّ عنها كأمثال الشيخ محمد رشيد رضا، ومحمد حامد الفقي، ومحمد خليل الهراس، وعبد الرحمن الوكيل وغيرهم.

فقد كان للشيخ محمد رشيد رضا جهود طيِّبة في مناصرة الدعوة السلفيَّة وأتباعها، فكتب مقالات عديدةً في صحف مصر ومجلاتها كصحيفة الأهرام ومجلة المنار، يشرح فيها حركة الشيخ ومبادئها وأهدافها، وحالة أتباعها في عصره، وأنهم الأمل الوحيد في إعادة ما للمسلمين من عزّ ومجد؛ لأن عقيدتهم تقوم على مبادئ الإسلام الصحيح كما أنزله الله على رسوله محمد .
وقد ساعد الملك عبد العزيز محمد رشيد رضا وغيره في تمويل طبع الكتب السلفية التي تقوم بطباعتها مطبعة المنار، كما دعم رحمه الله محمد حامد الفقي في طباعة عدد كثير من الكتب على نفقته الخاصة. وفي الشام قام الشيخ محمد بهجت البيطار -بدعم من الملك عبد العزيز- بنشر الدعوة السلفية من خلال نشاطاته الدعوية المتنوعة.

وممن كان له جهد كبيرٌ في نشر الدعوة السلفية في سوريا والذبِّ عنها الشيخ عبد القادر بدران الذي قام بتحرير العديد من المؤلفات في نصرة الدعوة السلفية وخدمة الفقه الإسلامي، وأغلبها طبع على نفقة الملك عبد العزيز، وغير هؤلاء كثير.
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة