كلمة حاسمة للإمامِ محمد بن عبد الوهاب - رحمهُ الله- في بيانِ معتقدهِ

النميري بن محمد الصبار


لو ألقينا الضَّوءَ على معتقدِ الشيخِ الإمام؛ لوجدنا أَنَّه- رحمهُ الله- متبعٌ في ذلكَ لما كان عليه سلفُ الأمةِ من القرونِ الخيريةِ الثلاثةِ المفضلةِ، و لم يكنْ في ذلكَ بِدْعاً منَ النَّاسِ؛ وها هو ذا- رحمهُ الله- يُوضِّحُ معتقده في رسالتهِ التي بعثَ بها إلى أهل القصيمِ؛ لما سألوه عن معتقدهِ؛ إذْ يقولُ- رحمهُ اللهُ-:


(أُشْهِد الله ومن حضرني من الملائكة، وأُشْهِدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية: أهل السنة والجماعة منَ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله: الإيمانُ بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم منْ غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أنَّ الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أُحَرِّفُ الكلم عن مواضعه،ولا أُلحدُ في أسمائه وآياته، ولا أُكَيِّفُ، ولا أُمَثِّل صفاته تعالى بصفات خلقه؛ لأنَّه تعالى لا سَمِيَّ لَه ولا كُفؤ لَه، ولا نِدَّ له، ولا يُقاسُ بخلقه؛ فَإنَّه سبحانه أعلمُ بنفسهِ وبغيرهِ، وأصدقُ قيلاً وأحسنُ حديثاً، فَنزَّه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعمَّا نفاه عنه النافونَ من أهل التحريف والتعطيل فقال: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الصافات: 180].


والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية، وهم في باب وعيد الله وسط بين المرجئة والوعيدية.


وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج.


وأعتقد أنَّ القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلَّم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأُومنُ بأنَّ الله فعَّالٌ لما يريد، ولا يكونُ شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيءٌ في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدرُ إلا عن تدبيره، ولا محيدَ لأحد عنِ القدر المحدود، ولا يتجاوزُ ما خُطَّ له في اللوح المسطور.


وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فأومنُ بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادةِ الأرواح إلى الأجساد، فيقومُ النَّاس لربِّ العالمين حفاة عراة غرلاً، تدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين، وتوزن بها أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومنْ خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، وتُنشرُ الدواوين فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله.


وأومنُ بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤُه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل. آنيته عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وأومنُ بأنَّ الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم.


وأومنُ بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنَّه أوَّلُ شافع وأول مُشفَّع، ولا يُنكر شفاعةَ النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضا كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28 ]، وقال تعالى: ﴿ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ البقرة: 255 ]، وقال تعالى: ﴿ وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [ النجم: 26 ]، وهو لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا لأهله، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب، كما قال تعالى: ﴿ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [ المدثر: 48].


وأُومنُ بأنَّ الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان، وأنَّ المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة، كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته.


وأُومنُ بأنَّ نبينا محمداً صلَّى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يَصِحُّ إيمان عبدٍ حتى يؤمنَ برسالته، ويشهد بنبوَّتهِ، وأنَّ أفضلَ أمتَّه أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم، وأتولى أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذكرُ محاسنهم، وأترضى عنهم، وأستغفر لهم، وأَكُفُّ عن مساويهم، وأسكتُ عما شجر بينهم، وأعتقدُ فضلهم عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ الحشر: 10]، وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأُقِرُّ بكرامات الأولياء وما لهم من المكشفات إلا أنهم لا يستحقون منْ حق الله تعالى شيئاً، ولا يُطلبُ منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ولا أشهدُ لأحدٍ من المسلمينَ بجنّة ولا نار إلا منْ شَهِدَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن، وأخاف على المسيء، ولا أُكَفِّرُ أحداً من المسلمين بذنب، ولا أُخْرِجه منْ دائرة الإسلام، وأَرى الجهاد ماضياً مع كُلِّ إمام برَّاً كان أو فاجراً، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماضٍ منذ بعثَ اللهُ محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أنْ يُقاتل آخرُ هذه الأمة الدَّجال، لا يُبطله جورُ جائرٍ ولا عدُل عادلٍ، وأرى وجوبَ السَّمعِ والطاعةِ لأئمة المسلمينِ بَرِّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية اللهِ، ومنْ ولي الخلافة واجتمعَ عليه النَّاسُ ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبتْ طاعته، وحَرُمَ الخروج عليه، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأَحكمُ عليهم بالظاهر، وأَكِلُ سرائرهم إلى الله، وأعتقد أنَّ كل محدثة في الدين بدعة.


وأعتقدُ أنَّ الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان: يزيدُ بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما تُوجبه الشريعة المحمدية المطهرة.


فهذه عقيدة وجيزة حررتها وأنا مشتغل البال ؛ لتطلعوا على ما عندي، والله على ما نقول وكيل ".



نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة