دفاعا عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

الشيخ وليد الشعبان

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يُحيون بكتاب الله - عز وجل - الموتى ، ويُبصرون بنور الله أهل العمى ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضال تائه قد هدوه . فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم ، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب ، مخالفون للكتاب ، مجمعون على مفارقة الكتاب ، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله من فتن المضلين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين:

أمّا بعد عباد الله: اتقوا الله العظيم حق تقواه، وتمسكوا بالعروة الوثقى لا إله إلا الله، واعلموا أن دين الله محفوظ ولو أصابته ما أصابته مِن تسلّط الأعداء وكيد الفجار قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» أخرجه مسلم. ومهما اعترض هذا الدين من عقباتٍ كضعفٍ ونقصٍ فإن الله تعالى هيأ للأمة رجالاً يخدمونه، ويدافعون عنه، ويجدِّدون للناس ما اندرس وغاب من معالمه، كما روى الإمام أبو داود في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» فدلَّ على أن الأمة سيكرمها الله تعالى بمجددين هداة، يعودون بالناس إلى «ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه»، وهذا هو دين السلف الصالح، وهو السلفية الحقة، ومن جاء بمثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو المجدد صدقاً وعدلاً، وفي أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر، ظهرت في قلب الجزيرة العربية دعوة تجديدية على يد الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي عليه رحمة الله عز وجل، بمناصرةٍ من الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى، فجاء بدعوةٍ سلفيةٍ صادقةٍ نقيّةٍ، ويشهد لحقيقة ذلك أدلة عدة، من أشهرها:

_دعوته للكتاب والسنة والتمسكِ بما عليه السلف الصالح، وهذا ظاهر في كلّ مؤلفاته رحمه الله تعالى، وبذلك تَميّزت ونفع الله بها، فهي لا تخرج عن أدلة الوحيين، وكلام الأئمة السالفين، وهذا مما يؤكد أنه متبع غير مبتدع، كما قال عن نفسه: (فنحن - ولله الحمد - متبعون لا مبتدعون، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل .. إلى أن قال: وأنا أشهد الله وملائكته، وأشهدكم أني على دين الله ورسوله، وإني متبع لأهل العلم، غيرُ مخالف لهم) [الدرر السنية: 1/ 58].

_ ويدل على صدق اتباعه للسلف الصالح: تصريحه بانتسابه إلى مذهب السلف، وتعظيمه لهم، وحثه على التمسك بعقيدتهم، وكلامُه في ذلك كثير، فيقول رحمه الله تعالى في رسالته إلى عالمٍ من علماء المدينة: (هذا اعتقادنا، وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح، من المهاجرين والأنصار، والتابعين وتابع التابعين، والأئمة الأربعة أجمعين. وهم أحب الناس لنبيهم، وأعظمهم في اتباعه وشرعه) [الرسائل الشخصية: 48-49][الدرر السنية:1/64].

_ ومما يؤكد صدق انتساب الإمام إلى مذهب السلف وتعظيمه لهم: اعتراف أهل العلم والفضل بذلك من مشارق الأرض ومغاربها، وشكرهم له على ذلك.

ولما علم عالم صنعاء اليمن الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني عن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب أرسل إليه القصيدة المشهورة في الثناء عليه ومدحه، ومما قال:

سلامي على نجد ومن حل في نجد ... وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي

قفي واسألي عن عالم حل سوحَها ... به يهتدي من ضل عن منهج الرشد

محمد الهادي لِسُنَّة أحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي

وقد جاءت الأخبار عنه بأنه ... يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي

وينشر جهراً ما طوى كل جاهل ... ومبتدع منه فوافق ما عندي

وَيْعمُر أركانَ الشريعة هادماً ... مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد

إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى.

فجاءت دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في هذه البلاد لتجدد ما اندرس من معالم دين النبي صلى الله عليه وسلم، وتعود بالناس إلى منهج السلف الصالح، فأعزها الله ونصرها وأقام دولتها على يد الإمام الصالح محمد بن سعود، فأزال الله البدع والمنكرات، وأقيمت الحدود، وحُكمت الشريعة، وأمر بالمعروف، ونُهي عن المنكر، وأُمنت السبل، وحج الناس بيت الله الحرام بأمان.

وكلما جرى على هذه البلاد من مصائب ونكبات، عادت بنصرة دين الله تعالى، ونشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والاهتمام بالتوحيد والسنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما هو حال دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وطلابه وأحفاده من بعده، كما حصل لجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، فمكنه الله من الأرض، وبسط نفوذه عليها، وأقام عماد دولته، ورفع منار التوحيد، ونشر السنة، على قلة من العدة والعتاد، وبغي وعدوان من أعداء الدين، كل ذلك لما أقام دين الله تعالى.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

اللهم لك الحمد حمداً كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً له وإقراراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً ... أما بعد عباد الله:

اعلموا أرشدكم الله لطاعته، أنه كما ينتسبُ إلى الإسلام مَنْ يخالفُهُ في أظهرِ أصولِهِ ومبادئِهِ، وينتسبُ إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم وحبِهِ مَنْ يخالفُ سنتَهُ، وينتسبُ إلى الأئمةُ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد مَنْ يخالفُهم في أصولِهِم ونصوصِ كلامِهم، فإنه لا غرابة أنّ نجد اليوم مَنْ يزعمُ الانتساب إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب وهو مخالفٌ له في أصلِ مذهبِهِ، ومِنْ ذلك ما تقومُ به الحركات التكفيّرية التي تدّعي الجهاد من الاهتمام بمؤلفاتِ الإمام محمد بن عبدالوهاب وهو منهم براء، فهو مِنْ أبعد الناس عن تكفيرِ الناسِ بغيرِ حقٍّ، وأرعاهم لحقوق الحرمات، ويرشد دوماً إلى السمع والطاعة لولاة الأمور، ونبذ الخروج وتفريق كلمة المسلمين، وما أجمل ما قاله في بيانه لانتكاس المفاهيم في حقوق الولاة، وأن من الناس من بات يظن أن الخروج على الولاة هو الحق والقوة، وأن السمع والطاعة هو الضعف والضلال، وهذا من انتكاس المفاهيم، فقال رحمه الله تعالى: (الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع، السمع والطاعة لمن تأمّر علينا، ولو كان عبدًا حبشيًّا. فبيّن الله هذا بياناً شافياً كافياً، بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا. ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به؟ !).

وهذا كلام صريح مليح في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة، وبيان حقوق ولاة الأمور، ولا يقول به الذين يكفرون الناس بغير حق، ويخرجون على ولاة الأمور، ويستحلّون المحرمات، ولئن ضلّ هؤلاء المنحرفون ببعض كلام الإمام محمد بن عبدالوهاب، فليس العيب في الإمام ولا في كلامه، وإنما العيب في فهومهم وقلوبهم الضالة.

فالإمام محمد بن عبدالوهاب ودعوته براء من تلك الدعوات التكفيرية الخارجية التي تكفر الناس بغير حق، وتنتهك المحرمات، وتفرق الشعوب المسلمة.

فيا عباد الله: لا تصدقوا ما يتفوه به كثيرٌ من أعداء الدين، وضعفاء العقول - حتى ولو ظهر في وسائل الإعلام وأقيمت له حلقات فإن الحق ظاهر وبضاعته كاسدة وخاسرة - من اتهام دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، وجعلها مصدراً للتكفير والتفجير، وهي الدعوة التي قامت عليها هذه البلاد، وتُقرأ مؤلفاته وتدرس في المدارس والجامعات والمساجد، ومنها تخرج كبار العلماء كالشيخ ابن باز وابن عثيمين، وهم أعداء الغلو في التكفير، وهم الذين ينكرون البغي والظلم والتفجير، وينبذون الخروج على ولاة الأمور، فكيف يظن الظآن: بأن داعش وأمثال داعش! وأولئك الخوارج الموارق يسيرون على دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، وهو منهم ومن سبيلهم براء؟

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفقنا لطاعتك ودلنا على سبيل مرضاتك واهدنا صراطك المستقيم.


نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة