بيان شيء من فضل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-
حسين بن حمزة حسين
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
جاءت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في هذه البلاد لتجدد ما اندرس من معالم دين النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعود بالناس إلى منهج السلف الصالح، وترسي الأمن والإيمان، فهيأ الله لهذه الدعوة من ينصرها بالسيف الإمام محمد بن سعود -رحمه الله تعالى-، فوسع الله ملكها، وأرسى أمنها واستقرارها، فأعزها ونصرها وأقام دولتها، فانتشر التوحيد، وامتلأت المساجد بالمصلين، وأُزيلت البدع والمنكرات، وأقيمت الحدود، وحُكمت الشريعة، وأمر بالمعروف، ونُهي عن المنكر، وأَمِنت السبل، وحج الناس بيت الله الحرام بأمان، وأصبحت الظعينة تسافر من مكة إلى صنعاء ومن الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها.
تميزَتْ هذه الدعوة المباركة كما هو منهج السلف الصالح بالاهتمام بالتوحيد ركن الأركان، فأرست العقيدة الحقّة، وحاربت البدع والخرافات، وصحّحَت عقيدة المسلمين في توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وخصوصاً في مجالات التوسل والشفاعة والاستغاثة؛ حاربت الصوفية بجميع طرقها والتي هي من أعظم أسباب ضعف العالم الإسلامي، أنكرت زيارة القبور الشركية والبناء عليها، وأنكرت اللجوء إلى الموتى -مهما كان قدرهم- في جلب خير أو دفع ضر، فهدمت جميع الأضرحة والقباب التي كانت على أرضها، فمن القبور التي هدمت: قبر زيد بن الخطاب، وضرار بن الأزور في نجد، وفي مكة هُدم ضريح خديجة في المعلاة، وهدم ضريح حمزة بن عبدالمطلب في المدينة، وفي اليمن يوجد أضرحة يتبرك بها العوام في الحديدة وحضرموت ويافع هدمت..، وفي العراق هدم ضريح أبي حنيفة ومعروف الكرخي.
وفي عام 1212هـ تم هدم الضريح الذي يزوره مئات الآلاف من الرافضة في كربلاء هذا الزمان.
قال المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر في كتابه: "عنوان المجد في تاريخ نجد" واصفاً حال نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب -رحمه الله- الجزء الثاني: "واعلم -رحمك الله- أن هذه الجزيرة النجدية هي موضع الاختلاف والفتن، ومأوى الشرور والمحن، والقتل والنهب، والعدوان بين أهل القرى والبلدان، ونخوة الجاهلية بين قبائل العربان، يتقاتلون في وسط البيوت والأسواق، والحرب بينهم قائمة على قدم وساق، وتعذرت الأسفار فيها من قديم وحديث، والطيّبُ فيها مغلوبٌ تحت يد الخبيث، فقام الشيخ رحمه الله بهذا النور، وزالت هذه الشرور، وساعده بالجهاد ملوكها، وجهزوا الجيوش لأقصى نواحيها، فأمنت البلدان، وأطاعت قبائل العربان، وعاشوا في عيش رغيد، وجد سعيد، حتى مضى عليهم ما مضى على أقرانهم من السلاطين والملوك، ونفذت فيهم أقدار مالك الملوك" ا. هـ.
حرص الشيخ محمد بن عبد الوهّاب -رحمه الله- على جمعِ الكلمة ووحدة الصف، وحارب التفرقِ والاختلاف والفتن.
وأمر بوجوبِ طاعةِ وليِّ الأمرِ في غيرِ معصيةِ اللهِ.
وجمع المصلين في الحرم المكّي على إمام واحد، وقد كان كلّ أصحاب مذهب يكفر الآخر فلا يصلّون خلفهم.
وأحيا رحمه الله فريضة "الحسبة"؛ أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأحيا فريضة الجهاد التي خمدت في نفوس المسلمين، فانتشر الدين الصحيح.
وظهر بحمد الله دين الله على الأرض قاطبة من جديد، وبلغت ثمرة دعوته ما بلغ نور الشمس، يقول الشيخ محمد أمان -رحمه الله- وهو أحد مشايخ الدعوة المباركة: "والذي يلمز دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كالشاة المذبوحة، تنتفض كي تموت، ولقد بلغت دعوته مرتفعات سيبيريا، وأعلى جبال الهملايا، وأواسط أدغال أفريقيا، ويشير على نفسه رحمه الله".
إن الدعوة السلفية التي جدد معالمها الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، وناصره عليها الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- دعوةٌ تقوم على الكتاب والسنة وعقيدة السلف الصالح، وهي أبعد ما تكون عن التكفير بغير حق، وعن استحلال الدماء بغير حق، دعوة تقوم على رحمة المسلمين وتوطيد علائق الإخوة بينهم في ذات الله؛ لذا نجحت وكتب الله لها القبول، وأحبها الناس في هذه الجزيرة، وأيّدها علماء الإنصاف والعدل في جميع أنحاء العالم والحمد لله، وهي الدعوة التي تخرج منها كبار العلماء كالشيخ ابن باز وابن عثيمين وغيرهم من رجال الدعوة وكبار هيئة العلماء، وهم أعداء الغلو في التكفير، وهم الذين ينكرون البغي والظلم والتفجير، وينبذون الخروج على ولاة الأمور.
فدعوته -رحمه الله- بريئة من فكر داعش والأحزاب التكفيرية المشابهة، قال رحمه الله -تعالى-: "الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع، السمع والطاعة لمن تأمّر علينا، ولو كان عبدًا حبشيًّا".
إن ممّن نال فضل هذه الدعوة الشيخ مُلاّ عمران بن علي بن رضوان، كان رافضياً من مدينة لنجة في إيران فأكرمه الله -تعالى- بالهداية فسلك منهج أهل السنة والجماعة ونبذ الرفض، وكان أهل الباطل ينبذوه بقولهم وهّابي حتى لقبوه بالوهّابي، فأنشأ منظومة في الرد عليهم، اخترت منها قوله رحمه الله:
إن كان تابع أحمد متوهبا *** فأنا المقر بأنني وهابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي *** رب سوى المتفرد الوهاب
لا قبة ترجى ولا وثن ولا *** قبر له سبب من الأسباب
كلا ولا حجر ولا شجر ولا *** عين ولا نصب من الأنصاب
أيضا ولست معلقا لتميمة *** أو حلقة أو ودعة أو ناب
لرجاء نفع أو لدفع بلية *** الله ينفعني ويدفع ما بي
والابتداع وكل أمر محدث *** في الدين ينكره أولو الألباب
أرجو بأني لا أقاربه ولا *** أرضاه دينا وهو غير صواب
وختاما: أقول -أيها الأحبة-: لما مات كل من الإمام محمد بن عبد الوهّاب والإمام محمد بن سعود، لم تمت دعوتهم ولم تنتهي دولتهم والحمد لله، بل هي قائمةٌ راسيةٌ رسوُّ الجبال المنيفة، تقلّد زمامَ الدعوة حكاما وعلماء وشعوباً مؤمنة قويّة، بذلوا الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على هذه الدعوة السلفية والوطن، جيلا بعد جيل "أمة عظيمة"، فسطروا لنا المجد بمداد الدم والعلم والعز والتمكين، حتى وصل الأمر إلينا، لنحافظ على ما تركوه لنا، لنتمسك بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، لا تغيير ولا تبديل، لنكن صفا واحدا مع ولاة أمرنا ضد أعدائنا في كل وقت وحين، لنحافظ على ديننا ووطننا ونقدم أغلى ما عندنا ويسلم ديننا ووطننا.
نشر :
إضافة تعليق جديد