الإمام محمد بن عبدالوهاب المُفْتَرى عليه

حسن علي البنفلاح

كثر اللغط والهرج من أطراف مختلفة وأقوام متعددة وأفراد ذوي توجهات سيئة حول سمعة ومقام الإمام الفاضل الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فقد اتخذت هذه المجموعات الهجوم الظالم الموغل في الحقد والكراهية وسيلة لتشويه مكانة هذا الشيخ الجليل، متجاهلين أن هذا الرجل الصالح ما هو إلا داعية للخير لم يقصد من نشاطه ومساعيه الدينية والدعوية إلا خير أمة الإسلام، فكان نهجه الدعوي (رحمه الله) نموذجا رائعا لإثبات الحق والتبصر في أمور الدين بأساليب إيمانية صحيحة لا تشوبها أي شائبة، ولكن المغرضين أعداء الحق والخير دأبوا على مهاجمة الشيخ والحط من قدره وهو الشيخ الجليل الداعي إلى الإصلاح والمجاهد في سبيل الحق، لقد ادعى كثير من الحاقدين على دعوته أن منهج هذا الإمام يمثل بدعة دينية تخالف مذاهب الإسلام، وهذا خطأ في الفهم والإدراك ترتكبه هذه المجموعات الضالة ليس له أي أساس من الصحة والمنطق.

فمن هو محمد بن عبدالوهاب رحمه الله؟ وما هي دعوته؟
هو أحد شيوخ الإسلام، وهو أحد الداعين إلى تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة والضالة المنتشرة بين مسلمي الأمة، كانت دعوته تحفز على تطبيق المبادئ والقيم الصحيحة لرسالة الإسلام، ويرجع نسبه إلى قبيلة تميم الشهيرة، وقد ولد رحمه الله سنة 1115 للهجرة في بلدة العينيّة القريبة من مدينة الرياض، ونشأ في معية والده الشيخ عبدالوهاب الذي كان فقيها وقاضيا، فتعلم من والده كثيرا من العلوم الشرعية، وحفظ القرآن الكريم وهو لم يتعدَّ العاشرة من عمره، وقدّمه والده ليؤم الناس في الصلاة جماعة وهو في الثانية عشرة من عمره، وتزوج مبكرا شابا يافعا، وامتاز رحمه الله بمثابرته على طلب العلم والتفقه في الفقه الحنبلي وفي التفسير والحديث والعقيدة.

كان رحمه الله شغوفا بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيّم رحمهما الله، وعندما حج إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج نهل من علوم علماء الحرمين الشريفين والعلماء الموجودين في مكة والمدينة، ثم رحل إلى العراق واستفاد من علماء البصرة، ثم أراد التوجه إلى الشام فلم يستطع إكمال رحلته، فرجع إلى نجد مارا بالأحساء لينهل من علمائها العلم الغزير. ولما أنهى هذا الشيخ الوقور رحلات العلم التي قام بها أخذ ينشر علمه ويعلم الناس ما وفقه الله إليه من علوم وقيم دينية صالحة لكل أوان استوعبها من علماء الحرمين الشريفين والعراق والأحساء، وكان رحمه الله ذكيا فطنا مثابرا في طلب العلم والدعوة إلى الله، جريئا في طرحه، شجاعا في قوله، محقا في رد الباطل على أصحابه، كان مستوعبا ومحبا لعلوم العقيدة وعظمة شأنها ونصاعة منهجها وروعة أهدافها وغاياتها.

كان جوهر دعوة الشيخ وغاية رسالته هو إنكار البدع ومحاربة الغلو في الاعتقادات والسلوكيات الدينية الخاطئة التي ليس لها أساس من الصحة في العقيدة والشريعة السماوية الأصيلة التي نزلت على رسول الأمة محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)، وعندما بدأت جرأته في إظهار الباطل وإنكار مظاهر الشرك المتمثلة في تقديس القبور والموتى وعبادة الأشجار والأحجار، كاد أن يتعرض للأذى نتيجة نصحه وإصراره على دعوته، فخرج من العراق مسرعا عائدا إلى موطنه، فأخذ ينصح الناس إلى اتباع طريق الله المستقيم بكتابه الكريم ومبادئ رسوله العظيم في إطار من القيم الدينية العظيمة التي اشتملت عليها رسالة خاتم الأنبياء وخير المصطفين، وتفهم الناس هذه الدعوة وقبل بها بعضهم بادئ الأمر، ولكنها بحكم أنها جاءت بجرأة وشجاعة ليس لها نظير من قبل فقد عارضها كثير من الناس وتعرضوا للشيخ بالأذى بسببها، فنصحه والده بأن يخفض من نشاطه، ولكنه بعد وفاة والده واصل طريق دعوته، وبدأ بالنصح والإرشاد وتعليم الناس أمور دينهم الصحيح، وأنكر على المفسدين من الناس الفسق والبدع، حتى وصل الأمر أن تآمر جمع من الناس على قتله، ولكن الله كان في حماه فأنقذه من هذه المؤامرة الدنيئة.

كانت بداية نجاح دعوته الخالصة لله عندما التقى بأمير العُيَينة عثمان بن مُعَمَّر، فدعاه إلى تطبيق الشريعة والدعوة إلى التوحيد ووعده بالنصر والمؤازرة، فقبل ابن مُعَمَّر نصرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وبدأ بهدم الأشجار المقدسة عند الناس، وكذلك هدم القباب والقبور وإنكار المنكرات وإقامة الحدود. ولكن المفصل الذي دعّم حياة الشيخ وأكسب دعوته الإيجاب والتوفيق عندما توجه إلى أمير الدرعية الإمام محمد بن سعود، ونزل في ضيافة أحد طلابه وهو علي بن عبدالرحمن بن سويلم فأكرمه، وصار الناس يتوافدون على الشيخ في منزل ابن سويلم. وكان الأمير محمد بن سعود أحد من التقى بهم وأراد أن يستفهم منه دعوته، فشرح له الشيخ هدفها الأسمى وهو توحيد رب العالمين، وذكّره بالله ورجاه أن يكون إماما للمسلمين فيجمع الله له الدين والدنيا ولذريته إن استمسك بهذه العقيدة الصحيحة، فشرح الله صدر الإمام محمد بن سعود لهذه الدعوة المباركة، واقتنع بصحتها وقوتها وثبات أمرها وعاهد الشيخ على نصرة التوحيد والدعوة إليه.

وعندما تأسست الدولة السعودية في مرحلتها الأولى عام 1158 للهجرة قامت على دعامتين أساسيتين هما القوة والشكيمة ممثلة في الإمام محمد بن سعود وقلم ولسان الشيخ محمد بن عبدالوهاب (رحمهما الله)، فانطلقت الدعوة نحو التوحيد وبث الرسائل لكل الناس القاطنين في القرى والمدن المحيطة ببلدة الدرعية، فانتشرت الدعوة بهذه الرسائل بصورة منقطعة النظير.. عندها بدأ أهل الفساد والباطل يحاربون هذه الدعوة ويسعون إلى تدميرها أو وقفها بكل ما أوتوا من قوة وبشتى الطرق الممكنة وكأنهم يحاربون مبدأ التوحيد ويرضون بالشرك كعبادة الأشجار والقبور التي كانت منتشرة في تلك البقعة من الجزيرة العربية دينا، بل كانوا يعبدون بعض المغارات حيث تذهب إليها المرأة العقيم من أجل الحمل. وأخيرا نجحت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بمؤازرة الإمام محمد بن سعود، وكتب لها النصر من الله والتوفيق ممن آمن بها وصدقها. وبوفاة الإمام محمد بن سعود (رحمه الله) وقد التأمت نجد تحت إمرته، تولى ابنه عبدالعزيز مسؤولية أمانة حمل الدعوة ونشرها، ثم تبعه في ذلك ابنه سعود، إذ بلغت الدعوة في عهده والدولة السعودية الأولى أوج قوتها وشدة عزمها.

توفي الشيخ الوقور محمد بن عبدالوهاب أواخر سنة 1206 هجرية وكان عمره آنذاك 91 سنة، بعدما عاش ورأى ما يسره من انتشار دعوة التوحيد ونبذ الخرافات والخزعبلات والشرك بالله، وبعد أن سرى مفعولها في جميع بلاد العالم ولقيت القبول والثناء من أهل الخير والصلاح والصدق والإخلاص.. رحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جناته.

من الحقائق التي لا بد من تأكيدها أنّ من أساء إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب في شخصه وفي دعوته كان مصدره حالة من الحقد والكراهية ترسخت في نفوس أصحابها نتيجة الاختلاف في التوجهات الدينية المذهبية الطائفية للنيل منه ومن دعوته ومن آزره ومد له يد العون في العالم العربي برمته، وكل ذنبهم أنهم أيدوا دعوته في اتباع عقيدة التوحيد وقواعد السنة النبوية الشريفة. إن دعوة الشيخ لم تكن ضد الإسلام بقدر ما كانت مؤازرة ودعما للإسلام والمسلمين باتباع النهج السليم ومبادئ الإسلام الحنيف الذي يدعو إلى توحيد رب العالمين والابتعاد عن كل فكر ضال يدعو إلى الشرك والضلال وعبادة الطواغيت وتشويه الرسالة الخاتمة التي جاء بها النبي الأمي صلى الله عليه وسلم واتّبعها أصحابه الكرام ونشروها في جميع أصقاع العالم، وكان مراد هذه المجموعات بمواقفها ضد الشيخ ودعوته بث الفتن والأحقاد بين المسلمين لإبعادهم عن الإيمان الصحيح الذي جاءت به الرسالة الخالدة التي تدعو المسلمين إلى عبادة رب العباد وحده لا شريك له، والإيمان رسالة نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم.
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة