مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب

الشيخ علي بن عبد الله النمي

أولًا: وهو أمر بالغ الأهمية:

اعلم أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ينتمي إلى العلم والعلماء، فقد وُصِفَ بالعلم وعُدَّ في العلماء، بل هو محسوب في طبقة الربانيين منهم، وهذا الانتماء العلمي - الذي شاد عليه بناؤُه الدعوي بمعناه الشامل - تمخَّض عنه مزايا سامية وسمات عالية، حظي بها الشيخ، وظهر أثرها على دعوته الإصلاحية؛ فمن تلك المزايا: سلامة المعتقد وصحة المنهج - وحسبك بهما - والبصيرة الدعوية المتضمنة للعلم (فيما يدعو إليه وبحال المدعو، وفي كيفية الدعوة)، واليقين بالحق والعمل به وإيثاره.

ولما باشر الشيخ دعوته عالمًا متأهِّلًا قادرًا على المناظرة، وإقامة الحجج يستطيع أن يفند كل شبهة تعترضه، جاءت دعوته قوية نقية من البدعة والخرافة، بعيدة عن الجهل والحماقة، مما جعل دعوة الشيخ مميزة على دعوة الكثيرين.

لقد نشأ - وخاصة في الأزمنة المتأخرة - دعاة اندفعوا بالعاطفة الدينية، ولكن غلب عليهم الجهل لقلة بضاعتهم العلمية، أو استمالهم الهوى لضعف إيمانهم؛ فلم تخلُ دعوتهم من منهجية منحرفة، وبدعة مقصودة أو غير مقصودة، فعَظُمَتْ بدعوتهم الرَّزيَّةُ، وعمَّت البليَّة، وتضرَّرت الأمة.

ثانيًا: اعلم - رحمني الله وإياك - أنه كما ينبغي على كل عبد أن يبتغي الإسلام دينًا، كذلك ينبغي على كل مسلم أن يبتغي عقيدةَ ومنهج أهل السنة والجماعة مذهبًا في الأمور العلمية العقدية، وفي الأمور العملية الحكمية، وفي الأخلاق والمعاملة.

ولما كان مذهبُ شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله مذهبَ أهل السنة والجماعة، ونسج دعوته الإصلاحية بأصولهم وأسسهم، حالف دعوته التوفيق.

 

ثالثًا: المسائل العلمية الفقهية يجوز للمسلم أن يقلِّدَ فيها إمامًا من الأئمة فيما وافق السنة، والمقلد ليس معدودًا من أهل العلم، فالعلم معرفة الحق بدليله، وهذا إجماع حكاه ابن عبدالبر وغيره.

قال ابن القيم رحمه الله:

العلمُ معرفةُ الهدى بدليلِهِ ♦♦  ما ذاك والتقليدُ يستويانِ

ولا حرج على المسلم أن يتفقَّه في المسائل العملية على أحد المذاهب الأربعة المتبوعة المشهورة: (المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي)، ولكنَّ الحقَّ ليس ينحصر فيها، وقد ينشأ الشخص على المذهب السائد في بلده، ويتلقَّى العلم على أصول وكتب ذلك المذهب، ولكن لا يجوز له أن يجعل ذلك المذهب محور الولاء والبراء، ويمتحن الناس عليه، كذلك يجب عليه إذا بلغ معرفة الراجح من المرجوح بالأدلة اتباعُ الدليل؛ لأنه الأصل - وافق مذهبَه أو خالفه - وهذا الاتباع لا يخرجه عن كونه حنفيًّا أو مالكيًّا أو شافعيًّا أو حنبليًّا.

قال الشافعي رحمه الله: أجمَع المسلمون على أن مَن استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَكُنْ له أن يدعَها لقول أحد من الناس.

والشيخ محمد بن عبدالوهاب حنبليُّ المذهب مقتدٍ بإمامه، لكنه لم يقنع بمحض التقليد والجمود، بل بحث وفتَّش، وسار مع الدليل حيث سار، ووقف معه حيث وقف.




نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة