الدعوة الإصلاحية وتأسيس الدولة السعودية أحدثا تغيراً جذرياً في الجزيرة العربية

سعود بن مقبل العصيمي 

إن المطلع على حال هذه البلاد قبل دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب وما ساد فيها من الجهل والشرك من الناحية الدينية، وما تفشى من التفرق والظلم والقتل والنهب وقطع الطريق من الناحية السياسية؛ علم أثر هذه الدعوة المباركة وما نتج عنها من إصلاحٍ تَغَيَر به واقع هذه البلاد، بعد أن جاء الإمام محمد بن عبدالوهاب بشجرة: (لا إله إلا الله) وزرعها في هذه البلاد، وقيض الله له الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- فناصر هذه الدعوة وحماها بكل ما كان يملكه في سلطانه، ثم توالت العصور على هذه الدعوة وأبناء وأتباع الشيخ محمد يسقون هذه الشجرة بعلمهم، وأبناء الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- يذودون عنها بسيوفهم ودمائهم حتى وصلتنا نقية صافية -فلا حرمهم الله أجرها-.

وليعلم القارئ الكريم أنه لم تقم دعوة إلا ولها أعداء، ولم يكن لسلطانٍ ملك بلا أعداء؛ فلذلك حصل ما يحصل في كل بلاد العالم من العِداء على هذه الدعوة المباركة، وعلى هذه السلطة في بلاد نجد، ولكن لا يخلو زمان من عقلاء ومحايدين يطرحون الحقيقة كما يدينون بها الله جلا وعلا وهم كثير ولله الحمد، وقد اخترت منهم في موضوعي هذا الشيخ: محمد رشيد رضا -رحمه الله- مؤسس مجلة المنار في مصر العربية؛ ليكون راويتنا عن ذلك العصر لأسبا ب منها معاصرة الشيخ رحمه الله لأهم الأحداث ولكونه من غير أهل البلد .

أولاً، الهجوم على الدولة السعودية:

دأب الإعلام في بعض العواصم العربية واستأسد في الهجوم على الملك عبدالعزيز وأتباعه بعد دخول الرياض وحتى توحيد المملكة، ويمكن أن نتكلم عن الهجوم على الدولة السعودية من عدة نواح:

أ- أسباب الهجوم على الدولة السعودية كثيرة منها ما يأتي:

سبب الهجوم سياسي بحت؛ فعند قيام الدولة السعودية تخوف بعض الحكام من زحف الدولة السعودية فسخروا لذلك العديد من الكتاب والمرتزقة للتشكيك في أمرها.

بعض من يهاجم الدعوة في نجد يجهل بواقع الدعوة؛ فلعل ما يقال عن أهل نجد - إن صح - يكون من جهل بعض أفرادهم لا من مذهبهم، كما أن ما في بلادنا (يقصد -رحمه الله- بلاده التي يعيش فيها) من أحكام القوانين وأعمال الكثير من الفساق والمرتدين هو من جهل بعض الناس بالدين أو ترك الاهتداء، وليس عملاً بمذهب أبي حنيفة الذي هو مذهب الحكومة وأكثر الولايات التركية، ولا بمذهبي مالك والشافعي اللذين ينتمي إليهما أكثر أهل هذه الولايات العربية.

ب- أساليب الهجوم على الدولة السعودية:

اتخذ أعداء الدولة السعودية أساليب عدة للهجوم على الدولة السعودية؛ وذلك لتبرير الأفعال الجائرة ضد أهل هذه البلد ومنها ما يأتي:

التشكيك في عقيدة الدولة السعودية؛ وهذا أسلوب اتبعه أعداء الدولة السعودية من الدولة التركية وأنصارها؛ لتبرير الحرب على هذه الدولة الفتية، وقد سخرت لهذا الأمر العديد من الكتاب والمرتزقة الموالين للحكام؛ فاتخذوا لذلك عدة طرق منها:

الطريقة الأولى: قذف الدعوة النجدية بالابتداع، وأجاب الشيخ -رحمه الله- عن هذه الأكذوبة بجوابين هما:

أولاً: أن أهل نجد لم يأتوا بدين جديد، وإنما هم على مذهب السلف في العقائد، وعلى مذهب الإمام أحمد في الفروع.

ثانياً: أن هذه التهمة سياسية محضة؛ وذلك للخوف من قيام دولة قوية.

الطريقة الثانية: إشاعة بأنهم سيهدمون الروضة الشريفة، وأجاب عن هذه الشبهة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كما نقل عنه الشيخ، فقال: إن أعداءنا يشيعون أننا إذا استولينا على المدينة نهدم روضة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحاشا أن تحدث نفس مسلم بذلك، إنني أفتديها بنفسي وولدي ومالي ورجالي.

تخويف الناس من الوهابية؛ بأنهم الوهابية سيمزقون أشلاءهم، ويبقرون بطون نسائهم، ويقطعون أعضاء أطفالهم على مرأى منهم، ثم ينهبون جميع ما يملكون.

إشاعة أن محمد علي قام بخدمة الإسلام بمحاربة الدولة السعودية، فقال الشيخ -رحمه الله-: أن هذا رأي العوام بسبب ما لبسه عليهم الإعلام، أما الخواص فيعتقدون أن هذه أعظم سيئة لمحمد علي؛ حيث إن الوهابيين والدولة السعودية لو أعطوا الفرصة لأعادوا للإسلام مجده الأول.

اتهام الدعوة النجدية بتكفير المسلمين:

اتخذ أعداء الدولة السعودية تهمة التكفير أسلوباً من أساليب الطعن في عقيدة الدولة السعودية، وأجاب الشيخ -رحمه الله- عن هذه الشبهة بجوابين:

الأول: أن من يتهم علماء السعودية بالتكفير لا يفرقون بين تكفير الفعل وتكفير المعين.

ثانياً: أن علماء السعودية لا يكفرون أحداً إلا بأمر مجمع عليه، ومقرر في المذاهب الأربعة.

إشاعة أن علماء الدولة السعودية لا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أسلوب اتبعه أعداء الدولة السعودية لتشويه سمعتهم، وأجاب الشيخ -رحمه الله- عن هذا فقال: قلت لجلالة الملك عبدالعزيز: إنني ألحظ أنكم تصلون على النبي في كل مرة يرد ذكره فيها ومع ذلك نرى بعضهم يتهم الوهابيين بعدم الصلاة على النبي، فقال جلالته:

هذا أمر غريب جدّاً، كيف لا نصلي عليه؟ ومن الذي نحبه بعد الله أكثر من نبينا صلى الله عليه وسلم، فو الله إنه أحب إلينا من كل شيء، وإنا نغار عليه وندافع عن دينه كما نغار على حريمنا وأكثر، بل إننا نحب خلفاءه الراشدين، ونحب كل خادم للإسلام ولاسيما الأئمة الأربعة، ونحن طلاب حق نتبعه أينما وجدناه ونأخذ الصحيح في أي مذهب كان أو على يد أي عالم أتي به لا نفرق بين أحد، وها نحن نحب تفسير ابن كثير ونعنى به كثيراً وصاحبه شافعي، وإذا نحن جنحنا إلى مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه فلأنه يعنى بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره من الأئمة كما هو معلوم.

فهل بعد ذلك يقال عنا أننا لا نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي جاء بالدين الحق الذي ندين الله به؟ -وتوسع جلالته في ذلك كثيراً، وكانت أمارات التأثر بادية على محياه بجلاء تام.
ثانيا، التعريف بالوهابية:

الوهابية مصطلح أشاعه أعداء الدولة السعودية؛ وذلك لاتهامهم بالابتداع في الدين وأنهم أقاموا ديناً جديداً، ولذلك أوضح الشيخ -رحمه الله- عقيدة الوهابية بما يلي:

أن الوهابين -كما يسمونهم- لم يأتوا بعقيدة جديدة أو دين جديد وإنما هم على منهج أهل السنة والجماعة.

أنهم في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله.

وأن الكتب المعتمدة عند علماء الدولة السعودية إنما هي كتاب الله وكتب السنة المعتمدة، ولا يقدمون على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من أقوال الرجال أياً كان، بل ينكرون على من يخالف صريح السنة.

وعلى من يقدح في الوهابية أن يأتي بمسألة مما عليه جمهور علماء نجد لا أصل لها في الكتاب والسنة.

وأن غالب ما ينسب إلى الوهابية من المقالات السيئة والاعتقادات الفاسدة لو رجعنا إلى كتبهم لألفيناهم يتبرءون منها.

واطلعت على كتب الشيخ: محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وأطءلَعءتُ عليها العديد من العلماء فأثنوا عليها -ثم قال-: إن هؤلاء قوم مصلحون أرادوا إعادة الإسلام إلى عهده الأول، وأنه لم تظلم طائفة من المسلمين بمثل ما ظلم به هؤلاء القوم.

ومحمد بن عبدالوهاب مجدداً، وليس مبتدع: فقد الشيخ محمد عبدالوهاب - رحمه الله تعالى - بتجديد الدين في بلاد نجد وغيرها، وإرجاع الجماهير من العرب الذين كانوا على جاهلية شر من الجاهلية الأولى إلى الكتاب والسنة قولاً واعتقاداً وعملا.

وليس هنالك نظام أصلح وأرجى لإصلاح حال المسلمين من نظام الوهابية إذا أتيح له ما يحتاج من المساعدة.

ثالثاً، التجديد والإصلاح في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-:
قام الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في بداية عهده بعدة إصلاحات في نواح مختلفة استحق بذلك أن يطلق عليه مجدداً، ذكر منها الشيخ ما يأتي:

أ- الإصلاح الديني:

من أهم الأسس التي أقام عليه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- دولته الإصلاح؛ بل قال: والحق أنه لا يوجد - فيما نعلم - من أمر بلاد الإسلام قُطر يقام فيه الإسلام مثل نجد، سواء في ذلك الأعمال الشخصية والقضائية، أو بث الدعوة ومقاومة البداوة، وإلزام البدو بالعمران والحضارة، ومنعهم من الغزو والعدوان بغير حقّ، لأجل الارتزاق والكسب، وإنما يقاتل النجديين البدو لأجل هذا، ولم يتعدوا على حكومةٍ منظمةٍ لأجل فتح بلادها، وإنما أزالوا إمارة ابن الرشيد؛ لأنه لا يجوز أن يكون في قطرٍ واحدٍ حكومتان مختلفتان، وآل سعود هم الأمراء الشرعيون لهذه البلاد، وقد اختاروا في إزالتها أخف الضررين وهو الحصار.

ومن معالم الإصلاح في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-:

إبطال القوانين الوضعية، وإقامة الأحكام الشرعية.

تطهير البلاد من الشرك الذي كان فاشياً في تلك الأزمان.

نشر العلم بين أهل البادية الذين فشا بينهم الشرك واستحلال الدماء وترك الصلاة.

منع الدعارة وبيع الخمور.

ب- الإصلاح الداخلي والسياسي:

قام الملك -رحمه الله- بعدة إصلاحات داخلية وخارجية، نذكر منها على سبيل المثال -لا الحصر- ما يلي:

الأمن: فإن فضل الله تعالى على الحجاز وحجاج الأقطار في هذا العصر بالملك عبدالعزيز آل سعود أعظم، فإنه لم يعرف المسلمون عصراً بعد صدر الإسلام كان الحاج فيه آمَنَ على نفسه وماله من الظلم والتعدي مثل هذا العصر، وقام -رحمه الله- بمحاربة قطاع الطريق.

توفير السبل لراحة الحجاج: فقد سخر الملك -رحمه الله- الإمكانات مع قلتها لخدمة حجاج بيت الله فعبد الطرق، ووفر وسائل الإسعاف والعلاج للحجاج.

المجالس المفتوحة: فقد كان للمك الراحل -رحمه الله- مجلساً في كل موسم من مواسم الحج يدعوا فيه كل من يزور مكة من العلماء والوجهاء ويسمح لهم بالخطابة والكلام بما فيه المصلحة العامة؛ فيكون هذا الاجتماع وسيلة للتعارف بين كبراء المسلمين؛ وهذا ما يتمناه عقلاء المسلمين.

رابعاً، أسباب تأيد الملك عبدالعزيز:

ذكر الشيخ -رحمه الله- أسباب تأييده للملك عبدالعزيز -رحمه الله- فيما يلي:

1- إن أعظم جناية يجنيها مسلم على الإسلام والمسلمين والعرب السعي لإقرار سلطة علي بن حسين وإبقائه ملكاً على الحجاز، فقد سنحت الآن الفرصة لأعظم إصلاح يمكن أن يقوم به المسلمون في مهد دينهم، فإذا أضاعوها يخشى أن لا تعود.

قد تولى إمارة الحجاز كثيرون من هؤلاء الناس الذين يسمون شرفاء مكة في بضعة قرون، فلم يخرج منهم مصلح في علم ولا عمل ولا ديانة ولا سياسة ولا إدارة، بل كان أكثرهم مفسدين ظالمين، وأقلهم غير نافعين ولا ضارين، والدليل على ذلك سوء حالة الحجاز في جميع هذه القرون، ورجوع بدوه إلى شر مما كانوا عليه في الجاهلية، وكون حضره أسوأ حالاً من جميع سكان المدن في البلاد الشرقية.

2- إنه لم يكن يوجد في الدنيا شعب إسلامي غير النجديين يمكنه إنقاذ الحجاز من الخطر الذي كان محيطاً به بعد احتلال الأجانب لفلسطين وسورية والعراق.

3- اعلموا أنه لا توجد حكومة إسلامية غير حكومة نجد، تقدر الآن على حفظ الأمن في الحجاز، ومنع التعدي على الحجاج، ثم على إصلاح حال قبائل الأعراب فيه، ومنعهم من الغزو لمجرد التعدي أو الكسب والنهب، فيجب أن يعضدها جميع العالم الإسلامي، وسيرون صحة قولي في هذا كما رأوه في غيره.

4- أنه لا يليق بالإسلام، ولا ببيت الله الحرام، أن يكون في مكة وهي البلد الأمين، والمعبدالأعظم للمسلمين، ملك قاهر مستعلٍ على الناس، يقتل ويسجن ويعذب ويفرض الغرامات، ويعادي جيرانه ويقاتلهم.

5- يجب أن يكون الحجاز قطراً على الحياد لا يُقَاتِل ولا يُقاتَل ولا يكون لأحد من الأجانب غير المسلمين نفوذ فيه، ولا حق سُكءنى ولا ملك ولا حماية أحد من الحجاج ولا من غيرهم.

ولا يوجد مسلم يعرف دينه يرضى أن يكون بلد الله الأمين تحت حماية حاكم غير مسلم، أو يجعل نفسه ذريعة لتدخله في شؤونه، وإهانته لحكومته الإسلامية

6- يجب أن يكون الحجاز مهد العلم والصلاح والإصلاح.

7- إن ما أشرنا إليه، ونقلنا بعضه في المقالة الرابعة من أقوال سلطان نجد وبلاغي نجله، وما لدينا من الاطلاع الخاص، يعطينا اعتقاداً جازماً بأن السلطان عبدالعزيز بن سعود يقبل بكل ارتياح، أو يدعو إلى عقد مؤتمر إسلامي في مكة المكرمة يؤلف من خواص مسلمي الشعوب الإسلامية؛ للبحث وتقرير النظام الذي أشرنا إليه، كما أنه سيرسل وفداً من علماء نجد لحضور مؤتمر الخلافة الذي سيعقد في مصر، فهل كان أحد من المسلمين يطمع في شيء من هذا قبل إنقاذ هذا الرجل العظيم للحجاز من قبضة الطاغوت؟
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة