قضية العذر بالجهل عند الإمام محمد بن عبد الوهاب

مركز سلف للبحوث والدراسات

قبل الإتيان ببعض نصوص الإمام في هذه المسألة لا بدَّ من تبيين أمر في غاية الأهمية، وهو أنَّ قواعد الإمام وأصوله في هذا الباب منضبطة، وأقواله إذا ظهر منها التعارض فإنه ينبغي ردُّها إلى القواعد والأصول، فيُؤخذ منها ما يوافق الكتاب والسنة ويرجَّح على غيره.

والإمام محمد بن عبد الوهاب متَّبع للسنة سائرٌ على نهج الأئمَّة، فأقواله لا ينبغي أن تخرج على غير هذا الأصل، وهو موافِقٌ لأهل العلم في مبدأ اشتراط قيامِ الحجة للحكم على المعين من أهل القبلة بالكفر، فيقول في ذلك: “إنَّ ‌الشخص ‌المعيَّن ‌إذا ‌قال ‌ما ‌يوجب ‌الكفر، فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفيَّة التي قد يخفى دليلُها على بعض الناس، وأمَّا ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجليَّة، أو ما يُعلَم من الدين بالضرورة، فهذا لا يُتوقَّف في كفر قائله، ولا تجعل هذه الكلمة عكازة تدفع بها في نحر من كفَّر البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات، بعد بلوغ الحجة ووضوح المحجة“.

وفي تقريره لهذا الأصل ما يشهد لما نقول من أنه يَعذُر بالجهل، ولا يخالف الأصولَ والقواعد، ومن شواهِد ذلك في كلامه قوله: “وإذا كنَّا ‌لا ‌نكفِّر ‌مَن ‌عبَد ‌الصنمَ الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما؛ لأجل جهلهم وعدم مَن يُنبِّههم، فكيف نكفِّر من لم يشرك بالله إذا لم يُهاجر إلينا، أو لم يكفِّر ويُقاتل؟! سبحانك هذا بهتان عظيم”.

وهذه نصوص من الإمام في محل النزاع، وما بقي من الأقوال فإنه لا يخرج عن هذا التأصيل، فهو إما مجمل لا حجةَ فيه، أو تقرير لحكم قضائيّ في قبول دعوى الجهل من عدمه، وهي غير مسألة العذر بالجهل، كما أن الجهل الذي يعذر به صاحبه هو الجهل الناتج عن عدم التفريط والتقصير، والله الموفق.
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة