تعليقٌ على دعوى يرددها بعض الفضلاء عن حال البلاد قبل الدعوة الإصلاحية

سليمان بن صالح الخراشي

انخدع بعض الفضلاء - عفى الله عنهم - بدعوى رددها خصوم الدعوة الإصلاحية التي قام بها الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله -، هي زعمهم أن علماء الدعوة ومؤرخيها بالغوا في وصف حال البلاد النجدية المُظلم قبل دعوة الشيخ ، حتى قال أحد الخصوم - وهو ابن عمرو - " إنه لم يوجد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم في نجد ومايليها من الأقطار والأمصار شركٌ ولا كفر" !.

كما يقول الشيخ ابن سحمان - رحمه الله - "بأن ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب من الدعاء إلى توحيد الله، والنهي عن الشرك: أنه ليس من الدين في شيئ ، بل هو مجرد هوى وطلب للملك بدعوى الجهاد ". (انظر: الرد على ابن عمرو، ص 135، عن مجلة الدرعية ع 2 ص 270).

وقد أشار الإمام المجدد إلى هذه الدعوى التي نشرها الخصوم في عصره في رسالته إلى محمد بن عيد ( كما في الدرر 10/114 )، قال: "فلما أظهرتُ تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، سبّوني غاية المسبة ، وزعموا أني أكفر أهل الإسلام ، وأستحل أموالهم ، وصرحوا أنه لا يوجد في جزيرتنا رجل واحد كافر"!.

فتأثر بعض الفضلاء - كما سبق - بمثل هذه الدعاوى - للأسف - ، عندما أخذت بعضهم الحمية للبلاد النجدية ، زاعمًا المبالغة في كلام علماء الدعوة ومؤرخيها عند حديثهم عن الحالة الدينية أو العلمية في نجد قبل الدعوة ، مدعيًا خلاف ذلك ، وفي هذا ما فيه من التشكيك بكلام العلماء الثقات ،  قادهم إليه عدم فهمهم لمقصودهم.

وتوضيح هذا: أن علماء الدعوة - كالشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن في رسالته عن أحوال البلدان قبل الدعوة ، في الدرر السنية 1/373-439، ومؤرخيها ؛ كابن غنام وابن بشر في تاريخيهما - عندما يتحدثون عن انتشار البدع والشركيات فإنه لا يستلزم من كلامهم هذا : جهلهم بوجود العلماء - بالمعنى العام - قبل الدعوة ، ممن يشتغلون بالفتيا أو القضاء أو الإمامة ، فهذا لايجهله العامة فضلا عن العلماء والمؤرخين ، ولكن وجود هؤلاء العلماء المُشار إليهم لا ينفي ما ذكره أئمة الدعوة من انتشار البدع والشركيات في عصرهم ؛ لأنهم لا يخرجون عن ثلاثة أصناف :

1- إما عالمٌ مبتدع ، يدين بالعقيدة الأشعرية التي لا تُقيم لتوحيد الألوهية والعبادة وزنًا ، وإنما همها إثبات وجود الخالق ، وتوحيد الربوبية الذي لم يُنكره حتى  الكفار ! ، ولهذا فهؤلاء " العلماء "  لايرون في تلك الممارسات البدعية أو الشركية انحرافًا ! إن لم يؤيدوها .

2- وإما عالم "مداهن"، رضي بالمنصب والجاه ، رغم علمه بانحراف كثير من العامة ، لكن يمنعه ماسبق ، وهؤلاء وصفهم الإمام في إحدى رسائله بأنهم " لحىً فوائن " - أي لانفع منها -.

3- وإما عالم " جبُن " عن مخالفة واقعه وأبناء عصره ، فرضي بالانزواء أو السكوت.
إذًا .. فعلماء ومؤرخو الدعوة ليس في كلامهم عن أحوال نجد  " مبالغة " - كما ظن بعض الفضلاء - عفى الله عنهم - ؛ لأنه لا تعارض عندهم بين مايسميه هؤلاء الفضلاء - علمًا وعلماء - ويعنون المعنى العام ، وبين وجود الانحرافات المستطيرة بين العامة والبادية ، بل وبعض مبتدعة العلماء .

فمن الخطأ البين بل السذاجة أن يُشغل هؤلاء أنفسهم لإثبات " المبالغة " المزعومة بمجرد وجود مخطوطة كتبها أحد العلماء النجديين قبل الدعوة ! أو وجود العالم الفلاني الذي ألف في الفقه أو المواريث ! حتى وصل الحال ببعضهم - لكي يُثبت هذه المبالغة - أن يستشهد بقدوم " الأوزاعي " في القرن الثاني أو الثالث لمنطقة اليمامة للتتلمذ على المحدث يحيى بن أبي كثير - رحمهما الله - !! و لا أدري ما علاقة هذا بدعوة الشيخ وماقبلها ؟!
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة