"محمد بن عبد الوهاب" .. مُصلحًا ومُجدِدًا

بقلم/ محمد مسعد ياقوت

رأيتُ أرباب الفُسولة يقولون عن فلان : هذا وهابي .. لأنه من أتباع هذا الشيخ ( محمد بن عبد الوهاب )
ورأيتهم يقولون عن فلان : هذا متنور متحضر بل مصلح مجدد .. وذلك لأنه من أتباع " جان جاك روسو"، و" فولتير"، وطائفة من العلمانيين...
فقلتُ في نفسي ـ متألمًا ـ : وي ! مَنْ المجدد المصلح ياقوم ؟ أفلا تعقلون؟
فعمدتُ إلى قلمي لكتابة هذه الكلمات موضحًا الجانب التجديدي الإصلاحي في دعوة الشيخ ( محمد بن عبد الوهاب ).
***

هذا الـمُسلم العَلَم له فضلٌ عظيم على ملايين المسلمين؛ ومع ذلك يجهل حقه الكثيرون ممن يتمرغون في أعتاب ما خلّف من فضل وعلم.
***

ليت شعري ! لو كان في أوربا مثلَه لغسلو قدميه وشربوا مرقتها!
***

ـ انطلقت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب[1115 ـ 1206هـ ] ـ رحمه الله تعالى – من قلب الجزيرة العربية كحركة تجديدية إصلاحية، فكانت – بحق – إحدى أبرز الحركات الإسلامية الحديثة ، وبآثارها أضحى الشيخ محمد بن عبد الوهاب أحد أهم المجددين والمصلحين – إن لم يكن أهمهم بلا منازع في العصر الحديث - بل يكاد يجزم الكثيرون بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو أبرز رمز تجديدي ظهر بعد رحيل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عام 728هـ .

ـ إن الجانب التجديدي الذي أسهم فيه الشيخ ابن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ يتعلق بأشرف شيء جاء به الإسلام، ألا وهو التوحيد .. إذ لما طال العهد بالجزيرة العربية؛ تلطخ الناس بصنوف البدع والشركيات والخرفات إلى الدرجة التي وصلت فيها الجزيرة العربية إلى حال عهد الجاهلية الأولى قبل مبعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛ حيث انتشرت الخرافات والأوهام واعتقد الناس في الموتى، وتوجهوا إلى الأضرحة بالدعاء والنذور وغيرها من المظاهر الشركية.

ـ أخذ الشيخ على عاتقه تغيير ذلك الواقع الفاسد، حيث منهج المجددين دائمًا، فحارب ما ابتُدع في دين الله، خاصة فيما يتعلق بجانب العقيدة؛ كالطواف بالقبور.

زعيم النهضة الدينية الإصلاحية:

ـ يقول الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي ـ حفظه الله ـ إن " أجرأ أصوات الحق، وأكبر دعاة الإصلاح، والبناء والجهاد لإعادة تماسك الشخصية المسلمة وإعادتها لمنهج السلف الصالح: دعــوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري، لتجديد الحياة المسلمة، بعد ما شابها في أوســاط العــامة من خلافات، وأوهــام، وبــدع، وانحرافـات، فكان ابن عبد الوهاب بحق، زعيم النهضة الدينية الإصلاحية المنتظر، الذي أظهر موازين العقيدة الشرعية الناصعة، وأبان حقيقة الوحدانية والوحدة والتوحيد الخالص لله عز وجل، وأن العبادة هي التوحيد، وحوّل الشراع رأساً على عقب، للعمل الكامل بالقرآن والسُنّة ... فكانت أعمـال ابن عبد الوهاب وثبـة جبـارة، وقفزة رائـعة لتصحيح خطأ الناس في العقيدة والعبادة، في وسط شوهت فيه مبادئ الإسلام ومناهجه" [انظر كتاب : مجدد الدين في القرن الثاني عشر].

ومن ثم يمكنك القول بأن دعوة الشيخ ـ رحمه الله ـ قامت على مبدأ التنقية الشاملة والمتكاملة .. لعقائد الناس وأفكارهم وعبادتهم وسلوكياتهم ومعاملاتهم .. فهي دعوة إصلاحية اجتماعية من الدرجة الأولى تقوم على منهج الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة..

جهاد واجتهاد ووسطية:

ويبين العلامة الأستاذ أنور الجندي – رحمه الله - أن أبرز معطيات هذه الدعوة المباركة تتمثل في عملين كبيرين:
أولهما: أنها فتحت باب الاجتهاد في الفروع بعد أن ظل مغلقاً منذ سقوط بغداد في سنة 656هـ .
وثانيها: ضرورة القيام بواجب الجهاد، وإحياء هذه الفريضة التي أصابها الوهن، فكانت الدّعوة ثورية عارمة على الاستبداد والضعف والانحلال الذي آل إليه العالم الإسلامي[أنور الجندي : العالم الإسلامي والاستعمار الثقافي ، ص:70].

ويؤكد محمد سعيد مرسي ذلك بقوله : " كان من أبرز أعمدة دعوته ( رضي الله عنه ): فتح باب الاجتهاد ، والتماس الحلول لمختلف قضايا المجتمع، من المصادر الأصلية رأساً ، وهي القرآن والسنة وإجماع المسلمين على حكم معين إلى آخر القرن الثالث الهجري ، كما دعا إلى عدم التقيد بمذهب من المذاهب الأربعة، وأعلن أن لكل قاض أن يأخذ من أي مذهب ، بما يرى ما هو أقرب إلى الكتاب والسنة ، ودعاة إلى استئناف دور العرب الأصيل في حمل لواء الدعوة الإسلامية " [عظماء الإسلام ، طنطا : دار البشير، ط 1، 1421هـ - 2001م، ص 436]

ومن هنا يتجلى عنصر الوسطية في دعوة الشيخ ـ رحمه الله ـ ، بعكس ما يشيعه المغرضون من أنها دعوة تشدد وقمع الرأي الآخر والمذهب الآخر .. بل هي كما يتبين للباحث ـ في تراث الشيخ ابن عبد الوهاب ـ أنها دعوة تدعو إلى فتح باب الاجتهاد لا غلقه ، دعوة تدعو إلى عدم التقيد بمذهب من المذاهب الأربعة ، ومن ثم عدم التعصب لأي منها ، ولقد برهن الشيخ عمليًا على وسطية دعوته لما أعلن أن لكل قاض أن يأخذ من أي مذهب من الآراء والاجتهادات ما هو أقرب إلى الكتاب والسنة .

إن من الظلم أن نتهم الدعوة الوهابية بأنها دعوة تشدد وتطرف لمجرد أن أتباعها على مذهب فقهي واحد هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل – إمام أهل السنة - ، ولا سيما وقد أعلن مؤسس الدعوة وأعلن أنهم على معتقد سلف الأمة والأئمة الأربعة. ثم إن دعوة الشيخ لم تكن دعوة لتمكين مذهب فقهي على حساب مذهب فقهي آخر، أو لرفع راية الحنابلة وإسقاط رايات الشافعية والمالكية والأحناف، فمهمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت مهتمة بأمر عظيم الخطب جسيم التبعات يتعلق بالمعتقدات لا بالفقهيات، فالانحطاط الذي وصل إليه العرب في عهده يتعلق بمسألة الكفر والإيمان . ولم تكن المشكلات التي يواجهها الوهابيون في تبصير الناس بدينهم تتعلق بمسائل فقهية فرعية.
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة