تراجع الشيخ محمد السناني عن رأيه في كتاب "كشف الشبهات"
مركز سلف للبحوث والدراسات
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله.
وبعد، فلا يزال المقلّدة ينسجون حول أنفسهم أسوارا من الجهل تمنعهم من رؤية الحق واستنشاق صفاء العلم.. ولهم في ذلك طرق شتّى، من تحذير الأتباع والتخويف لهم والترهيب، ولكن سرعان ما تنهتك حجب الباطل عند تعرضهم للنور والحق والجمال.
وقد دوّن الشيخ محمد بن إبراهيم السناني حادثة في هذا السبيل تتعلق بكتاب (كشف الشبهات) للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.. حيث حُذر منه ومن القراءة فيه.. كما سيأتي في كلامه، ثم عرف بعد أنه في غاية النفع..
وليس هذا الموقف هو الأول من نوعه بل له نظائر محفوظة في العديد من كتب التراجم والتواريخ.
ومكتوب السناني هذا نُشر سابقا ضمن كتاب الأعلاق من إصدارات دارة الملك عبدالعزيز، وذكره الشيخ البسام في هامش كتاب علماء نجد عند ترجمة السناني، وننشره اليوم مفردا عن نسخة بخط الشيخ ابن ضويان محفوظة في مكتبة عنيزة العامة..
ولا يخلو كلامه الكاتب من بعض العبارات العامية، ونظمه من بعض الكسور العروضية وبعض الركاكة التي قد يكون سببها قراءة النسخة. وقد صدرناه بترجمة مختصرة للكاتب من كتاب علماء نجد لابن بسام.
وبالله التوفيق.
ترجمة موجزة للشيخ محمد بن إبراهيم بن محمد السناني
الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم السناني، وعشيرة السناني من قبيلة سبيع القبيلة الشهيرة التي ترجع إلى عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، فهي قبيلة هوازنية مضرية عدنانية.
وُلد المترجَم في بلدة عنيزة ونشأ فيها، وقرأ على علمائها، ثم رحل إلى الشام للاستزادة من العلم، فقرأ على علمائها، وعاد منها إلى بلاده فوجد الشيخ عبد الله أبا بطين قد عُيّن قاضيًا ومدرسًا في عنيزة، فلازمه المترجَم ملازمة تامة حتى أدرك إدراكًا جيدًا.
وكان من أخص زملائه صهر الشيخ عبد الله أبا بطين: الشيخ محمد بن عبد الله بن مانع، ولقد رأيت له عدة كتب خطية نفيسة، منها: بدائع الفوائد، وطبقات ابن رجب، بقلم زميله الشيخ محمد بن مانع عليهما تملك المترجَم، مما يدل على قوة الرابطة بين هذين العالمين الزميلين، وقد رأيت في بعضهما أثر الماء، وذلك أنه أصابها المطر حينما دخل السيل بيت ابنه الشيخ علي المحمد عام 1322هـ.
ولما غضب الشيخ عبد الله أبا بطين على أهل عنيزة، وترك القضاء بسبب خروجهم على الإمام فيصل، وحصلت الاضطرابات والحروب، عينوا المترجَم قاضيًا لهم بدل شيخه، فامتنع إلا أنهم ألزموه ذلك إلزامًا، فقام به نحو ستة أشهر فقط أثناء الحرب.
قال الشيخ إبراهيم بن ضويان: “ولي القضاء بإشارة من شيخه أبا بطين لأعيان أهل عنيزة”اهـ.
وكان ورعًا عفيفًا، ومن ورعه أنه لما قبض ما خصص للقاضي من الأوقاف من الحبوب والثمار، ولم يجلس في القضاء إلا نصف السنة بسبب المرض، أمر بإعادة نصف ما قبضه إلى القاضي الذي ولي القضاء بعده.
والورع بل الزهد ظاهرة حميدة في المترجَم وفي أولاده وأحفاده، رحمه الله تعالى.
أما ولايته للقضاء ففي آخر عام 1268هـ، ولم يلبث في القضاء ألا ستة أشهر، ثم توفي.
وفاته: توفي في بلدة عنيزة عام 1269هـ، وخلَّف ثلاثة أبناء: علي، وعبد العزيز، ولهما ترجمتان في هذا الكتاب، والابن الثالث: عبد الكريم، والد الشيخ سليمان بن عبد الكريم، قاضي بلاد بني الحارث، ثم وادي فاطمة، أحد ضواحي مكة المكرمة، رحمهم الله تعالى.
نسخة نص كلام الشيخ محمد السناني بخط الشيخ إبراهيم بن ضويّان محفوظة بمكتبة عنيزة العامة
قال الشيخ محمد بن إبراهيم السناني رحمه الله إجازةً لهذا الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كنت في أوّل الأمر مع أناسٍ من جماعتنا نسمّي «كشف الشبه»: جمع الشبه، ولم أرها، ولم أطالع فيها، ولو طُلِبَ مني المطالعة فيها لم أقبل؛ بغضًا لمؤلفها رحمه الله تعالى.
وسبب ذلك الجهل ظنّيتُ بقومٍ خيرًا، فنسأل الله لنا ولهم الهداية إلى صراطه المستقيم، فأغروني ولبّسوا عليَّ، فغلب عليَّ الهوى والتعصب، فمن بغضائي للشيخ رحمه الله؛ لم أقبل أن أنظر في كلامه، فلما سافرت إلى بعض الآفاق، ورأيت اختلاف الناس وكثرة من أعرض عن الهدى، ونكَبَ عن الصراط المستقيم، والصراط المستقيم أوضح من الشمس، ولكنَّ أكثر الناس عميٌ عنه، ولا عجب، فهل يرى الشمس أعمى العينين؟! فعمى القلب أشدُّ والعياذ بالله.
فعند ذلك دعوت الله سبحانه وتعالى، واضعًا خديَّ على التراب، ملتجئًا إلى رب الأرباب، مناديًا للملك الوهاب: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ.
فأزال الله وله الحمد عنِّيَ التعصب والهوى، وأبدله بالإنصاف والهدى، وصار الحق عندي أحقّ أن يتّبع، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «الرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي على الباطل»، فعنَّ لي أن أطالع في «كشف الشبه» لِمَا كنّا نسميها، وننفر عنها، فوجدتها كاسمها، كيف لا وهي مشتملةٌ على أجل المطالب، وأوجب الواجبات، فكانت جديرةً أن تكتب بماء الذهب.
وهيَّجني إلى المطالعة فيها قول أناسٍ من جماعتنا في مؤلفها مقالاتٍ لا يقولها من خالط الإيمان بشاشة قلبه، ولا من وجد حلاوة الإيمان، بل لا يقولها إلا من في قلبه غلٌّ على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن، وإن أخفى ذلك في المقال، وأبداه في صفحات وجهه، يراه مَن له معرفةٌ بهذا الشأن.
نشر :
إضافة تعليق جديد