خطاب الملك عبد العزيز في موسم حج سنة 1347هـ

قال الملك عبدالعزيز رحمه الله:

«يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا بالوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض. نحن لسنا أصحاب مذهب جديد وعقيدة جديدة، ولم يأت محمد ابن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وما كان عليه السلف الصالح.

ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا.

هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد ابن عبدالوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله -عز وجل- خالصة من كل شائبة، منزهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من إحن وأوصاب.

 أما (التجديد) الذي يحاول البعض إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا فهو لا يوصلنا إلى الغاية القصوى، ولا يدنينا من السعادة الأخروية، إن المسلمين بخير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة.

إننا لا نبغي هذا (التجديد) الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا.. إننا نبغي مرضاة الله -عز وجل- ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه، وهو ناصره.

 إن المسلمين لا يعوزهم التجديد، وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح، ولقد ابتعدوا عن العمل بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، فانغمسوا في حمأة الشرور والآثام فخذلهم الله -جل شأنه- ووصلوا إلى ما هم عليه من ذل وهوان، ولو كانوا متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله لما أصابهم ما أصابهم من محن وآثام، ولما أضاعوا عزهم وفخارهم.

لقد كنتُ لا شيء.. وأصبحت اليوم وقد استوليت على بلاد شاسعة واسعة يحدها شمالا العراق وبر الشام، وجنوبا اليمن، وغربا البحر الأحمر، وشرقا خليج فارس..

لقد فتحت هذه البلاد ولم يكن عندي من الأعتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد، ومن التجدد غير التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فنصرني الله نصرا عزيزا».

إن المسلمين متفرقون اليوم طرائق؛ بسبب إهمالهم العمل بكتاب الله وسنة رسوله، ومن خطل الرأي الذهاب إلى أن الأجانب هم سبب هذه الفرقة وهذه المصائب.

إن سبب بلايانا من أنفسنا لا من الأجانب، والله إنني لا أخشى الأجانب بقدر ما أخشى المسلمين، إنني أخاف من المسلمين أكثر مما أخاف من الأجانب، المسلمون هم سبب بلاء أنفسهم، يأتي أجنبي إلى بلد ما، فيه مئات الألوف بل الملايين من المسلمين، فيعمل عمله بمفرده، فهل يعقل أن فردا في مقدوره أن يؤثر على ملايين من الناس إذا لم يكن له من هذه الملايين أعوان يساعدونه، ويمدونه بآرائهم وأعمالهم؟ كلا، ثم كلا، فهؤلاء الأعوان هم سبب بليتنا ومصيبتنا.

أجل، إن هؤلاء الأعوان هم أعداء الله وأعداء أنفسهم. إذًا فاللوم والعتاب واقع على المسلمين وحدهم، لا على الأجانب.

إن البناء المتين الصلب لا يؤثر فيه شيء مهما حاول الهدامون هدمه إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول، وكذلك المسلمون لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم.

في بلاد العرب والإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب والإسلام، وضربها في الصميم، وإلحاق الأذى بنا، ولكن لن يتم لهم ذلك -إن شاء الله- وفينا عرق ينبض.

أجل إن المسلمين هم مصدر البلاء الذي أصابهم، وأكثر ذلك يتأتى عن طريق حض الملوك والأمراء وعلماء السوء، أولئك هو الذين ينظرون إلى مصالحهم الخاصة ومنافعهم الذاتية، فيدوسون في سبيلها كل شيء يعترضهم في الطريق.

إن هؤلاء الذين يكتنزون الذهب والفضة، وينامون على الوثير من الفراش لا يفكرون إلا في أنفسهم، ولم يحسبوا لله حسابًا.

إن المسلمين بخير إذا اتفقوا وعملوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليتقدم المسلمون للعمل بذلك، فيتفقون فيما بينهم على العمل بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء فيهما، والدعوة إلى التوحيد الخالص، فإنني حينذاك أتقدم وأسير وإياهم جنبًا إلى جنب في كل عمل يعملونه، وفي كل حركة يقومون بها.

والله إنني لا أحب الملك و لا أبهته، ولا أبغي إلا مرضاة الله والدعوة إلى التوحيد؛ ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك وليتفقوا، فإنني أسير وقتئذ معهم، لا بصفة ملك أو زعيم أو أمير، بل بصفة خادم، أسير معهم أنا وأسرتي وجيشي وبني قومي، والله على ما أقول شهيد، وهو خير الشاهدين.
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة