هداية المعمم شريعت سنكلجي.. والسبب كتاب التوحيد

 أ.د. ناصر بن عبد الله القفاري

التعريف بـ«شريعت سنكلجي» وسبب هدايته:

شريعت سنكلجي كان أحد آيات الشيعة الذين هداهم الله إلى السنة، وقد ولد في مدينة طهران عاصمة إيران سنة 1308هـ، وكان والده أحد آيات الشيعة، وتربى على عقيدة الشيعة الإثنى عشرية منذ نعومة أظفاره، وتتلمذ على كثير من شيوخهم في ذلك الوقت، وأمضى سنين طويلة في دراسة علومهم وتعمق فيها، ورحل إلى النجف للدراسة على شيوخ الشيعة في الحوزة.

أما قصة عودته إلى السنة وسبب هدايته إلى التوحيد فأمرها عجيب؛ ذلك أن الرافضة يعدون الشيخ المجدد المصلح الإمام محمد بن عبد الوهاب من ألدِّ أعدائهم، ومع ذلك فقد كان سبب هدايته هو قراءته كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد ظهر تأثره به في كتابه الذي سماه «توحيد العبادة»، بل صرح بذلك حين أجاب على أحد معارضيه الذي اتهمه بأنه نقل كتابه (توحيد العبادة) من كتاب التوحيد، فقال: «نعم، بعض أقسام كتابي نقلتها من كتاب التوحيد».

ويقول المؤرخ الشيعي المعاصر رسول جعفريان: «قد اتهمه بعض أصحاب المنابر... بالوهابية بسبب التشابه بين بعض أفكاره وأفكار التيار الوهابي»، لكنه لم يبالِ بما يقوله هؤلاء، فقال: «في اعتقادي أن هذه الفضائح والتهم التي يرميني بها الجهلة وأدعياء الباطل بسبب الإصلاحات التي أقوم بها لا تساوي شيئاً ولا وزن لها؛ لأنني في هذا الكتاب وسائر كتبي ومحاضراتي التي أبيِّنُ فيها إسلام السلف الصحيح وأعرِّف به إنما أضرب بفأس تجتث الخرافات من جذورها، وأهدم معابد الأصنام فوق رؤوس أصحابها، فالذين ألفوا مقالاتي، وتدبروا القرآن، وأدركوا توحيد الإسلام لن يلقوا بالاً لتشويشات أدعياء الباطل وأنصار الخرافات، ولن يعودوا إلى الأوهام والأباطيل من جديد بعد أن عرفوا الحقيقة».

معالم عودته إلى السنة:

كان كثيراً ما يتأمل بعقله ما نشأ عليه من خرافات اعتاد عليها بنو ملته، فلا يجد لها قبولاً في عقله وفطرته، فقد حكى عن نفسه أنه كان أثناء الحج يضع خاتماً في يده يعتقد أنه يدفع عنه الشرور ويحفظه من الآفات، ثم عاد إلى رشده، وقال: «كيف أكون محرماً وحاجاً ومسافراً إلى بيت الله وأضع صنماً في يدي؟! لماذا لا أعتبر رب العالمين حافظي؟ لماذا أعتبر الحجر حافظي مع أنني أنا الذي أحفظه؟! لقد أحدث هذا انقلاباً في نفسي يستحيل عليَّ شرحه». فلو أن كل شيعي رجع إلى عقله، ونظر في أصول ملته، وتدبر كتاب ربه، وترك التعصب والتقليد لاهتدى إلى الحق، وقد قال لي الباحث العراقي المهتدي د. مجيد خليفة إن دين الشيعة يقوم على العاطفة، وإذا استخدم الشيعي عقله، فإما أن يهتدي وإما أن يلحد!

وقد رد شريعت سنكلجي على أولئك الذين اتخذوا من الأنبياء والأولياء وسائط يدعونهم من دون الله، فيقول: «إن جعل الأنبياء والأولياء واسطة بين الرب والخلق على هذا النحو كفر وشرك محض، ولا يمكن للإنسان أن يطهر نفسه من رجسها إلا بماء التوبة»، وقال أيضاً: «أما إذا أريد بالواسطة أن يكون الأنبياء والرسل وسطاء لجلب النفع أو دفع الضر، كأن تقول: إن الأنبياء وسطاء في جلب الرزق ومنح الحياة وشفاء المرضى، ثم تطلب منهم حوائجك، أو تعتبرهم أبواب حوائجك، فإن هذا الاعتقاد من أكبر أنواع الشرك؛ لأنك قد جعلت غير الله وليّاً، وطلبت منه جلب النفع ودفع الضر، يقول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: ٤].

وقد توجهت همته إلى تدبر القرآن والتأمل في معانيه، فكان ذلك من أقوى أسباب هدايته وثباته على الحق، فيقول عن قول الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]: «لقد نبهتني هذه الآية وأيقظتني قبل أربعة عشر عاماً إلى ضرورة التدبر في كتاب الله والدستور السماوي، وأن فهم الدين والعمل بشريعة سيد المرسلين رهن بتدبر آيات القرآن والتعمق في كلام الله سبحانه».

كما كان يرجع إلى كتب الحديث ويحتج بالأحاديث الواردة في دواوين أهل السنة، يقول سعد رستم: «من الواضح أن شريعت كان يحتج في كتبه... بأحاديث شريفة من كتب حديث أهل السنة كصحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد وغيرها، ويذكر رواة الأحاديث الذين هم طبعاً من الصحابة، مثل: أبي بكر أو عمر أو ابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم، مما يدل على حسن ظنه بهؤلاء الصحابة وتصديقه لما يروونه، وإلا لما احتج برواياتهم... وأنه كان يترضى على الصحابة ويجلهم ويحترمهم، كيف لا وشريعت رجل قرآني، وقد أثنى القرآن في خمسين موضعاً على صحابة النبي الأبرار كما هو معلوم».

كما يرد على دعوى التحريف التي شاعت واستفاضت في مصادر الشيعة حتى بلغت كما يقول شيوخهم حد التواتر، فيقول: «أحد الأدلة الواضحة على عدم النقصان والتحريف في القرآن تقرير إمام المتقين علي رضي الله عنه، فقد تولى أمير المؤمنين الخلافة وحَكَم المسلمين خمس سنوات وتسعة أشهر، وكان من صفاته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة العدل والتقوى، ولم يكن يمنعه شيء من ذلك، ولم تأخذه في قول الحق لومة لائم، لا يخشى أحداً سوى ربه تبارك وتعالى، فإذا كان كذلك فعلينا أن ننظر بإنصاف وتجرد ونسأل أولئك الذين يدَّعون أن أمير المؤمنين أخفى القرآن لديه وسلمه إلى الإمام من بعده، وانتقل من يد إمام إلى يد الإمام الذي تلاه حتى وصل إلى يد إمام الزمان، وحرم بذلك الناس من الاهتداء بالقرآن الصحيح، أليس في هذا الكلام إهانة للمقام المقدس لأمير المؤمنين؟! هل يجوز أن نفتري مثل هذا الافتراء بأن ندعي أن عليّاً الذي كان خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم  في حكم المسلمين قرابة ست سنوات كان فيها الحاكم المطلق على عالم الإسلام، وكان يرى أن المسلمين يتعاملون في مساجدهم ومدارسهم مع قرآن ناقص ومحرف، ويعلم أن لا ضلال أكثر من هذا الضلال؛ لأن القرآن عماد الإسلام، ومع ذلك لا يعير اهتماماً - والعياذ بالله - لهذا الأمر ولا يسعى في إصلاحه؟!».

ويرد على دعوى الشيعة بأن القرآن لا يفهمه إلا الأئمة، فيقول: «لو كان في القرآن آيات وكلمات لا يفهمها أحد لكانت مخاطبة الله الناسَ بالقرآن مماثلةً لمخاطبة أتراك باللغة الفارسية وتبليغهم بالفارسية التي لا يفهمون منها شيئاً، وهذا أمر في غاية السفاهة، ولا ينسجم مع القرآن الذي يقول عن نفسه: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 138]، فكيف يكون بياناً ولا أحد يفهمه؟! وكيف يمكن تصور أن يتكلم الله الحكيم بكلمات لا يفهمها أحد؟! حقّاً إن من يدعي مثل هذا الأمر يكشف عن حماقته الكبيرة، أو عن كفره وسعيه لانتزاع القرآن من أيدي الناس لينشر مكانه أباطيله».

كما يكشف أن الإثنى عشرية تحولت إلى باطنية بقولها: إن للقرآن سبعة أبطن أو سبعين بطناً، وأن الأخبار وردت بذلك عن الأئمة، فيقول: «هذه الأحاديث من وضع الإسماعيلية ومختلَقات فرقة الباطنية؛ لذا نجدها مذكورة في تفاسير الإسماعيلية وكتبهم، كما نجد في رسائل إخوان الصفا الذين كانوا من زعماء الباطنية أن الكتب السماوية لها تنزيل ظاهري وهو معاني ألفاظها، ولها تأويلات خفية وهي المعاني المعقولة، وزعموا كذلك أن لواضعي الشرائع أحكاماً ظاهرية وجلية، ولهم أسرار باطنية وخفية»، ثم ذكر أن هذا التأويل الباطني تلقاه الشيعة عن بعض فرق اليهود الذين كانوا يزعمون أن للتوراة ظاهراً وباطناً، وتنزيلاً وتأويلاً.

نماذج أخرى من المهتدين إلى السنة:

لم يكن شريعت سنكلجي وحده هو الذي أدرك ضلال هذه الطائفة وأعلن مفاصلتهم، بل شاركه في ذلك رموز كثيرة ممن هداهم الله إلى الحق، ورفع عن بصيرتهم الغشاوة، ومن هؤلاء العلامة البرقعي، وهو ممن وصل إلى مرتبة الاجتهاد (المرجعية)، وحظي بلقب «آية الله العظمى»، وكان من أهم أسباب هدايته تأمله ونظره في القرآن الكريم، واستعماله العقل السليم للنظر في الخرافات والأساطير التي قام عليها دين الشيعة الرافضة، وبنى كتابه الفذ «كسر الصنم» على هذا المنهج، فعرض صنمهم الأكبر «الكافي» على القرآن، فما وافق القرآن قبله، وما خالف القرآن رده، وهو جلُّه وأكثره.

وكنت قد سمعت قديماً بنبأ خروج أحمد الكسروي (رئيس بعض المحاكم الإيرانية، والأستاذ بجامعة طهران) من التشيع الإيراني الزائف، وأنه كتب لشيعة الكويت كتاباً كشف فيه حقيقة التشيع سماه «الشيعة والتشيع»، ولكن هذا الكتاب لا تكاد توجد منه نسخة على وجه الأرض، فقد جهد الروافض في إخفائه، كما قتلوا مؤلفه.

ثم يسر الله بمنه وكرمه أثناء زيارتي للعراق قبل الحرب العراقية الإيرانية لجمع المادة العلمية المتعلقة برسالتي (مسألة التقريب) وقوفي على هذا الكتاب بالمكتبة القادرية، فلم أصدق نظري، وطرت فرحاً بهذه الغنيمة، فصورته، ثم يسر الله نشره مع التعليق عليه، وقد أبطل فيه الكسروي التشيع من أساسه ونقضه من جذوره، وبين كيف أن الرافضة انحرفوا بالتشيع إلى الغلو، وانفصلوا عن المسلمين في مصادر التلقي والعقائد والأحكام، كما أبطل كثيراً من الدعاوى الكاذبة التي يرددها الرافضة، مثل: دعوى تفويض الأمور للأئمة، وأنهم يعلمون الغيب، وأن الشيعة خلقوا من طينة خاصة، وبين ما نتج عن التشيع الغالي من الأعمال الشنيعة والسلوكيات القبيحة، كالمآتم، وبناء القباب، ونحو ذلك.

كما التقيت بأحد أعلام الشيعة العراقيين المهتدين من أصحاب التخصصات العلمية العالية، وهو الأستاذ علاء الدين البصير في شهر رمضان بالحرم المكي بعد صلاة التراويح عام 1435هـ، وذكر لي أن من أسباب عودته إلى الحق قراءته لكتابي «مسألة التقريب»، وخصوصاً ما يتعلق بالتأويلات الباطنية عند الرافضة، وقال لي: إنني انتهيت بعد قراءتي لهذه التأويلات التي لا تتحملها ألفاظ القرآن، لا من جهة اللغة، ولا المفهوم، ولا السياق، إلى النتيجة التالية: إذا ثبت أن هذه التأويلات موجودة في مصادرنا كما يذكر صاحب «التقريب» فإنه يكفي ذلك دليلاً على بطلان مذهبنا، ولاسيما أنني صاحب تخصص علمي منهجي، أزن الأقوال بميزان دقيق.

قال: وحينئذ بدأت في جمع مكتبة شيعية تضم المصادر الأساسية، ثم قمت بمقابلة النصوص ومراجعها المثبتة في التقريب مع المصادر الشيعية التي تمت الإحالة إليها، فوجدت النتيجة صحة المقابلة، وسلامة التوثيق، وحينئذ أيقنت بأننا على ضلال، وخرجت من المذهب، ومنَّ الله عليَّ باعتناق السنة، وكان ذلك قبل تسع عشرة سنة، وجندت نفسي بعدها لفضح هذه النحلة وكشف حقيقتها، وقد صنفت في هذا الباب نحو خمسين كتاباً، نشر منها تسعة.

وقد أشار د. سعد رستم إلى عودة عدد كبير من أعلام التشيع المعاصر بدرجات متفاوتة إلى ما أسماه «الإسلام القرآني المحمدي السلفي الأصيل»، ثم قال: «نذكر منهم - على سبيل المثال لا الحصر -: تلميذَي المرحوم سنكلجي: الشيخ عبد الوهاب فريد تنكابني مؤلف كتاب (الإسلام والرجعة)، والأستاذ الفاضل الحاج يوسف شُعَار التبريزي صاحب كتاب (تفسير الآيات المشكلة) (وسار على نهجه من بعده ابنه الدكتور جعفر شعار)، ومن قبلهما أستاذ سنكلجي: السيد أسد الله خرقاني صاحب كتاب (محو الموهوم وصحو المعلوم)، والكثير من الكتب الإصلاحية التجديدية الأخرى، ثم من بعدهم: أحمد كسروي صاحب كتاب (شيعي گري) (الشيعة والتشيع)، الأستاذ علي أكبر حَكَمي زاده صاحب كُتَيِّب «اسرار هزار ساله» (أسرار ألف عام)، والسيد علي أكبر برقعي، وآية الله محمد مهدي الخالصي... وصولاً إلى آية الله السيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي، والأستاذ حيدر علي قلمداران القُمِّي، والشيخ إسماعيل آل إسحاق الخوئيني، وآية الله السيد محمد جواد الموسوي الغروي الأصفهاني، وآية الله الدكتور محمد صادقي الطهراني، والأستاذ العلامة السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي، وحجة الإسلام محسن كديور... إلخ. 

وكلهم أدلوا بدلوهم في هذا المجال، وكتبوا عدداً من الرسائل أو الكتب والمؤلفات التي يطول ذكر عناوينها.

وقد أطلق بعض الباحثين والمؤرخين الإيرانيين على هذا التيار الإصلاحي بين الشيعة لقب: «نوگرائي ديني» أي: تيار التجديد الديني، في حين سماه آخرون - كالمؤرخ المعاصر رسول جعفريان - بـ«التيارات المطالبة بإعادة النظر في عقائد الشيعة».

وهناك من أطلق على رجال هذا التيار وأتباعه لقب: «القرآنيون الشيعة»؛ لأن أصحابه اهتموا كثيراً بترسيخ المرجعية القرآنية، بعد أن أحسُّوا بتغييب القرآن وتعاليمه في الثقافة الشيعية لصالح الروايات والأخبار، فأكد أعلام هذا التيار جميعهم على أن النص القرآني بيِّنٌ بذاته، ولا حاجة للحديث لفهمه، نعم قد يحتاج للحديث لتفصيل أحكامه لا أكثر، فالقرآن واضح مفهوم يمكن لجميع الناس أن يفهموا معانيه ويدركوا تعاليمه، كما سعوا - من الجهة الأخرى - إلى إعادة النظر في التراث الروائي الشيعي ونقده، والتشكيك بمكانة معظم الأخبار والأحاديث الشيعية، وإثبات بطلانها ومخالفتها للقرآن الكريم.

أما المتعصبون من علماء الشيعة التقليديين الذين لم يعجبهم هذا التيار الإصلاحي فنعتوه بالتيار الوهابي بين الشيعة! وأطلقوا على أتباعه لقب الوهابيين
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة