كلام العلماء في الشيخ رحمه الله

لقد حظي الشيخ بقدر كبير من التقدير والاحترام، والمدح والثناء من علماء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وكذا الأدباء والمفكرين والمصلحين، في حياته وبعد موته، على الرغم من كثرة المناوئين الذين بذلوا كل ما في وسعهم لتشويه صورة الشيخ ورميهم إياه بالتهم الباطلة، والتأليب عليه، ونذكر جملة من أقوال الذين أثنوا عليه، ومدحوا دعوته الإصلاحية[1]


[1] ـ (انظر: كتاب: "الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه" للشيخ أحمد بن حجر بن محمد آل بوطامي البنعلي)

 

 
_ قصيدة الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني صاحب كتاب سبل السلام رحمه الله، لما بلغه دعوة الشيخ رحمه الله، ومما جاء في القصيدة:

سلامــي على نجد ومن حـل في نجـــد
وإن كـان تسليـمي على البـعد لا يجــد
وقد صدرت من سفـح صنعاً سقى الحــيا
ربـاهـا وحـياهـا بقـهـقهة الرعــد
سرت أسير بـنـشد الـريح أن ســـرت
ألا يـا صـبـا نجـد متى هجت من نجــد
قفـي واسـألي عن عـالم حـل سوحـهـا
بـه يهتدي مـن ضـل عن منهـج الرشـد
محـمـد الهــادي لـسنـة أحمــــد
فـيا حـبـذا الهادي ويـا حـبذا المهـدي
لـقـد أنكرت كـل الطـوائف قـولــه
بـلا صـدر في الحــق مـنـهم ولا ورد
ومـا كـان قــول بالقـبـول مقـابـل
ومـا كـل قـول واجـب الـرد والطـرد
سـوى مـتـا أتى عـن ربنـا ورسولــه
فـذلـك قول جـل يـا ذا عن الــرد
وأمـا أقـاويـل الــرجـال إنــهــا
تــدور على قـدر الأدلـة في الـنـقـد
وقـد جـاءت الأخـبـار عـنـه بـأنـه
يـعيـد لـنـا الشرع الشريف بما يـبـدي
ويـنشر جـهـراً مـا طوى كل جـاهـل
ومبـتـدع مـنـه فـوافـق ما عـنـدي
ويـعـمر أركـان الشريعـة هـادمـــاً
مشاهـد ضـل الناس فـيها عـن الـرشـد
أعـادوا بـهـا معـنى سـواع ومـثلــه
يـغـوث وود بـئـس ذلـك مــن ود
وقـد هتـفوا عـنـد الشدائد باسمـهــا
كـمـا يـهتـف المضطر بالصمـد الفـرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة
أهـلـت لـغـير الله جـهـراً على عمـد
وكم طائف حول القبور مقبل
ومسـتـلم الأركـان منـهـن بـاليــد
لـقد سرني مـا جـاءني مـن طريـقــة
وكـنت أرى هـذي الطـريقة لي وحـدي
يصـب علـيـه صـوت ذم وغـيـبــة
ويجـفـوه مـن قـد كـان يهواه عن بعـد
ويـعـزي إلـيـه كـل ما لا قــولــه
لتنـقيـصـه عـنـد التهـامي والنـجدي
فـيرميه أهـل الرفض بـالنـصب فـريـة
ويـرمـيه أهـل النصب بـالرفض والجحـد
ولـيـس لــه ذنب سوى إنـه أتـــى
بتحكيم قـول الله في الحـل والـعـقـد
ويـتـبـع أقـوال الـنـبي محـمـــد
وهـل غـيره بالله في الشرع مـن يـهـدي
لئـن عـده الجهـال ذنـبـاً فـحبــذا
بـه حـبـذا يـوم انفـرادي في لحــدي
سلامـي على أهــل الحــديث فإننــي
نـشـأت على حب الأحاديث من مهـدي
هُـمُ بـذلوا في حـفـظ سنـة أحمـــد
وتـنـقيـحها من جهدهم غـاية الجـهـد

_ رثاء الشيخ العلامة محمد بن علي الشوكاني مؤلف نيل الأوطار (( للشيخ محمد بن عبد الوهاب ومثنياً عليه )):

مصابٌ دها قلبي فأذكى غلائلي
وأصمي بسهم الافتجـاع مقاتلي
وخطب به اعشار أحشاي صدعت
فأمست بفـرط الوجـد أي تواكلي
ورزء تقاضاني ، صفاء معيشتي
وأنهـلني قسـراً أمرَّ المناهـلِ
مصابٌ به ذابت حشاشة مهجتي
وعن حملهِ قد كلّ متني وكاهلي
مصاب به الدنيا قد اغبرَّ وجهها و
قد شمخت أعـلام قومٍ أسـافل
به انهـد ركن الدين وانبت حبله
وشيْـد بناء الغي مع كل باطـل
وقام على الإسلام جهـراً وأهله
نعيق غـراب بالمـذلة هائـلِ
وسيـم منـار الاتباع لأحمـد
هوان انهدام جاء من كل جاهلِ
لقد مات طود العلم قطب رحى العلا و
مـركـز أدوار الفحول الأفاضل
وماتت علوم الدين طراً بمـوته
وغيب وجه الحـق تحت الجنادلِ
إمام الهدى ماحي الردى قامع العدا
ومروي الصدى من فيض علم ونائلِ
إمام الورى علامة العصر قدوتي
وشيخ الشيوخ الجد فرد الفضائل
(محمدْ) ذو المجد الذي عز دركهُ و
جل مقاماً عن لحـوق المطاول
إلى عابد الوهاب يعزي وإنه
سلالة انجـابٍ زكي الخصـائل
عليه من الرحمن أعظم رحمة ت
بـل ثراه بالضحى والأصائل
لقد أشرقت نجد بنور ضيائه
وقام مقامات الهـدى بالدلائل
ومن شأنه قمع الضلال ونصره
لمن كان مظلوماً وليس بخاذل
وكم كان في الدين الحنيف مجاهداً
بماضي سنـانٍ دامـغٍ للأباطل
وكم ذب عن سامي حماه وذاد من
مضـل وبدعيِّ ومعفـو ونائل
ففيم استباح أهل الضلال لعرضه
وكم نكست أعـلامه الأراذل
فلولاه لم تحرز رحى الدين مركزاً
ولا اشتد للإسلام ركن المعـاقل
ولا كان للتوحيد واضح لاحب
يقيم اعوجاج السير من كل عاذل
فما هـو إلا قائم في زمانه
مقام النبي في إماته باطـل
ستبكيه اجفاني حياتي وإن أمت
ستبكيه عني جفن طل ووابل
أفق يا معيب الشيخ ماذا تعيبه
لقد عبت حقاً وارتحلت بباطل
نعم ذنبه التقليد قد جد حبله
وبل التعصب بالسيوف الصياقل
ولما دعا لله في الخلق صارخاً ص
رختم له بالقذف مثل الزواجل
أفيقوا أفيقوا إنه ليس داعياً
إلى ديـنٍ آبـاءٍ له وقبـائـل
دعـا لكتاب الله والسنة التي
أتانا بها طه النبي ، خير قائلِ

_ قال علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسى رحمه الله:

"كان الشيخ محمد من بيت علم في نواحي نجد، وكان أبوه الشيخ عبد الوهاب عالماً فقيهاً على مذهب الإمام أحمد، وكان قاضياً في بلد العيينة، ثم في حريملاء، وذلك في أوائل القرن عشر، وله معرفة تامة بالحديث والفقه، وله أسئلة وأجوبة.

وكان والد عبد الوهاب، الشيخ سليمان، عالماً فقيهاً، أعلم علماء نجد في عصره، له اليد الطولي في العلم، وانتهت إليه رياسة العلم في نجد صنَّف ودرَّس وأفتى؛ إلا أن الشيخ محمداً لم يكن على طريقة أبيه وجده، وكان شديد التعصب للسنة، كثير الإنكار على من خالف الحق من العلماء.

والحاصل أنه كان من العلماء الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، وكان يعلم الناس الصلاة وأحكامها، وسائر أركان الدين، ويأمر بالجماعات:
وقد جد في تعليم الناس، وحثهم على الطاعة وأمرهم بتعلم أصول الإسلام وشرائطه وسائر أحكام الدين، وأمر جميع أهل البلاد بالمذاكرة في المساجد كل يوم بعد الصلاة الصبح، وبين العشائين، بمعرفة الله، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة أركانه، ومعرفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونسبة ومبعثه وهجرته.

وأول ما دعا إليه كلمة التوحيد، وسائر العبادات التي لا تنبغي إلا الله، كالدعاء، والذبح، والنذر، والخوف، والرجاء، والخشية، والرغبة، والتوكل، والإنابة، وغير ذلك. فلم يبق أحد من عوام أهل نجد، جاهلاً بأحكام دين الإسلام بل كلهم تعلموا ذلك، بعد أن كانوا جاهلين، إلا الخواص منهم، وانتفع الناس به من هذه الجهة الحميدة أي سيرته المرضية وإرشاده النافع".

_ قال لأمير شكيب أرسلان:

"طلب محمد بن عبد الوهاب العلم في دمشق ورحل إلى بغداد والبصرة، وتشرب مبادئ الحافظ حجة الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وابن عروة الحنبلي ، وغيرهم من فحول أئمة الحنابلة ، وأخذ يفكر في إعادة الإسلام لنقاوته الأولى، فلذلك، الوهابية يسمون مذهبهم عقيدة السلف ومن هناك أنكر الاعتقاد بالأولياء وزيارة القبور والاستغاثة بغير الله ، وغير ذ لك مما جعله من باب الشرك واستشهد على صحة آرائه بالآيات القرآنية والأحاديث المصطفوية ، ولا أظنه أورد ثمة شيئاً غير ما أورده ابن تيمية". 

_ قال الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية من علماء الأزهر الشريف في كتابه ((أثر الدعوة الوهابية)): 

"الوهابية نسبة إلى الإمام المصلح شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر. وهي نسبة على غير القياس العربي.

والصحيح أن يقال المحمدية، إذ أن اسم صاحب هذه الدعوة والقائم بها هو محمد، لا عبد الوهاب، ثم قال بعد كلام:
وإنهم لحنابلة متعصبون لمذهب الإمام أحمد في فروعه ككل أتباع المذاهب الأخرى، فهم لا يدعون، لا بالقول، ولا بالكتابة أن الشيخ بن عبد الوهاب أتى بمذهب جديد، ولا اخترع علماً غير ما كان عند السلف الصالح، وإنما كان علمه وجهاده لإحياء العمل بالدين الصحيح وإرجاع الناس إلى ما قرره القرآن في توحيد الإلهية والعبادة لله وحده ذلاً وخضوعاً، ودعاءً، ونذراً وحلفاً، وتوكلاً، وطاعة لشرائعه.

وفي توحيد الأسماء والصفات، فيؤمن بآياتها كما وردت، لا يحرف ولا يؤول، ولا يشبه، ولا يمثل، على ما ورد في لفظ القرآن المبين، وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة وتابعوهم والأئمة المهتدون، من السلف والخلف رضوان الله عليهم، في كل ذلك وأن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لا يتم على وجهه الصحيح".

_ قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله-:

"لم يخل قرن من القرون   التي كثر فيها البدع من علماء ربانيين، يجددون لهذه الأمة أمر دينها بالدعوة والتعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، كما ورد في الأحاديث، ولقد كان الشيخ محمد  بن عبدالوهاب «النجدي» من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين [ وترك البدع والمعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة، فهبت لمناهضته واضطهاده القوى الثلاث: قوة الدولة والحكام، وقوة أنصارها من علماء النفاق، وقوة العوام الطغام،  وكان أقوى سلاحهم في الرد عليه، أنه خالف جمهور المسلمين.

من هؤلاء المسلمون الذين خالفهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته؟
هم أعراب في البوادي شر من أهل الجاهلية يعيشون بالسلب والنهب، ويستحلون قتل المسلم وغيره لأجل الكسب، ويتحاكمون إلى طواغيتهم في كل أمر، ويجحدون كثيرا من أمور الإسلام المجمع عليها، والتي لا يسع مسلما جهلها".
 
- قال الشّيخ ابن باديس الجزائري رحمه الله:

" وابن سعود يعتنق معتقدات ( الوهّابيّة )، وهي حركة إصلاح في الإسلام ترجع إلى العلاّمة النّجدي العظيم محمّد بن عبد الوهّاب الّذي عاش في بداءة القرن الثّامن عشر، وترمي إلى تطهير الإسلام من جميع البدع والخرافات الّتي لصقت به مع مرّ الزّمن، والسّموّ به عن عبادة الأولياء ..". [" آثار الشّيخ ابن باديس " (2/ج2/ 236 )].

- وقال رحمه الله ردّا على من زعم أنّه يدعو إلى اتّباع الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب رحمه الله: " أَفَتَعُدُّ الدّعوةَ إلى الكتابِ والسنّةِ، وما كان عليه سَلَفُ الأمّة، وطرحَ البدعِ والضّلالات، واجتنابَ الْمُرْديات والمُهلِكات، نَشْرًا للوهَّابيَّة؟ فأئمّةُ الإسلامِ كلُّهُم وهّابيّون، ما ضَرَّنا إذا دعوْنَا إلى ما دعا إليه جميعُ أئمّةِ الإسلام !؟". ["آثار الشّيخ ابن باديس" (5/282-283)].

- وقال رحمه الله أيضا يبيّن حقيقة دعوة الشّيخ ابن عبد الوهّاب رحمه الله:
" سبق الشّيخ ابن عبد الوهّاب في هذا العصر الأخير غيرَه إلى الدّعوةِ إلى الكتاب والسنّة وهديِ السّلفِ الصّالح مِن الأُمّة، وإلى محاربة البدع والضّلالات، فصار كلُّ من دعَا إلى هذا يُقال فيه وهّابيّ ".
["الشِّهاب" من المجلّد 10 الجزء 6 ص: 261].

- وقال رحمه الله في مقام آخر:

" يسمُّوننا بالوهّابيِّين، ويُسمُّون مذهبنا بالوهّابيّ باعتبار أنّه مذهبٌ خاصّ، وهذا خطأٌ فاحشٌ، نشأ عن الدّعايات الكاذبة الّتي يبُثُّها أهل الأغراض. نحن لسْنَا أصحابَ مذهبٍ جديدٍ وعقيدةٍ جديدة، ولم يأْتِ محمّد بنُ عبد الوهّاب بالجديد، فعقيدتُنا هي عقيدةُ السَّلَف الصّالح، الّتي جاءت في كتاب الله وسُنّة رسوله، وما كان عليه السّلف الصّالح ... هذه هي العقيدةُ الّتي قام شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب يدعُو إليها، وهذه هي عقيدتُنا، وهي مبنيّةٌ على توحيد اللهِ عزّ وجلّ، خالصةٌ من كلِّ شائبة، منزّهةٌ عن كلِّ بدعةٍ، فعقيدةُ التّوحيد هذه هي الّتي ندْعُو إليها، وهي الّتي تُنْجِينا ممّا نحنُ فيه مِن إِحَنٍ وأَوْصَابٍ ". ["الشّهاب" من المجلّد 5 الجزء 6 ص: 40 - 42].

- وقال رحمه الله مُثنِياً على دعوة الشّيخ محمّد عبد الوهّاب رحمه الله:

" الإصلاحيّون السّلفيّون عامّ، والوهّابيّون خاصّ؛ لأنّه يُطلقُ على خصوصِ من اهتدَوْا بدعوة العلاّمة الإصلاحيّ السّلفيّ الشّيخ ابن عبد الوهّاب ".
["الشّهاب" العدد (98) ص: 2-8].

_ قال الشّيخ البشير الإبراهيمي الجزائري رحمه الله: 

" ويقولون عنّا: إنّنا وهّابيون! كلمة كثُرَ تَردادُها في هذه الأيّام الأخيرة، حتّى أنْسَتْ ما قبلها من كلمات ( عبداويّين، وإباضيّين، وخوارج ). فنحن بحمد الله ثابتون في مكان واحد، وهو مستقرّ الحقّ، ولكنّ القومَ يصبغوننا في كلّ يوم بصبغة، ويَسِمُونَنَا في كلّ لحظة بسِمَة، وهم يتّخذون من هذه الأسماء المختلفة أدواتٍ لتنفير العامّة منّا، وإبعادها عنّا، وأسلحةً يقاتلوننا بها!
وكلّما كَلَّت أداةٌ جاءوا بأداةٍ، ومن طبيعة هذه الأسلحة الكلال وعدم الغناء، وقد كان آخر طراز من هذه الأسلحة المفلولة الّتي عرضوها في هذه الأيّام كلمة ( وهّابي )، ولعلهم حشدوا لها ما لم يحشدوا لغيرها، وحفلوا بها ما لم يحفلوا بسواها ... إنّ العامّة لا تعرف من مدلول كلمة ( وهّابي ) إلاّ ما يُعرّفُها به هؤلاء الكاذبون، وما يعرِف منها هؤلاء إلاّ الاسم، وأشهر خاصّةٍ لهذا الاسم، وهي أنّه يُذيب البدع كما تذيب النّار الحديد ... ولا دافع لهم إلى الحشد في هذا إلاّ أنّهم موتورون لهذه الوهّابية التي هدمت أنصابَهم، ومحت بدعَهم فيما وقع تحت سلطانها من أرض الله، وقد ضجّ مبتدعة الحجاز، فضج هؤلاء لضجيجهم، والبدعة رَحِمٌ ماسّة ".

ثم بيّن رحمه الله أن دعوة "جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين" ودعوة الوهّابيين دعوةٌ واحدة وقال:

" ونحن في الجزائر وهم في الجزيرة، ونحن نُعمِلُ في طريق الإصلاح الأقلامَ، وهم يُعملون فيها الأقدام، وهم يعملون في الأضرحة المعاول، ونحن نعمل في بانيها المقاول ".
[" الآثار " للبشير الإبراهيمي (1/123-124)].

_ قال مفتي الجزائر السابق الشيخ أحمد حماني -رحمه الله-:

"أول صوت ارتفع بالإصلاح والإنكار على البدعة والمبتدعين ووجوب الرجوع إلى كتاب الله والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبذ كل ابتداع ومقاومة أصحابه جاء من الجزيرة العربية، وأعلنه في الناس الإمام محمد بن عبد الوهاب أثناء القرن الثامن عشر (1694-1765)، وقد وجدت دعوته أمامها المقاومةَ الشديدة حتى انضم إليها الأمير محمد بن السعود وجرَّد سيفه لنصرتها والقضاء على معارضيها، فانتصرت.

ولما كانت نشأة هذه الدعوة في صميم البلاد العربية ونجحت على خصومها الأولين في جزء منها، وكانت مبنية على الدين وتوحيد الله سبحانه في ألوهيته وربوبيته ومحو كل آثار الشرك الذي هو الظلم العظيم والقضاء على الأوثان والأنصاب التي نصبت لتُعبد من دون الله أو تتَّخذ للتقرب بها إلى الله، ومنها القباب والقبور في المساجد والمشاهد، لما كان كذلك فقد فهم أعداء الإسلام قيمتها ومدى ما سيكون لها من أبعاد في يقظة المسلمين ونهضة الأمة العربية التي هي مادة الإسلام وعزُّه؛ إذ ما صلح أمر المسلمين أول دولتهم إلا بما بُنيت عليه هذه الدعوة، وقد قال الإمام مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)، لهذا عزموا على مقاومتها، وسخَّروا كل إمكانياتهم المادية والفكرية للقضاء عليها، وحشدوا العلماء القبوريّين الجامدين أو المأجورين للتنفير منها وتضليل اعتقاداتها، وربما تكفير أهلها، كما جنَّدوا لها الجنود وأمدوها بكل أنواع أسلحة الفتك والدمار للقضاء عليها.

تَحرَّشَ بها الإنكليز والعثمانيّون والفُرس، واصطدموا بها، وانتصر عليهم السُّعوديُّون في بعض المعارك، فالتجأت الدّولة العثمانيّة إلى مصر، وسَخَّرت لحَرْبِهَا محمّد علي وأبناءه -وهو الّذي كانوا سَخَّرُوه لحَرْبِ دولةِ الخِلافة وتَهوِينها-، وكان قد جَدَّدَ جيشَهُ على أَحْدَثِ طرازٍ عند الأوروبيِّين آنذاك، فاستطاع الجيش المصريّ أن يَقضي على هذه القوّة النّاشئة، وظنّوا أنّهم استراحوا منها، وكان مِن الجرائم الْمُرتكَبَة أنّ أمير هذه الإِمارة السَّلَفِيَّة الْمُصْلِحَة أُسِرَ وذُهِبَ به إلى مصر، ثمّ إلى إسطنبول حيثُ أُعْدِمَ كما يُعْدَمُ المجرمون.
وهكذا يكون هذا الأميرُ المسلم السَّلَفِيُّ الْمُصْلِحُ مِن الّذين سُفِكَت دماؤُهم في نَصْرِ السُّنَّةِ ومُقاومة البدعة -رحمه الله-". 
الصراع بين السنة البدعة (1/ 50-51)

_ قال الزركلى في الأعلام ( الجزء السابع ):

"محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي ، زعيم النهضة الدينية الإصلاحية الحديثة في جزيرة العرب : ولد ونشأ في العيينة بنجد ، ورحل مرتين إلى الحجاز ، ثم ذهب إلى المدينة ورحل إلى البصرة ، وعاد إلى نجد ، وسكن حريملاء ، ثم انتقل إلى العيينة ، ورحل إلى البصرة ، وعاد إلى نجد ، وسكن حريملاء ، ثم انتقل إلى العيينة ، ناهجاً منهج السلف الصالح ، وداعياً إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع وتحطيم ما علق بالإسلام من الأوهام .

وكانت دعوته، الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله، تأثر بها رجال الإصلاح ء، في الهند، ومصر، والعراق، والشام ، وغيرها،  فظهر الآلوسي الكبير في بغداد، وجمال الدين الأفغاني بأفغانستان ومحمد عبده بمصر، وجمال الدين القاسمي بالشام ، وخير الدين التونسي بتونس ، وصديق حسن خان في بهوبال وأمير على في كلكته.
وعرف من ولاه، وشد أزره في قلب الجزيرة بأهل التوحيد ( إخوان من أطاع الله ) وسماهم خصومهم بالوهابية ، نسبة إليه".

_ أما الشيخ محمد بن أحمد الحفظي صاحب "رُجال من قرى عسير" فقد نظم أرجوزة طويلة ذكر دعوة الشيخ وأثني عليه. ثناءً حسناً افتتح الأرجوزة بقوله:

الحمد حقاً مستحقاً أبد *** لله رب العالمين سرمدا
  إلى أن قال:
مصلياً علي الرسول الشارع *** وأهله وصحبه والتابع
في البدء والختم وأمـا بعــد *** فهـذه منظومة تُـعـد
حركني لنظمها الخير الذي *** قد جاءنا في آخر العصر القذي
لما دعا الداعي من المشارق *** بأمر رب العالمين الخالق
وبعث الله لنا مجدداً *** من أرض نجد عالماً مجتهداً
شيخ الهدى محمد المحمدي *** الحنبلي الأثري الأحمدي
فقام والشرك الصريح قد سرى *** بين الورى وقد طغى واعتكرا
لا يعرفون الدين والتهليلا *** وطريق الإسلام والسبيلا
إلا أساميها وباق الرسم *** والأرض لا تخلو من أهل العلم
وكل حزب فلهم وليجه *** يـدعونه في الضيق للتفريجه
وملة الإسلام والأحكام *** في غربة وأهلها أيتام
دعا إلى الله وبالتهليلة   *** يصرح بين أظهر القبلية
مستضعفاً وماله من ناصر   *** ولا له مساعد مؤازر
في ذلة وقلة وفي يده   *** مهفة تغنيه عن مهنده
كأنها ريح الصبا في الرعب *** والحق يلو بجنود الرب
قد أذكرتني درة لعمر *** وضرب موسى بالعصا للحجر
ولم يزل يدعوا إلى دين النبي *** ليس إلى نفس دعا أو مذهب
يعلم الناس معاني أشهد *** أن لا إله غير فرد يعبد
محمداً نبيه وعبـده *** رسـوله إليكمو وقصده
أن تعبدوه وحده لا تشركوا *** شيئاً به والابتداع فاتركوا
ومن دعا دون الإله أحد *** أشرك بالله ولو محمداً
إن قلتمُو نعبدهمو للقربه *** أو للشفاعة فتلك الكذبة
وربنا يقول في كتابه *** هذا هو الشرك بلا تشابه
هذا معاني دعوة الشيخ لمن *** عاصره فاستكبروا عن السنن
فانقسم الناس فمنهم شارد *** مخاصم محارب معاند
ما بين خفاش وبين جعل *** شاهت وجوه أهل المثل
وبعد ما استجيب لله فمن *** جادل في الله تردى وافتتن
ومن أجاب داعي الله ملك *** ومن تولى معرضاً فقد هلك
والسابقون الأولون السادة *** آل سعود الكبراء القاده
هم الغيوث والليوث والشنف *** ونصرة الإسلام والشم الأنف
فأقبلوا والناس عنه أدبروا *** وعرفوا من حقه ما أنكروا
إلى آخر ما جاء في تلك الأرجوزة الرنانة.

_ قال الشيخ عبد المتعال الصعيدي في كتابه (( المجددون في الإسلام ))ذكر ولاته ونشأته، ورحلاته لتحصيل العلوم:

"وقد رجع إلى بلده بعد هذه الرحلة العلمية الطويلة، وقد تهيأ له بها ما لم يتهيأ لغيره من علماء نجد، فكان أوسع منهم علماً، وأعرف بالعلماء السابقين الذين كانت لهم جولة في الإصلاح، ولم يقع في ذلك الجمود والركوع، الذي وقع فيه علماء عصره حتى ألفوا ما فيه من البدع وأخذوها على أنها من أصول الدين وأركانه.
فلما عاد الشيخ إلى بلده، لم يرض بما رضى به العلماء نجد، من السكوت على تلك البدع، وأوراد أن يعيد في محاربتها عهد أسلافه من الحنابلة، ولاسيما الشيخ ابن تيمية رحمه الله؛ وكان قد درس كتبه ورسائله الإصلاحية، فيما درسه في نشأته.

وأخذ يدعو إلى مثل ما عاد إليه ابن تيمية قلبه، من التوحيد بالعبادة لله وحده، وإنكار التوجه إلى أصحاب القباب والقبور، وإنكار التوسل بالأولياء والأنبياء إلى الله في قضاء الحاجات.

وقد بدأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته في بلده بلين ورفق ثم أخذ يرسل بها إلى أمراء الحجاز وغيره من الأقطار.
ولما رأى أهل بلده مثابرته على دعوته، قاموا باضطهاده، فتركهم إلى بلدة الدرعية بنجد، وكان أميرها محمد بن سعود، فعرض عليه دعوته فقبلها، وقام بحمايتها ونشرها في بلاد العرب.
ولم يزل الشيخ يقوم بدعوته في حماية هذه الإمارة إلى أن مات رحمه الله سنة 1206هـ".

_ قال الشيخ أحمد بن عبد الغفور الحجازي في كتابه ((محمد عبد الوهاب)):

"كان محمد بن عبد الوهاب الشاب الناهض من أكبر أنصار الحرية الفكرية المتمشي على نهج الإسلام، يدعوا إليها في إخلاص وحماس، واستطاع أن يتحرر من قيود البيئة، ويخرج على تقاليد قومه البالية، فثار ثورته المشهورة على الجمود والتأخر وحاربهما حرباً ضروساً قاسية، سائراً في كل شؤونه على الطريقة العلمية والنقد العلمي النزيه". 

_ قال الدكتور محمد عبد الله ماضي في كتابه ((حاضر العالم الإسلامي )) تحت عنوان (( النهضة العربية السعودية )):

كما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بين العرب، وهم في فوضى شاملة، وانحطاط عام، وتفكك وانحلال، ليس لهم وحدة تربطهم، ولا فكرة صالحة تجمعهم، فنشر مبادئ الإسلام، بينهم، وجمعهم على التوحيد، فوحد بينهم في العقيدة – فأصبحوا يدينون بمبدأ واحد، ويعبدون الله وحده، فوحد بينهم في المظهر، وجعل منهم أمة واحدة عربية مسلمة، قوية عزيزة الجانب، وأقام لهم دولة على أساس من الدين الحنيف.

فكذلك أخذ المصلح الديني، والزعيم الإسلامي محمد بن عبد الوهاب في منتصف القرن الثاني عشر الهجري، يدعوا إلى تصحيح العقيدة، والرجوع إلى مبادئ الإسلام الصحيحة، واعتناقها من جديد بين النجديين.
وكانوا قد فسدت عقيدتهم، وضلت سيرتهم.
وأخذ الزعيم السياسي النجدي محمد بن سعود، يناصر ابن عبد الوهاب في دعوته الدينية الإصلاحية، ويعمل على نشرها واعتناق الناس لها".

_ قال محمد ضياء الدين الريس أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة فؤاد الأول في مقال نُشر في مجلة الإرشاد الكويتية التي كانت تصدر سابقاً في العدد السادس من شهر رجب سنة 1373 هجري بعنوان ( الحركة الوهابية ):

"مؤسس الدعوة هو محمد بن عبد الوهاب، ولد في العيينة بإقليم العارض بنجد عام 1703م، فتلقى العلم في موطنه، ثم رحل في سبيل الدراسة والمعرفة إلى المدينة ومكة، والإحساء، والبصرة، وبغداد، ودمشق، وقيل فارس أيضاً.

فاكتسب من سياحته العديدة –علماً غزيراً، وخبرة واسعة، ووقف على أحوال العالم الإسلامي، ثم قارن بين ما آلت إليه حاله وما كوّنه في ذهنه من أفكار عن المثل الدينية الصحيحة.
فكانت نتيجة ذلك، هذا المذهب الجديد الذي عرف به، وحمل اسمه.
وكان سبباً في خلق هذه الحركة الإصلاحية الخطيرة.

والمذهب الوهابي، ليس مذهباً بالمعنى الصحيح، وهو لا يعدو أن يكون تفسيراً، أو وجهة نظر معينة، في فهم بعض نواحي الدين الإسلامي، وهو لا يخرج–في مجموعة – عن حدود المذاهب السنية المعترف بها.

والوهابيون يتبعون في فروع الأحكام حيث الفقه، مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وفي العقائد مذهب أهل السنة، وبخاصة- كما قررها وفسرها الإمام السني، العلامة ابن تيمية.
وابن تيمية هو الأستاذ المباشر لابن عبد الوهاب، وإن فصل بينهما أربعة قرون.
فقد قرأ كتبه وتأثر كل التأثر، بتعاليمه.

والمبادئ الأساسية للدعوة الوهابية، هي تنقية معنى التوحيد من الشوائب الشرك ظاهرة وخفية، وإخلاص الدين لله، وعدم الالتجاء إلى غير الله، وعدم الغلو في تمجيد الرسول بما يخرجه عن حدود الطبيعة البشرية، وتحديد معنى الرسالة التي كلف بإبلاغها.

ومصادر العقيدة، هو الرجوع إلى مذهب السلف في فهم الدين، وتفسير آيات القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتكره الوهابية التعقيدات التي أدخلها المتكلمون والفلاسفة والصوفية، ولا مانع من الاجتهاد، كما يرون ضرورة القيام بواجب الجهاد.
وهذه الحركة كانت نهضة أخلاقية شاملة، ووثبة روحية جريئة ودعوة إلى دين الحق والإصلاح.
فقد أيقظت العقول الراقدة، وحركت المشاعر الخامدة، ودعت إلى إعادة النظر في الدين، لتصفية العقيدة، وتطهير العقول من الخرافات والأوهام.
وقد احتوت على مبدأين، كان لهما أكبر الأثر في تطور العالم الإسلامي وتقدمه.
وهما الدعوة إلى الرجوع إلى مذهب السلف، مع الاعتماد على الكتاب والسنة وتقرير مبدأ الاجتهاد.
فكان هذان المبدان أساساً لنهضة فلسفة روحية.

والواقع أن كل حركات الإصلاح التي ظهرت في الشرق، في القرن التاسع عشر، كانت مدينة للدعوة الوهابية، لتقرير هذه الأصول.
ويمكن تحديد الصلة بينها وبين كل من هذه الحركات، إما عن طريق الاقتباس أو المحاكات، أو مجرد التأثر، انتهى ملخصاً.

_ قال حافظ وهبه، في كتابه ((جزيرة العرب)):

بعد أن ذكر نبذة يسيرة من تاريخ الشيخ، قال: "لم يكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب نبياً، كما ادعى نيبهر الدانمركي.
ولكنه مصلح مجدد، داع إلى الرجوع إلى الدين الحق، فليس للشيخ محمد، تعاليم خاصة، ولا آراء خاصة، وكل ما يطبق في نجد، هو طبق مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

وأما في العقائد، فهم يتبعون السلف الصالح، ويخالفون من عداهم.
وتكاد تكون، تعاليمهم مطابقة تمام المطابقة، لما كتبه ابن تيميه وتلاميذه في كتبهم، وإن كانوا يخالفونهم في مسائل معدودة في فروع الدين". 

_ قال محمد بن قاسم في كتابه ((تاريخ أوربا )) :

كان الوهابيون في عقيدتهم ومذهبهم على طريق أهل السنة والجماعة، الأساس الأصلي لمذهبهم، هو توحيد الله.

_قال محمد كرد علي في ((القديم والحديث)) بعد أن ذكر فصلاً عن أصل الوهابية:

"وما ابن عبد الوهاب إلا داعية، هداهم من الضلال، وساقهم إلى الدين السمح وإذا بدت شدة من بعضهم، فهي ناشئة من نشأة البادية، وقلما رأينا شعباً من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص، مثل هؤلاء القوم.
وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم، سنين طويلة، فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد غلوة، وما يتهمهم به أعداؤهم، فزور لا أصل له".

_ الشيخ بشير السهسواني الهندي، مؤلف ((صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان)) – قال عن الشيخ محمد:

"إنه من المعلوم عند كل عاقل خبر الناس، وعرف أحوالهم، وسمع شيئاً من أخبارهم وتواريخهم، أن أهل نجد وغيرهم، ممن تبع دعوة الشيخ واستجاب لدعوته من سكان جزيرة العرب، كانوا على غاية من الجهالة والضلالة، والفقر، والعالة، لا يستريب في ذلك عاقل، ولا يجادل فيه عارف إلى أن قال:
فمحا الله بدعوته شعار الشرك ومشاهده، وهدم به بيوت الكفر والشرك ومعابده، وكبت الطواغيت والملحدين، وألزم من ظهر عليه من البوادي وسكان القرى بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد والهدى، وكفر من أنكر البعث، واستراب فيه من أهل الجهالة والجفاء.

وأمر بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وترك المنكرات والمسكرات ونهى عن الابتداع في الدين، وأمر بمتابعة السلف الماضين في الأصول والفروع من مسائل الدين، حتى ظهر دين الله واستعلن واستبان بدعونه منهاج الشريعة والسنن، وقام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحدت الحدود الشرعية وعزرت التعازير الدينية، وانتصب علم الجهاد، وقاتل لإعلاء كلمة الله أهل الشرك والفساد، حتى سارت دعوته، وثبت نصحه لله ولكتابه، ولرسوله ولعامة المسلمين ولأئمتهم.

وجمع الله به القلوب بعد شتاتها، وتألفت بعد عداوتها، وصاروا – بنعمة الله – إخواناً.
فأعطاهم الله بذلك من النصر والعز والظهور، ما لا يعرف مثله بسكان تلك الفيافي والصخور، وفتح عليهم الإحساء والقطيف، وقهروا سائر العرب من عمان إلى عقبة مصر، من اليمن إلى العراق والشام، دانت عربها فأصبحت نجد تضرب إليها أكباد الإبل في طلب الدين والدنيا، وتفتخر بما نالها من العز والنصر والإقبال والسنا. ا هـ
قلت في منظومتي اللآلي السنية بعد الثناء على الشيخ ابن تيمية، وعلى الشيخ ابن القيم رحمهما الله:

وعلى الشيخ الجليل المعتبر *** من بشرع الله كان أظهرا
ذلك الحبر الإمام المرتضي *** أيد الحق الذي قد غمرا
صاحب الدعوة في نجدهم *** مظهر الحق الذي قد أنكرا
عم ذا الشرك القبيح نجدهم *** ضم الأمصار الكبار والقرى
جاءهم يدعو إلى الله العلي *** اتركوا القبر وخلُّو الشجرا
اعبدوا الله الذي يرزقكم *** من لهذا الخلق أيضاً قد برى
جاهد الشرك بسيف قاطع *** ولسان مظهر ما استتر
وسرت دعوته الغرا إلى *** أكثر العالم من هذا الورى
بث دين الله جهراً ما ونى *** مزق الإلحاد فيما حررا
ولصرح السنة في نجد بنى *** وقصور الشرك فيها دمرا
فاستنارت نجدهم وافتخرت *** حق للنجدي أن يفتخرا

_ قال الأديب عباس محمود العقاد:

"وظاهر من سيرة محمد بن عبد الوهاب أنه لقي في رسالته عنتا، فاشتد كما يشتد من يدعو غير سميع، ومن العنت إطباق الناس على الجهل والتوسل بما لا يضر ولا ينفع، والتماس المصالح بغير أسبابها، وإتيان المسالك من غير أبوابها، وقد غبر على البادية زمان يتكلمون فيه على التعاويذ والتمائم وأضاليل المشعوذين والمنجمين، ويدعون السعي من وجوهه توسلا بأباطيل السحرة والدجالين حتى في الاستسقاء ودفع الوباء، فكان حقا على الدعاة أن يصرفوهم عن هذه الجهالة، وكان من أثر الدعوة الوهابية صرفهم عن ألوان البدع والخرافات».

_ قال أحمد بن عبد الغفور عطار -رحمه الله-:

 «رأى ابن عبدالوهاب ما حلّ بالمسلمين، ورأى ما بنجد من الشرك والوثنية، ولم تكن نجد خالية من العلماء، بل كان فيها منهم عدد غير قليل في مدنها وقراها، ولكنهم كانوا ضعفاء، ومنهم من لم يفضلوا العامة في معتقداتهم الخرافية، ومنهم من كان على بصيرة من أمرهم، ولكنهم لم يكونوا شجعانا ودعاة بل كانوا وعاظا محدودي الأثر، ولكن ابن عبدالوهاب لم يكن مثلهم، فقد كان عالما حقا، وكان سلفيا صادقا في عقيدته ومنهجه، وكان شجاعا وداعية، ولكن العلماء  ليسوا ورثة الأنبياء في العلم وحده، ولكن ميراث النبيين ينجلي في القيام بأعباء الدعوة والتبشير برسالاتهم، واستقبال الأذى بعناد وإصرار في سبيل هداية البشر".

_ قال الدكتور طه حسين:

"إن الباحث عن الحياة العقلية والأدبية في جزيرة العرب، لا يستطيع أن يهمل حركة عنيفة نشأت فيها أثناء القرن الثامن عشر، فلفتت إليها العالم الحديث في الشرق والغرب، واضطرته أن يهتم بأمرها، وأحدثت فيها آثاراً خطيرة، هان شأنها بعض الشيء ولكنها عادت فاشتدت في هذه الأيام وأخذت تؤثر لا في الجزيرة وحدها، بل في علاقاتها بالأمم الأوربية.

هذه الحركة، هي حركة الوهابيين، التي أحدثها محمد بن عبد الوهاب، شيخ من شيوخ نجد ... إلى أن قال: قلت إن هذا المذهب الجديد قديم معنى، والواقع أنه جديد بالنسبة إلى المعاصرين، ولكنه قديم في حقيقة الأمر، لأنه ليس إلا الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية.
هو الدعوة إلى الإسلام، كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم خالصاً لله، ملغياً كل واسطة بين الله وبين الناس.
هو إحياء للإسلام العربي وتطهير له، مما أصابه من نتائج الجهل، ومن نتائج الاختلاط بغير العرب.

فقد أنكر محمد بن عبد الوهاب على أهل نجد، ما كانوا قد عادوا إليه من جاهلية في العقيدة والسيرة، إلى أن قال... ولكن الذي يعنينا من هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب فقد كان هذا الأثر عظيماً خطيراً من نواح مختلفة؛ فهو قد أيقظ النفس العربية فوضع أمامها مثلاً أعلى أحبته وجاهدت في سبيله، بالسيف والقلم، والسنان، وهو لفت المسلمين جميعاً، وأهل العراق والشام ومصر بنوع خاص، إلى جزيرة العرب". مجلة (الهلال) عدد مارس (1933م) الموافق ذي الحجة (1351هـ) تحت عنوان (الحياة الادبية في جزيرة العرب).

_ قال الأستاذ منح هارون في الرد على الكاتب الإنجليزي (كونت ويلز):

"ولما اتسعت حركة السعوديين في ذلك الحين وأخذت تهدد العراق والشام والحجاز واليمن، لم تر السلطة العثمانية أو السياسة الغاشمة. بدأ من أن تعمل لصرف قلوب العرب عن هذا الأمير، يعني عبد العزيز بن محمد بن سعود، الطامح لاسترداد مجد العرب فأوعزت إلى بعض عمالها من المشايخ، فأخذوا يدسون على الشيخ ابن عبد الوهاب أقولاً، ما أنزل الله بها من سلطان. ويتخذون من المسائل الخلافية بين مذهب الإمام أحمد، وبين المذاهب الإسلامية الأخرى وسيلة للطعن على الوهابيين الذين ألصقوا بهم هذا الاسم، تضليلاً للرأي العام الإسلامي، وإيهاماً بأنهم ذوو مذهب جديد، غير معترف به، مع أنهم لم يخرجوا في شيءٍ عن مذهب الإمام أحمد، الذي هو مذهب السلف الصالح ولم يقولوا شيئاً مبتدعاً في الدين. وكل ما قاله الشيخ ابن عبد الوهاب، قال به غيره ممن سبقه من الأئمة الأعلام. ومن الصحابة الكرام، ولم يخرج في شيء عما قاله الإمام أحمد، وابن تيمية، رحمهما الله".

قال عمر أبو النصر في كتاب ((ابن سعود)) عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
"والواقع أن دعوة ابن عبد الوهاب، ليست غير دعاية صالحة موفقة لنبذ البدع والمفاسد، التي نهكت دين الإسلام، والتي عمل بعض المشايخ على الترويج لها وذيوعها وانتشارها بين الناس.

وإذا ذهبنا نبحث الدعوة في مصادرها، ونتولاها بالنقد والبحث والتحقيق وجدنا أنها لا تختلف عن مذهب الإمام أحمد بن حنبل إلا في بعض التبسيط والتطويل:
وليس للوهابيين مذهب خاص يدعى باسمهم، كما يقول بعض الحاملين عليهم، وإنما مذهبهم الإمام أحمد. وليس فيها يطلبونه ويدعون إليه ما ينافي السنة ولا يتفق مع القرآن الكريم.
وهم ينكرون هذا التضليل، الذي يحاوله بعض الشيوخ وغير الشيوخ، وهذا الإغراق في إقامة القباب حول الأضرحة والقبور والصلاة فيها، وإقامة المباخر وطلب الشفاعة من أصحابها. والإسلام ينهي عن هذا... وليس في الإسلام وسيط، وليس هناك من يشفع عنده إلا بإذنه".

_ قال الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي:

"ومما لا شك فيه، إنصافاً للحقيقة، لا إرضاء لأحد، وعملاً بآي القرآن العظيم: {ولا تبخسوا الناس أشياءَهم}، كان من أجرأ أصوات الحق، وأكبر دعاة الإصلاح، والبناء والجهاد لإعادة تماسك الشخصية المسلمة وإعادتها لمنهج السلف الصالح: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري "الثامن عشر الميلادي"، لتجديد الحياة المسلمة، بعد ما شابها في أوساط العامة من خلافات، وأوهام، وبدع، وانحرافات، فكان ابن عبد الوهاب بحق، زعيم النهضة الدينية الإصلاحية المنتظر، الذي أظهر موازين العقيدة الشرعية الناصعة، وأبان حقيقة الوحدانية والوحدة والتوحيد الخالص لله عز وجل، وأن العبادة هي التوحيد، وحوّل الشراع رأساً على عقب، للعمل الكامل بالقرآن والسُنّة ونبذ مظاهر الترف والبدع، وتحطيم ما علق بالحياة المسلمة من أوهام والعودة إلى الحياة الصالحة الأولى. وهبة الزحيلي: "مُجدِّد الدِّينْ في القَرن الثاني عشرْ"

_ قال عبد الكريم الخطيب في كتابه ((محمد بن عبد الوهاب)): العقل الحر ((في الفصل الخامس)):

"الكلمة الطيبة كلمة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء، لأنها كلمة الحق، والحق في ظل الله، يباركه وينتصر له.
ودعوة محمد بن عبد الوهاب، من الكلم، الطيب، لأنها تستند إلى الحق، وتدعو له، وتعمل في سبيله، لهذا كانت دعوة مباركة، وفيرة الثمر، كثيرة الخير.

لقد قام صاحبها، يدعوا إلى الله، لا يبغي بهذا جاهاً، ولا بطلب سلطاناً، وإنما يضيء للناس معالم الطريق، ويكشف لهم المعاثر والمزالق التي أقامها الشيطان وأعوان الشيطان)) إلى أن قال: والذي لا شك فيه، أن الدعوة الوهابية، كانت أشبه بالقذيفة الصارخة، تنفجر في جوف الليل والناس نيام. كانت صوتاً راعداً أيقظ المجتمع الإسلامي كله، وأزعج طائر النوم المحوم على أوطانهم منذ أمد بعيد"ـ

_ قال أحمد سعيد البغدادي في كتايه (نديم الأديب): 

وأما حقيقة هذه الطائفة فإنها حنبلية المذهب وجميع ما ذكر المؤرخون عنها من جهة الاعتقاد محرف وفيه تناقض كلي لمن اطلع عليه بتأمل لأن غالب مؤرخي الشرقيين ينقلون عن الكتب الإفرنجية فإن كان المؤرخ المنقول عنه صاحب دراية وصادق الرواية تجد أن من يترجم كتابه يجعل الترجمة على قدر اللفظ فيضيع مزية الأصل وأن كان المؤرخ غير صادق الرواية فمن باب أولى.
ومنهم من يقول أن هذه الطائفة تنهى عن وصف النبي عليه الصلاة والسلام بأوصاف المدح والتعظيم ويقول إنها تؤمن بقدم القرآن وبهذا يظهر بداهية التناقض لأن من يؤمن بقدم القرآن يؤمن بما فيه وفي القرآن الشريف مدح النبي عليه الصلاة السلام قال تعالى{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} وآيات غير هذه كثيرة أما ما نهى عنه محمد بن عبد الوهاب أنما هو الوصف بأوصاف الألوهية كالقدرة والإرادة وعلم الغيب كما وصف النصارى عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام فقد قال عليه الصلاة والسلام ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ).

ومن أراد أن يعرف جلياً اعتقاد هذه الطائفة فليطالع كتب مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فإنه مذهبهم وأما سبب حرب صاحب مصر لهذه الطائفة فقد ذكره المؤرخ الشهير الموسيو (سيديو ) الفرنساوي وكلامه هذا محذوف من ترجمة كتابه التي أمر بها المرحوم علي باشا مبارك وخلاصة معناه هي أن انكلترا وفرنسا حين علمتا بقيام محمد بن عبد الوهاب وابن سعود وبانضمام جميع العرب إليها لأن قيامها كان لاحياء كلمة الدين، وخافتا أن ينتبه المسلمون فينضمون إليهما وتذهب عنهم غفلتهم ويعود الإسلام كما كان في أيام عمر رضي الله عنه فيترتب على ذلك حروب دينيه وفتوحات إسلامية ترجع أوربا منها في خسران عظيم فحرضتا الدولة العلية على حربهم وهي فوضت ذلك إلى محمد علي باشا وحصل ما حصل  {ولكل أجل كتاب} وهذه الطائفة بريئة مما ينسب إليها الجاهلون ومن سبها يأثم والله أعلم بغيبة وأحكم . [كتاب ((نديم الأديب)) ص (11)].
 




نشر :