ثناء مفتي الجزائر السابق الشيخ أحمد حماني على الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ودعوته

قال الشيخ أحمد حماني -رحمه الله-:

أول صوت ارتفع بالإصلاح والإنكار على البدعة والمبتدعين ووجوب الرجوع إلى كتاب الله والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبذ كل ابتداع ومقاومة أصحابه جاء من الجزيرة العربية، وأعلنه في الناس الإمام محمد بن عبد الوهاب أثناء القرن الثامن عشر (1694-1765)، وقد وجدت دعوته أمامها المقاومةَ الشديدة حتى انضم إليها الأمير محمد بن السعود وجرَّد سيفه لنصرتها والقضاء على معارضيها، فانتصرت.

ولما كانت نشأة هذه الدعوة في صميم البلاد العربية ونجحت على خصومها الأولين في جزء منها، وكانت مبنية على الدين وتوحيد الله سبحانه في ألوهيته وربوبيته ومحو كل آثار الشرك الذي هو الظلم العظيم والقضاء على الأوثان والأنصاب التي نصبت لتُعبد من دون الله أو تتَّخذ للتقرب بها إلى الله، ومنها القباب والقبور في المساجد والمشاهد، لما كان كذلك فقد فهم أعداء الإسلام قيمتها ومدى ما سيكون لها من أبعاد في يقظة المسلمين ونهضة الأمة العربية التي هي مادة الإسلام وعزُّه؛ إذ ما صلح أمر المسلمين أول دولتهم إلا بما بُنيت عليه هذه الدعوة، وقد قال الإمام مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)، لهذا عزموا على مقاومتها، وسخَّروا كل إمكانياتهم المادية والفكرية للقضاء عليها، وحشدوا العلماء القبوريّين الجامدين أو المأجورين للتنفير منها وتضليل اعتقاداتها، وربما تكفير أهلها، كما جنَّدوا لها الجنود وأمدوها بكل أنواع أسلحة الفتك والدمار للقضاء عليها.

تَحرَّشَ بها الإنكليز والعثمانيّون والفُرس، واصطدموا بها، وانتصر عليهم السُّعوديُّون في بعض المعارك، فالتجأت الدّولة العثمانيّة إلى مصر، وسَخَّرت لحَرْبِهَا محمّد علي وأبناءه -وهو الّذي سَخَّرُوه لحَرْبِ دولةِ الخِلافة وتَهوِينها-، وكان قد جَدَّدَ جيشَهُ على أَحْدَثِ طرازٍ عند الأوروبيِّين آنذاك، فاستطاع الجيش المصريّ أن يَقضي على هذه القوّة النّاشئة، وظنّوا أنّهم استراحوا منها، وكان مِن الجرائم الْمُرتكَبَة أنّ أمير هذه الإِمارة السَّلَفِيَّة الْمُصْلِحَة أُسِرَ وذُهِبَ به إلى مصر، ثمّ إلى إسطمبول حيثُ أُعْدِمَ كما يُعْدَمُ المجرمون.

وهكذا يكون هذا الأميرُ المسلم السَّلَفِيُّ الْمُصْلِحُ مِن الّذين سُفِكَت دماؤُهم في نَصْرِ السُّنَّةِ ومُقاومة البدعة -رحمه الله-.
نشر :