منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التأليف (2)
الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر
منهجه في تأليف كتاب الأصول الثلاثة وأدلَّتها
الأصول الثلاثة التي هي موضوع هذا الكتاب هي معرفة العبد ربه ودينه ونبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم، ولهذه الأصول الثلاثة أهميَّة كبرى؛ فإنَّها التي يُسأل عنها الميت في قبره، فقد روى الإمام أحمد (18534) بإسناد حسن عن البراء بن عازب رضي الله عنه حديثاً طويلاً وفيه: "فيأتيه ـ أي المؤمن ـ ملَكان فيجلسانه، فيقولان له: مَن ربُّك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفيه: "ويأتيه ـ أي الكافر ـ مَلَكان فيُجلسانه، فيقولان له: مَن ربُّك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: مَا دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: مَا هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري!".
وأيضاً فقد ورد ذكرُ هذه الثلاثة مجتمعة في بعض الأحاديث، منها ما يدلُّ على أنَّها من كمال الإيمان، وهو حديث العباس بن عبد المطلب في صحيح مسلم (56) أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذاق طعم الإيمان مَن رضي بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً"، وفي صحيح مسلم أيضاً (1884) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا سعيد! من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيًّا، وجبت له الجنة" الحديث، وقد وردت أيضاً في أدعية الأذان في صحيح مسلم (386) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "من قال حين يسمع الأذان: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربًّا، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه".
وهو كتاب نفيس، لا يستغني عنه الخاص والعام؛ لِمَا اشتمل عليه من بيان هذه الأصول الثلاثة وأدلتها، وقد قال فيه: "فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟
فقل: معرفة العبد ربه ودينه ونبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم، فإذا قيل لك: مَن ربُّك؟ فقل: ربي الله الذي ربَّاني وربَّى جميع العالَمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه، والدليل قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين}، وكلُّ ما سوى الله عالَم، وأنا واحد من ذلك العالَم، فإذا قيل لك: بمَ عرفتَ ربَّك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع ومَن فيهنَّ وما بينهما"، واستدلَّ لذلك من القرآن، ثم قال: "والربُّ هو المعبود، والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
"الخالقُ لهذه الأشياء هو المستحقُّ للعبادة"، ثم ذكر جملة من أنواع العبادة وأدلتها، ثم قال: "الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالأدلة، وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب: الإسلام والإيمان والإحسان، وكلُّ مرتبة لها أركان"، ثم ذكر أركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة، والركن الواحد للإحسان، وذكر الأدلة على ذلك.
ثم قال: "الأصل الثالث: معرفة نبيِّكم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام، وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيًّا ورسولاً، نبِّئَ بـ{( اقْرَأْ}، وأُرسل بالمدثر، وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد"، ثم ذكر جُملاً أخرى تتعلَّق بالرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته واستدلَّ على ذلك، وقد ذكر ـ رحمه الله ـ نسبَه الشريف على سبيل الإجمال، ويدلُّ لشرف نسبه صلى الله عليه وسلم ما رواه مسلم في صحيحه (2276) عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"، وقريش هم أولاد فهر بن مالك، وهو الأب الحادي عشر للرسول صلى الله عليه وسلم، وآباؤه صلى الله عليه وسلم إلى عدنان واحد وعشرون، وهو المتفق عليه في نسبه، وما وراءه مختلف فيه، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مُدرِكَة بن إلياس بن مُضَر بن نزار بن مَعَدّ بن عدنان، وهذا النسب أورده الإمام البخاري في صحيحه في مطلع باب مبعث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في كتاب مناقب الأنصار، وأورد بعده الحديث (3851) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة، ثم أُمر بالهجرة، فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين، ثم توفي صلى الله عليه وسلم"، وانظر هذا النسب في الطبقات الكبرى لابن سعد (1/55)، ففيه نسبة قريش إلى فهر بن مالك الأب الحادي عشر للرسول صلى الله عليه وسلم، وانظر ما قيل في نسبه صلى الله عليه وسلم من عدنان إلى إسماعيل في فتح الباري (6/538 ـ 539).
والحاصل أنَّ كتاب الأصول الثلاثة وضعه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ مختصراً، واضح العبارات، مستدلاًّ لما يذكره بالكتاب والسنة، وهو من أوَّل ما ينبغي أن يُلقَّنه الصبيان، ويُعلَّمه العوام، ويستفيد منه الخاص والعام.
نشر :