منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التأليف (1)

الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر

الحمد لله ربِّ العالَمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمَّا بعد، فإنَّ الكتابةَ والتأليف عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ جوانبها كثيرة متعدِّدة، وهذه المحاضرة عن جانب منها، وهو منهجه ـ رحمه الله ـ في التأليف.

الأولويات في التأليف عند الشيخ الإمام

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ مبنيَّةٌ على كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان العقيدة السليمة المستمدَّة من هذين الينبوعَين الصافيين، ولهذا كانت الأولويات في التأليف عنده في بيان العقيدة، والعناية بمعاني كلام الله عزَّ وجلَّ، ومعرفة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان الأحكام الفقهية المستندة إلى النصوص الشرعية، وكان أولى اهتمامه وجلُّ عنايته في إيضاح توحيد العبادة الذي أُرسلَت الرسل وأُنزلت الكتبُ من أجله، كما قال الله عزَّ وجلَّ:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}، فألَّف في التوحيد كتباً عديدة، أهمها كتاب التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد، وكتاب الأصول الثلاثة وأدلتها، وكتاب كشف الشبهات.

منهجه في تأليف كتاب التوحيد

كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، هو أهمُّ وأوسع كتب الشيخ ـ رحمه الله ـ في العقيدة، وقد اشتمل على ستة وستين باباً، أوَّلها: باب فضل التوحيد وما يُكفِّرُ من الذنوب، وآخرها: باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية، وقبل الباب الأول ترجم بكتاب التوحيد، وأورد فيه خمس آيات وحديثاً وأثراً، وهذه الآيات هي قول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}، وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}، وقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} الآيات، وعقَّب الآيات من سورة الأنعام بأثر ابن مسعود رضي الله عنه بشأنها، ثم أورد حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه المتفق على صحته في بيان حق الله على العباد وحق العباد على الله، ومن منهجه في تأليفه:
أنَّ الكتابَ من أوَّله إلى آخره يسوق فيه الشيخ الإمام آيات وأحاديث وآثاراً عن سلف هذه الأمَّة، من الصحابة ومن بعدهم مِمَّن سار على نهجهم وطريقتهم، وصنيعه هذا شبيه بصنيع الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في كتابه الجامع الصحيح، وعلى الأخصِّ كتاب التوحيد الذي هو آخر الكتب في صحيح البخاري، فإنَّ طريقةَ البخاري في ذلك أنَّه يورد آيات وأحاديث وآثاراً، وقد بلغت أبواب كتاب التوحيد من صحيح البخاري ثمانية وخمسين باباً، أوَّلها: باب ما جاء في دعاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أمَّته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، وقد أورد فيه حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه في بيان حقِّ الله على العباد وحق العباد على الله، وعدة أبواب كتاب التوحيد عند الإمام البخاري وأبواب التوحيد عند الإمام محمد بن عبد الوهاب متقاربة، وهي في الصحيح ثمانية وخمسون، وعند الإمام محمد بن عبد الوهاب ستة وستون.
2 ـ أنَّه عند إيراده الآيات والأحاديث والآثار يقدِّم الآيات ثم الأحاديث ثم الآثار، إلاَّ إذا كان الأثر متعلِّقاً بآية أو بحديث، فإنَّه يقدِّمه من أجل ذلك التعلق.
3 ـ هذا الكتاب مشتمل على الآيات والأحاديث والآثار، وبذلك علا قدرُ الكتاب وارتفعت منزلته، وليس للشيخ ـ رحمه الله ـ فيه كلام إلاَّ ما يورده في آخر كلِّ باب من مسائل مستنبطة من الآيات والأحاديث والآثار، وهي تدلُّ على قوة فهم الشيخ ـ رحمه الله ـ ودقَّة استنباطه، وفيها شحذ أذهان طلاَّب العلم في معرفة المواضع التي استنبطت منها هذه المسائل.
4 ـ أنَّ أبواب هذا الكتاب متضمِّنةٌ تقريرالتوحيد، الذي هو إفراد الله بالعبادة، والتحذير مِمَّا يُنافي أصل التوحيد، وهو الشرك بالله، أو يُنافي كمالَه، وهو الشرك الأصغر والبدع، ومن أبواب كتاب التوحيد في تقرير التوحيد باب فضل التوحيد وما يُكفِّر من الذنوب، وباب من حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب، وباب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وباب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلاَّ الله.
ومن الأبواب فيما يُنافي أصل التوحيد وهو الشرك، باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره، وباب ما جاء في الذبح لغير الله، وباب من الشرك النذر لغير الله، وباب من الشرك الاستعاذة بغير الله، وباب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} الآية، وباب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
ومن الأبواب فيما يُنافي كمال التوحيد وهو البدع والشرك الأصغر: باب ما جاء أنَّ سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين، وباب ما جاء من التغليظ فيمَن عبَد اللهَ عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عَبَدَه؟! وباب ما جاء أنَّ الغلوَّ في قبور الصالحين يصيِّرها أوثاناً تُعبد من دون الله، وباب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جَناب التوحيد وسدّه كل طريق يوصل إلى الشرك، وباب قول: ما شاء الله وشئت.

نشر :