المذهب الفقهي للشيخ محمد بن عبد الوهاب

علي بن عبد الله النمي

دَرَس الشيخ في نشأته العلمية الفقهَ على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، والإمام أحمد هو إمام أهل السنة، كان على قدر كبير من العناية بالدليل، وله المسند يبلغ (30000) حديثًا، وقال أبو زُرعة الرازي: كان أحمد يحفظ ألف ألف، فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكَرته، فأخذت عليه الأبواب.

ومع ذلك فالشيخ محمد لا يتقيَّدُ بالمذهب الحنبلي عملًا وفتوى، بل يأخذ ويرجِّح ما دل عليه الدليل وإن كان خارجًا عنه.

قال الشيخ رحمه الله مبيِّنًا مذهبه الفقهي: نحن - ولله الحمد - متبعون لا مبتدعون، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.

وإذا تقرر أن الشيخ على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، فإن هذا يعني استفادةَ الشيخ من تلك المزايا التي تميز بها المذهب الحنبلي - وكل مذهب من المذاهب الفقهية المعتبرة امتاز بمزايا حسنة - ومن أبرز المزايا المرجوة لمن اعتنق المذهب الحنبلي:

الاقتداء بواسطة العِقد أحمد بن حنبل إمام المذهب الحنبلي، فالمرء على دين خليله، وأحمد رحمه الله واحدُ عصره، وقريعُ قومه، إمامٌ بلا مدافعة، في العقيدة والتوحيد والحديث والفقه وغيرها.

قال الشافعي رحمه الله: أحمد إمام في ثماني خصال: إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنة.

وقال يحيى بن معين: كان في أحمد خصال ما رأيتها في عالم قطُّ.

جودة أصوله؛ فإن الإمام أحمد بنى فتاويه ومسائله على خمسة أصول عظيمة: (النصوص، فتاوى الصحابة، الاختيار من أقوال الصحابة إذا اختلفوا، الحديث المرسل، القياس للضرورة، من أجلِها عظُمَتْ نصوصه وفتاواه.

العناية بالدليل والبعد عن الإغراق في الرأي.

الاعتصام بالسنة، والإمام أحمد قلَّ ألا تبلغه سُنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا كانوا - يعني الحنابلة - أقل الطوائف تنازعًا وافتراقًا لكثرة؛ اعتصامهم بالسنة والآثار، لأن للإمام أحمد في باب أصول الدين من الأقوال المبينة لما تنازع فيه الناس ما ليس لغيره، وأقواله مؤيدة بالكتاب والسنة واتباع سبيل السلف الطيب.

الأخذ بالراجح في الغالب؛ فإن الإمام أحمد راسخ في العلم واسع الاطلاع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأحمد كان أعلم مِن غيره بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصًّا كما يوجد لغيره، ولا يوجد له قول ضعيف في الغالب إلا وفي مذهبه قول يوافق القول الأقوى، وأكثر مفاريده التي لم يختلف فيها مذهبه يكون قوله فيها راجحًا.

الالتزام بمنهج السلف، قال شيخ الإسلام - وكان ضليعًا في المذهب الحنبلي -: والحنابلة اقتفوا أثر السلف، وساروا بسيرهم، ووقفوا بوقوفهم، بخلاف غيرهم.

قلة البدعة في المذهب الحنبلي، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأهلُ البدعِ في غير الحنبليَّة أكثر منهم في الحنبلية بوجوه كثيرة؛ لأن نصوص أحمد في تفاصيل السنة ونفي البدع أكثر من غيره بكثير.

كثرة المسائل العلمية (الاعتقادية الخبرية) والعملية، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وكلامه - يعني الإمام أحمد - في هذا أكثر من كلام غيره من الأئمة المشهورين؛ فإن كلام غيره أكثر ما يوجد في المسائل العملية، وأما المسائل العلمية، فقليل، وكلام الإمام أحمد كثير في المسائل العلمية والعملية؛ لقيام الدليل من القرآن والسنة على ذلك.

وللمذهب الحنبلي مزايا غير هذه، اكتفيت بغُرَرها.

وفي ختام هذا الفصل أسوق بعضًا من أقوال أهل العلم حول انتماء الشيخ المذهبي، مبتدئًا بنقل ما كتبَتْه يمين نجله العلامة عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله؛ فقد لخَّص لنا تلخيصًا شافيًا كافيًا عقيدةَ والده - ومَن تبعه - ومنهجه ومذهبه الفقهي، ولا يُنبِّئك مثل خبير، أقتضب من تدوينه هذه السطور.

قال رحمه الله:

مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتُنا طريقة السلف، التي هي الطريق الأسلم، بل والأعلم والأحكم، ونحن أيضًا في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا نُنكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة، ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا أحد لدينا يدَّعيها، إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نصٌّ جليٌّ من كتاب أو سنة غيرُ منسوخ ولا مخصص، ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة - أخذنا به وتركنا المذهب... إلى آخر ما قال.

وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمه الله:

قد تتبع العلماء مصنفاته - يعني الشيخ محمدًا - رحمه الله من أهل زمانه وغيرهم فأعجزهم أن يجدوا فيها ما يعاب.

وأقواله في أصول الدين مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وأما في الفروع والأحكام، فهو حنبليُّ المذهبِ، لا يوجد له قولٌ مخالف لما ذهب إليه الأئمة الأربعة.

وقال الشيخ السهسواني - عن الشيخ وأتباعه -:

مذهبهم في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتهم طريقة السلف التي هي الطريق الأسلم، بل والأعلم والأحكم، وهم في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهذا ظاهر لمن طالع كتابه (كتاب التوحيد)، وسائر الرسائل المؤلفة للشيخ.

وقال الشيخ محمد رشيد رضا:

قد ذكرت هذه الإشاعات - يعني ما اتُّهم به الشيخ من الاعتقادات والأقوال الباطلة - مرة بمجلس الأستاذ الأكبر الشيخ أبي الفضل الجيزاوي شيخ الأزهر، في إدارة المعاهد الدينية، فاستحضرت لهم نسخًا من كتاب الهدية السنية، فراجعها الشيخ الأكبر وعنده طائفة من أشهر علماء الأزهر، فاعترفوا بأن ما فيها هو عين مذهب جمهور أهل السنة العلماء.

بعد هذا التقرير الموجز المفيد بالمنة الإلهية والنعمة الربانية لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله المتمثلة فيما يلي:

الهداية إلى الإسلام.

الهداية إلى عقيدة السلف الصالح.

الهداية إلى منهج أهل السنة والجماعة.

التوفيق إلى العلم النافع.

وبعد:

فالانتماء إلى هذه الأسماء الشرعية مقدَّم على الانتماء إلى غيرها هي أول وغيرها المحل الثاني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل، وكذلك أهل السنة أئمتهم خيار الأمة.

وقال: أهل السنة يتَّبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول، ولا يُكفِّرون مَن خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق، كما وصف الله به المسلمين بقوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس؛ [البخاري: 4281]، وأهل السنة نقاوة المسلمين، وهم خير الناس للناس.




نشر :