المذهب المنهجي للإمام محمد بن عبد الوهاب

الشيخ علي بن عبد الله النمي

نهَجَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته منهج أهل السنة والجماعة، لا ينازع في هذا إلا جاهلٌ أو مُكابر، لقد كان رحمه الله متمسِّكًا بهَدْي الصدر الأول، جاريًا على مناهجهم، سالكًا سبيلَهم، مقتديًا بهم - نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا - وقد قال رحمه الله موضِّحًا منهجَه: أُخبِرك أني - ولله الحمد - متبِعٌ، لست بمبتدع. [ابن قاسم: الدرر السنية 1/79].


وقد شهِد له بذلك القريب والبعيد، ونجاحُ دعوته دليل صحة منهجه، قال علامة العراق محمود الألوسي رحمه الله (ت: 1342هـ): كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب شديدَ التعصُّبِ للسنة، كثير الإنكار على مَن خالف الحق من العلماء. [الألوسي: تاريخ نجد ص 165].


وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (وهو ابن بَجْدَتِها): طريق الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وأتباعه، وهو الإمام المجدد، طريقه هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لمن تتبَّعها بعلم وإنصاف. [ابن عثيمين: فتاوى العقيدة ص 436].


وإذا تقرر أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله على منهج أهل السنة والجماعة، لا بد أن يفوز بمزايا ذلك المنهج وخصائصه وسمات أهله؛ والتي من أبرزها:

التمسك بالسنة والاجتماع عليها، فهم مُتَّبِعون لا مبتدعون، مجتمعون في الدين لا مختلفون فيه.

الثبات والاستقرار على الحق، وعدم تقلبهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وبالجملة، فالثبات والاستقرار في أهل الحديث والسنة أضعاف أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة.

وقال: والمقصود أن ما عند عوامِّ المؤمنين وعلمائهم أهل السنة والجماعة من المعرفة واليقين والطمأنينة، والجزم الحق، والقول الثابت، والقطع بما هم عليه، أمرٌ لا ينازع فيه إلا مَن سلبه الله العقل والدين.

اتفاق أهله على أمور العقيدة، وعدم الاختلاف فيما بينهم مهما اختلف الزمان والمكان، وجميع كتبهم المصنَّفة في القديم والحاضر في بيان الاعتقاد على وَتيرة واحدة، كما ذكر ذلك الأصبهاني.

الاهتمام بمصدرَي التلقي (الكتاب والسنة) من كل وجه، والعناية بهما والإيمان بما فيهما، والعمل على فهم نصوصهما، واستنباط الأحكام منهما، والرد حال التنازع إلى ظاهر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

الاقتداء والاهتداء بأئمة الهُدى ومصابيح الدُّجى، بَرْكُ الإسلام [صدره]، وعصابة الإيمان، وتاج التاريخ، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إحدى معجزاته، ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوبًا، وأعمقُها علمًا، وأقلُّها تكلفًا، وأحسنها فهمًا، وأصدقُها إيمانًا، وأعمقُها نصيحة.

التوسط في كل أمور الدين، فلا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط.

الإنصاف والعدل، والعمل بالضوابط الشرعية في مسألة التكفير والتضليل والتفسيق.

الحب في الله والبغض في الله، والموالاة فيه والمعاداة فيه، والرابطة الحقيقية التي تربط أفراده الإسلام والسنة.

النصيحة لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم.

الحرص على نشر العقيدة الصحيحة ودين الرسل وتعليم الناس وإرشادهم، والرد على المخالفين وكشف شبهاتهم.

الشمولية المنهجية؛ حيث نهجوا منهج السلف الصالح في الاعتقاد والعبادة والأخلاق والمعاملة والدعوة إلى الله.

أنهم الطائفة المنصورة، الذين لا يزالون على الحق ظاهرين، لا يضرُّهم من خذلهم، ولا من خالفهم إلى قيام الساعة.

أنهم الفرقة الناجية التي نجَتْ في الدنيا من البدع، وتنجو في الآخرة من النار.  [انظر: مقدمة المحقق رضا لكتاب الإبانة لابن بطة 1 /11 - 18 وكتاب وجوب لزوم الجماعة لجمال بن أحمد ص 286 - 290، والموسوعة الميسرة 1 /46 - 50، إشراف الجهني، وعقيدة أهل السنة والجماعة لسعيد القحطاني].

وإذا عرَفت أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله يدين بدين الإسلام، وأنه على اعتقاد أهل السنة والجماعة ومنهجهم، عاضًّا على ذلك بالنواجذ؛ اعتقادًا وعبادة وأخلاقًا ومعاملة، وكانت هذه الأمور إطارَ دعوتِه وطلبِه للعلم - فلا بد أن تحالفَه تلك النَّفحات الإلهية؛ من الهداية في العلم، وحسن القصد، والتوفيق والسداد، والتأييد والنصرة، ونضوج العقل، وحدَّة الذهن، وصفاء التفكير وعبقريَّتِه.

وقد قيل للإمام أحمد رحمه الله: مَن نسأل بعدك؟ قال: عبدالوهاب الورَّاق، قيل له: إنه ليس له اتساع في العلم، قال: إنه رجل صالح مثلُه يُوفَّقُ لإصابة الحق.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اقربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون؛ فإنهم تتجلَّى لهم أمور صادقة.

وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: إن في قلب المؤمن سراجًا يُزهِرُ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فكل مَن استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أحدَّ وأسدَّ عقلًا، وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعافَ ما يناله غيرهم في قرون وأجيال، وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم كذلك متمتعين، وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوي الإدراك ويصحِّحُه، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى ﴾ [محمد: 17]...، إلى أن قال: وهو - يعني الإمام أحمد - إنما نَبُل عند الأمة باتباع الحديث والسنة، وكذلك الشافعي وإسحاق وغيرهما، إنما نبلوا في الإسلام باتباع أهل الحديث والسنة، وكذلك البخاري وأمثاله إنما نبلوا بذلك، وكذلك مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وغيرهم، إنما نبلوا في عموم الأمة وقُبِل قولُهم لما وافقوا فيه الحديث والسنة. 
[ابن تيمية: الفتاوى 4 /10 - 11].





نشر :