ترجمة فضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن إسحاق آل الشيخ
الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن إسحاق آل الشيخ
اسمه ونسبه:
هو فضيلة الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب مؤسس الدعوة السلفية في الجزيرة العربية، وينتهي نسبه إلى آل مشرّف من الوهبة أحد فروع قبيلة بني تميم العدنانية المشهورة.
مولده ونشأته:
ولد الشيخ محمد سنة (1330هـ) من والدين كريمين، فأبوه الشيخ عبد الرحمن سليل أسرة كريمة ورثت العلم والفضل كابراً عن كابر، وأمه هي سارة بنت صالح بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب. وقد توفيت أمه الصالحة وهو في السابعة من عمره، حيث يذكر المترجَم هذا الحدث جيداً؛ فقد كان ذلك أثناء استعدادها لصلاة الضحى، حيث أحست بالتعب وسقطت على مرأى منه جراء إصابتها بداء انتشر في نجد في تلك الفترة، فهرع إلى أخته (الجوهرة) التي تكبره ببضع سنين، وأخبرها، فلما عاينت الموقف، أسرعت بأخيها، وبعثته إلى والدهم الشيخ عبد الرحمن، وكان وقتئذ يقرأ على شيخه العلامة عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، فأخبر أباه بما حصل، فما كان منه إلا أن استرجع وحمل ابنه إلى بيته، وكان ذلك سنة (1337هـ) وهي السنة المعروفة بسنة (الرحمة)، فنشأ المُترجَم في كنف والده بعد ذلك يتيم الأم، حيث تولى تربيته جدته لوالده منيرة بنت حسن بن علي بن حسين بن محمد بن عبد الوهاب. إلا أن الله تعالى قد أحاط الشيخ بتوفيقه وحسن عنايته، فنشأ نشأةً صالحة في بيت علم وفضل؛ فأبوه من كبار طلبة العلم المدركين، وجدّه الشيخ إسحاق المتوفى سنة (1319هـ) من أوسع علماء زمانه رحلة، حيث التمس العلم في مصر والهند والحرمين على جملة من كبار علماء ذلك الوقت؛ أمثال الشيخ محمد نذير حسين محدّث بلاد الهند، والشيخ حسين بن محسن الأنصاري نزيل بلاد بهوبال، ونال منهم العديد من الإجازات العلمية التي لا تزال محفوظة لدى أحفاده إلى زماننا هذا. وجدّه الأعلى هو الشيخ عبد الرحمن بن حسن عالم نجد في زمانه وحفيد إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع.
وقد حظي المترجَم بعناية تامة من والده، حيث تعلّم القرآن في الكتّاب، وبها تعلّم القراءة والكتابة، وكان والده يحضر به إلى دروس المشايخ منذ نعومة أظفاره، فأدرك مع أبيه القراءة على الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ المتوفى سنة (1339هـ)، ويذكر أن والده رحمة الله قد عاش وطال عمره حتى جاوز المائة، وتوفي بالرياض سنة (1407هـ).
في سنة (1350هـ) وعندما بلغ الشيخ سن العشرين تزوّج ابنة عمه (سارة) بنت محمد بن إسحاق التي تكفل والده بتربيتها بعد أن توفي والدها وهي رضيعة، وأنجبت منه (عبد الله) و(منيرة)، وأولاداً آخرين لم تُكتب لهم الحياة، حيث رزق بولده الأول (عبد الله) في الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة (1351هـ) وذلك حينما كان المترجَم مع والده في مكة لأداء فريضة الحج، وكانت تنقلاتهم آنذاك بواسطة (الركائب)، حيث التقى في مكة مع والده بالملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل، الذي أنزلهم في ضيافته وأكرمهم غاية الإكرام، وأرجعهم بعدما أنهوا النسك إلى الرياض بواسطة وسيلة نقل متاحة وقتئذ.
في السنة التي تليها (1352هـ) استنفر الملك عبد العزيز الجيوش للمشاركة في حرب اليمن بقيادة ابنه الأمير فيصل بن عبدالعزيز، وكان المترجَم ضمن من شملهم الاستنفار، فشارك في الحرب مع فوج (ابن دغيثر) واحد من ثلاثة أفواج شاركت في تلك الحرب، وقد حكى المترجَم كيف وصلوا بجيوشهم إلى (صعدة)، ووصف شدة البأس، وكيف خُرِّقت ثيابهم جرّاء رمي البنادق تجاههم، و كيف استمرار التوغّل إلى أن رجع الأمير فيصل بإصرارٍ من والده.
بعدما قارب سن الخمسين سنة، تزوّج بإشارةٍ من زوجته الأولى من نورة بنت حمد بن عبدالله آل ناصر من بني زيد -من أهل الدرعية-، وأنجب من زوجته الثانية اثني عشر ولداً، سبعة أولاد وخمس بنات، أكبرهم عبد العزيز الذي توفي في سن العاشرة سنة 1390هـ. وقد بارك الله في الشيخ ورزقه ذرّية طيبة، وأمتع الله بحياته حتى أدرك أحفاد أحفاده، وقد بلغت ذرّيته من أولاد وأحفاد ومن نزل ما يزيد على الأربعين ومائة نفس، بارك الله له ومدّ في عمره على العافية والطاعة.
طلبه للعلم وتحصيله على الشيوخ:
ابتدأ الشيخ الطلب في سنٍّ مبكرة، حيث أسهمت عناية والده في رفع همّته وانكبابه على التحصيل العلمي، وكانت مدينة الرياض وقتئذ زاخرةً بكبار العلماء، ومحطَّ رحال الطلبة من شتى أنحاء الجزيرة. فشرع في القراءة على كبار العلماء، ومن أبرز شيوخه:
1- الشيخ النحوي الفرضي حمد بن فارس (1263-1345هـ)، وقد قرأ عليه في العقيدة كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وفي الفقه زاد المستقنع للحجّاوي، وفي الفرائض متن الرحبية، وفي النحو متن الآجرومية، وألفية ابن مالك، كما سمع منه الحديث المسلسل بالأولية: «الراحمون يرحمهم الراحمن...»، والحديث المسلسل بالحنابلة: «إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله...»، وأجازه الإجازة العامة.
2- الشيخ المحدّث الفقيه سعد بن حمد بن عتيق (1279-1349هـ)، وقد قرأ عليه في التوحيد، وقرأ عليه متن زاد المستقنع، وأكثر عليه في علم الحديث، وقد سمع منه الحديث المسلسل بالأولية، ونال منه الإجازة العامة، وكان يحكي أن غالب دروس الشيخ كانت في فترة الضحى.
3- الشيخ الفقيه القاضي محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ (1282-1367هـ)، قرأ عليه في التوحيد العقيدة الطحاوية، والعقيدة الواسطية، وقرأ عليه في الحديث أكثر صحيح البخاري، وشيئاً من صحيح مسلم، وسمع منه الحديث المسلسل بالأولية، وأجازه الإجازة العامة.
4- الشيخ العلامة رئيس القضاة محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1311-1389هـ)، وهو نخبة شيوخه، حيث قرأ عليه في غالب الفنون، ولازمه ملازمةً تامة ربعَ قرنٍ من الزمان وسمع منه الحديث المسلسل بالأولية، وأمر الشيخ سنة (1386هـ) بتحرير شهادةٍ خطية له تفوق الشهادة الجامعية، وقد جاء فيها مانصّه:
«...إن الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن إسحاق من تلاميذنا، وقد ابتدأ الدراسة علينا سنة (1345هـ) وواصلها حتى سنة (1370هـ)، فقرأ علينا أثناء هذه المدّة كثيراً من كتب التوحيد والأصول والحديث والفقه وأصوله والنحو والفرائض، ومجموعةً من الكتب العلمية التي تُدرّس في المرحلة العالية من كليتي الشريعة واللغة العربية، وكان إلى جانب ذلك متحلياً بحسن الديانة والتقوى والورع والثقة والأمانة، مع الهدوء والعقل الراجح. وتقديراً منا لما بذله المذكور من جهودٍ متواصلة في دراسته وما يتحلّى به أمرنا بتحرير هذه الشهادة له...».
يقول أحد أبناء المترجم: «كان والدنا يُلوّح بهذه الشهادة أمامنا ويقول: هذه هي الشهادة الحقيقيّة، في إشارة إلى ابتعاد غالبيتهم عن العلم الشرعي».
وقد التقى خلال فترة التحصيل العلمي عدداً من كبار أهل العلم والفضل، وصاحب جماعةً من فضلاء الطلبة آنذاك، ومن هؤلاء:
1- الشيخ سليمان بن سحمان (1266-1349هـ).
2- الشيخ عبد الله بن بليهد (1284-1359هـ).
3- الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ (1287-1378هـ).
4- الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ (1319-1395هـ).
5- الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (1287-1372هـ).
6- الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد (1329-1402هـ).
7- الشيخ عبد العزيز بن صالح بن مرشد (1313- 1416هـ).
8- الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن فارس (1307- 1418هـ).
9- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (1330- 1420هـ)، وقد كان للمترجَم مع الشيخ ابن باز علاقة خاصة وزمالة علمية وودٌّ كبير.
وفي الجملة فقد كان المترجَم من أبرز طلبة العلم في مدينة الرياض وقتئذ، فقد جاء في وثيقةٍ مؤرّخة سنة (1355هـ) بخط الشيخ محمد بن سعود العريفي (من علماء منطقة حائل) لمّا زار منطقة الرياض ما نصّه: «طلبة العلم أهل الجنوب وأهل الوادي...»، ثم سرد أسماء ستين طالباً ومن جملتهم: «...أهل الرياض: آل الشيخ: عيال محمد ثلاثة: عبد الرحمن وعبد الله وإبراهيم، وآل إبراهيم عيال الشيخ اثنين: عبد العزيز وإبراهيم، وإخوانه اثنين: عبد اللطيف وعبد الملك، وعيال عمر ثلاثة: عبد الرحمن وعبد الله وعبد اللطيف بن محمد المصري، وسليمان بن عبد الله وابنه عبد الله، وعمه صالح بن عبد العزيز، وعبد العزيز بن عبد الرحمن ابن أخيهم، ومحمد بن عبد الرحمن بن إسحاق، وعبد الرحمن بن علي وسليمان... ». (المصدر: جريدة الرياض، عدد 14298 )
المناصب التي تولاّها الشيخ:
لقد كان لمنزلة الشيخ الخلقية والعلمية والثقافية الأثر البالغ في تقليده عدداً من المناصب التي تولاّها بكفاءة واقتدار، وأبرز من خلالها جهداً ملموساً، ونشاطاً علمياً لا يزال يذكره الحامدون له، ولقد كان لتقلّبه في عددٍ من المناصب الأثر الواضح في إكسابه الخبرة في كثيرٍ من المجالات، ويمكن سرد المناصب التي قام بها على النحو الآتي:
1- عين مجاهداً بإدارة المجاهدين سنة (1357ه)ـ، واستمر على ذلك حتى سنة (1362هـ).
2- وفي سنة 1362هـ عين عضواً في هيئات الشرقية، ومن ثم رئيساً لهيئة الوسطى سنة (1374هـ).
3- وفي سنة (1377هـ) عُيِّن بموجب الأمر الملكي وبتزكية من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رئيساً لدور الأيتام المعروفة بدار التربية والرعاية الاجتماعية والتي ألحقت فيما بعد بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
4- وفي سنة (1382هـ) عُيّن رئيساً للأوقاف بنجد والمنطقة الشرقية التابعة لوزارة الحج والأوقاف آنذاك، ورقي بعد ذلك إلى مستشار شرعي بالرئاسة، ثم عُيّن سنة (1385هـ) مديراً عاماً للأوقاف بالمنطقة الوسطى والشرقية، واستمر على ذلك 13 سنة.
5- وفي سنة (1398هـ) عُين وكيلاً مساعداً لوزارة الحج والأوقاف لشؤون المساجد، ثم وكيلاً للوزارة بالمرتبة الخامس عشرة سنة (1399هـ).
6- تقاعد سنة (1410 هـ)، ومن ثم تعاقدت معه وزارة الشؤون الإسلامية بأمر ملكي وبمميزات مرتبة معالي على وظيفة وكيل الوزارة المشرف العام.
ذرّية الشيخ:
أجاد عليه المولى بأبناء صالحين بارّين، قائمين بشؤونه على أكمل وجه، وظهر فيهم أثر الشيخ فضلاً وخُلُقاً وعلماً، ومنهم:
1- معالي الدكتور عبد الله، ولد سنة (1351هـ)، وحصل على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه من جامعة الأزهر مع مرتبة الشرف الأولى، وذلك من خلال تحقيقه لكتاب الحافظ العلائي الموسوم بـ(تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم)، وقد طُبع الكتاب بتحقيقه سنة (1403هـ)، وعمل في الرئاسة العامة للإفتاء ووزارة الشئون الإسلامية، ردحاً من الزمن حتى كان آخر منصب تولاه هو نائب المشرف العام على مجمع خادم الحرمين الشريفين لطباعة المصحف الشريف، حيث تقاعد سنة (1426هـ) وذلك قبل أن ينتقل إلى جوار ربه أثناء تلقيه العلاج من مرض عضال في أحد مستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية في صباح يوم السبت الثاني عشر من ذي القعدة سنة (1430هـ). وله من الأبناء أربعة أولاد وثماني بنات.
2- أحمد، من مواليد سنة (1382ه) وهو يحمل شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع سنة (1405هـ) من جامعة الإمام محمد بن سعود، وقد بدأ حياته المهنية كرجل أعمال، حتى أصبح حاليا يشرف على العديد من الأعمال التجارية المتنوعة، وعضوية مجلس إدارة العديد من الشركات المساهمة، وله من الأبناء ولدان وثلاث بنات.
3- الدكتور حسن من مواليد سنة (1384هـ)، تخرج من كلية الشريعة متخصصاً في الاقتصاد الإسلامي سنة (1406) هـ، وأكمل تحصيله العلمي في الولايات المتحدة وبريطانيا حتى تحصل على الدكتوراه في الإدارة من جامعة أكستر سنة (1415 هـ) ويشغل إحدى المراتب العليا في الدولة، وله من الأبناء بنت وولدان.
4- هشام، يحمل درجة البكالوريوس من جامعة الملك سعود من كلية الآداب عامة سنة (1409هـ)، يتولى حالياً إحدى الوظائف الإشرافية في شركة أرامكو السعودية في مدينة الرياض، وله من الأبناء ثلاثة أولاد وبنت.
5- الدكتور عبدالعزيز، تخرج من جامعة الملك سعود كلية العلوم الإدارية سنة (1413هـ) وأكمل تحصيله العلمي من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة حتى تحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة برونيل سنة (1422هـ) متخصصاً في الإدارة، ويشغل حالياً إحدى الوظائف العليا في إحدى المؤسسات الحكومية، وله من الأبناء ولدان وثلاث بنات.
6- الدكتور عبد اللطيف، تخرج من كلية الآداب جامعة الملك سعود سنة (1418 هـ)، وحصل على شهادة الماجستير في التسويق من جامعة وستمنستر ببريطانيا ودرجة الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعه سري ببريطانيا سنة (1428هـ). وهو حالياً يشغل إحدى الوظائف القيادية في إحدى الشركات البريطانية العاملة في المملكة، وله من الأبناء ثلاث أولاد.
7- فيصل، تخرج من جامعة الملك سعود متخصصاً في القانون سنة (1424 هـ)، وحصل على شهادة الماجستير في ذات التخصص من جامعة سنترال لانكشر من بريطانيا سنة (1427هـ)، وحالياً يدرس الدكتوراه في القانون في كلية كوين ميري بجامعة لندن، ويعمل في أحد مشاريع التوازن الاقتصادية، وله بنت.
كما أن لفضيلته ست من البنات وهن؛ منيرة ونوف ومشاعل وجواهر والعنود والفهدة.
وفاته: توفي الشيخ صباح الجمعة 15 ربيع الآخر 1438هـ، رحمه الله تعالى رحمةً واسعة، وأكرمَ مآله ومآبه.
نشر :