ترجمة فقيد أفريقيا الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله آل الشيخ –رحمه الله –
الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله آل الشيخ
نسبه:
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب.
مولده ونشأته:
ولد عام ١٣٥٩هـ بمدينة الرياض في منزل والده بحي دخنه، وكان لوالدته أثر بالغ في تربيته ووسم شخصيته، فقد كانت عاقلة حكيمة حسنة التدبير.
طلبه للعلم:
بدأ طلبه للعلم عند سن السادسة بالتحاقه بأحد الكتاتيب لحفظ القرآن الكريم في الرياض، وممن قرأ على يدهم القرآن مقرء المدينة المنورة الشيخ عبد الفتاح قاري في الرياض، كما تعلم القراءة والكتابة على يد الشيخ منصور بن هويمل.
وعندما أنشأت الحكومة التعليم النظامي وانتخبت له نخبة من العلماء المرموقين التحق بمدرسة العزيزية الابتدائية بدخنة ودرس فيها على يد علماء أجلاء منهم: الشيخ صالح الحصين، والشيخ صالح بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبدا للطيف آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن غديان، والشيخ ضحيان بن عبد العزيز، والشيخ محمد الدريبي.
ثم التحق بالمعهد العلمي بالرياض ودرس فيه سبع سنوات، فدرس فيه عند: الشيخ عبد العزيز السلمان، وبعدها التحق بالعمل الحكومي عام ١٣٧٨هـ، وأكمل دراسته ليلًا حرصًا منه على الاستمرار في طلب العلم، فقد كان قوي العزم عالِ الهمة، لا تنقطع به همته عندَ حد.
إلا أنه بعدما أنهى سبع سنين من دراسته في المعهد -تعادل إنهاء الشهادة المتوسطة-، شكلت وزارة المعارف لجنة لدراسة شهادات المعاهد العلمية وتقييمها، وطلبت من حامليها الدراسة ليلًا والاستعداد للاختبار، فالتحق الشيخ عبد الرحمن بإحدى المدارس الليلية رغبةً منه في إنهاء الدراسة الثانوية، والالتحاق بالدراسة الجامعية، وعند قرب الاختبار أعلنت وزارة المعارف رفضها للشهادات الصادرة من المعاهد ذلك الحين.
لم تُنهي هذه الصدمة الأمل والعزم في نفس الشيخ عبد الرحمن، بل زادته عزيمةً للوصولِ إلى ما يطمح، فقرر دراسة المرحلة الابتدائية من جديد فحصل عليها ليلاً، وقرر إعادة دراسة المرحلة المتوسطة ليلًا وحصل عليها، ومازال طموحه مستمرًا للوصول إلى الشهادة الجامعية، فتقدم لنيل شهادة الثانوية العامة بنظام الثلاث سنوات في سنة واحدة عن طريق منازل الرياض وذلك عام ١٣٩٤ه، وكانوا مجموعةً كبيرة تزيد على السبعين طالبًا، فلم ينجح منهم إلا هو.
وبعد إعلان النتيجة التقى بمعالي الشيخ حسن بن عبد الله وزير التعليم العالي في ذلك الحين، فقال له: “يعلم الله لقد فرحت لك حين سألت عن نتيجة منازل الرياض، فقالوا: رسبوا جميعًا إلا واحدًا، فقلت: من هو هذا الواحد؟، فقالوا: عبدالرحمن آل الشيخ”.
وفي عام ١٣٩٥هـ التحق بقسم العلوم السياسية في كلية التجارة وكان مقرها منزل الأمير مشعل بن عبدالعزيز في عليشة، ودرس فيها المرحلة الجامعية إلى جانب عمله في وزارة العدل، إلى أن تخرج عام ١٣٩٩ه، وكان تخرجه في نفس سنة تخرج ابنه الأكبر الدكتور عبد المحسن، وقد كان راعي الحفل آن ذاك معالي الدكتور عبد الرحمن آل الشيخ، فقال حين سلمه الشهادة: “إنها المرة الأولى التي تحدث في جامعتنا ابن وولده يتخرجان في عام واحد ويحصلان على تقدير ممتاز والأولية على مجمعتهما، إنها تستحق الذكر والإشادة بكفاح الأب”.
صفاته وأخلاقه:
الكرم كان مجلسه مفتوح للناس لا يخطئ أحد هذه الصفة فيه ممن عاشره، كما كان حتى كريمًا بجاهه، ووظف هذا في خدمة الدعوة فكان جسرًا بين الدعوة والعلماء والمفتين.
الصبر فعلى الرغم من ابتلاء الله له بالأمراض آخر حياته لم يشتكي أبدًا، فقد كان صابرًا محتسبًا.
رزقه الله بعد النظر في أمور كثيرة منها معرفة الرجال، فقد كان يختار الرجل المناسب للعمل المناسب ويوظفه في أمور الدعوة التي يجيدها، كما أنه وظف هذه الصفة في نشاطاته الخيرية في المراكز الصحية والجامعات والمراكز الخيرية، وقد أثبت الزمان هذه الصفة فكان لأعماله أثر واسع في المجتمع وقدرها رؤساء الدول مثل تنزانيا والسودان.
خبرته العملية:
التحق بالعمل الحكومي عام ١٣٧٨ه، فبدأ بوظيفة في المعاهد العلمية عند عمه الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم بعد أن حثهُ أخوه الشيخ إبراهيم على العمل، ثم انتقل إلى رئاسة القضاء عند عمه الشيخ محمد بن إبراهيم التي أصبحت بعد ذلك وزارة العدل، ثم عين مديرًا لفرع مكتب وزارة العدل في مكة المكرمة مدة قصيرة، وكان عضوًا في اللجنة العليا للشؤون الإسلامية، ومثل المملكة في مؤتمر وزراء العدل العرب.
وآخر منصب حكومي شغله هو الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى، وشغل هذا المنصب إلى أن تقاعد وفيه عمل مع الشيخ صالح بن لحيدان وكان مقربًا منه ومحل ثقته.
نشاطاته الدعوية:
قُبيل تركه للعمل الحكومي شغله هم عظيم لأفريقيا فقد كان يزورها كثيرًا للصيد، فرأى حاجة المسلمين هناك ومشاكلَهم، فشعر بمسؤولية تجاه إخوانه المسلمين، فصمم على خدمتهم بعدما شاهد في رحلاته لها شدة الحاجة مع قلة المعين، ومما زاد همته في الدعوة إلى الله والعمل الخيري في أفريقيا خاصة ما شاهده من جهود التنصير وخطر المنصرين على تلك القارة.
كان الشيخ بما يحمله من فكرٍ واعٍ ونظرة متزنة إضافة كبيرة لجهود الدعاة هناك، فحمل على عاتقه نشر العلم الذي هو همه الدائم أين ما حلّ، فبدأ نشاطاته بافتتاح المدارس والكليات ودعم الجامعات، داعمًا التعليم الديني والمدني حتى تكتمل المنظومة بشكل متزن، فمما لاحظه بداية عمله في الدعوة تركيز النشاطات الدعوية على تعليم العلم الشرعي بعيدًا عن العلم المدني فعمل على جعل التعليم يسير بشكل متوازٍ حتى يحقق الاتزان في المجتمع المسلم، ليخرج الطبيب المسلم ومساعد الطبيب المسلم والمهندس المسلم والمحاسب والمحامي والاقتصادي.
فأنشأ ليحقق هذا الهدف مدارس أم سلمة، التي تعد من أكبر المدارس الحديثة في محافظة إيرينقا جنوب تنزانيا، بل هي المدرسة الإسلامية الوحيدة في تلك المحافظة، ويدرس فيها اليوم ما يزيد عن ثمان مئة وخمسين طالبة من مسلمي تنزانيا، كان لكثير منهم أثر بناء في المجتمع بعد تخرجهم منها، فانعكس بذلك فكره المتزن في بناء مجتمع إسلامي متوازن من خلال اهتمامه بالتعليم المتكامل.
كما أنشأ مدرسة أم سلمة في الهند.
كما كان داعمًا لجامعة أفريقيا العالمية عضوًا في مجلس أمناءها، وحصل على الدكتوراه الفخرية منها، وسعى -رحمه الله- إلى إنشاء كلية علوم التمريض، ليكون التعليم فيها متوازيًا بين علم الدين والعلم المدني، وكان لهذه الكلية منهج خاص يجمع بين تغطية الحاجة الطبية في المنطقة والإعداد الديني.
إلى جانب دعمه الكبير للتعليم، كان داعمًا للصحة والإغاثة وبناء المساجد هناك، وكان يقول: “في أفريقيا يعانون من ثلاثة رؤوس تحتاج إلى ثلاثة فؤوس: المرض والجهل والفقر”، وكان على قناعة أن حرب الجهل كفيل بحرب الفقر والمرض.
إلا أنه لم يتوقف عن بناء المساجد والمستوصفات وحفر الآبار وتقديم الإغاثات لمسلمي أفريقيا، يعيش حاملًا همهم كأنه همه، وكما قال أ.د كمال محمد عبيد مدير جامعة أفريقيا العالمية: “كان الشيخ عبدالرحمن همة لا تعرف الفتور وعزيمة لا تعرف الخور، كان يلقانا في داره العامرة في أشد حالات المرض هاشًا باشًا يتصدر المجلس، يهتم في كل الأمور ويسأل عن أدق التفاصيل، لا يفتأ يذكّر بالهم العام ولا يلتفت للإجابة عن حاله وصحته إلا بمزيد من الحمد لله والثناء عليه”.
حفلت مسيرته في الدعوة في أفريقيا بمنجزات عديدة، إضافة إلى ما ذكر شارك في -رحمه الله- تأسيس قناة أفريقيا الفضائية باللغات الأفريقية الأساسية ووضع سياساتها العامة لتكون منبر المسلمين الإعلامي في أفريقيا، كما عمل على تأسيس هيئة لحقوق الإنسان الأفريقي التي سجلها في لندن، وساهم في تأسيس محطة الإذاعة الإسلامية بمورقور في تنزانيا التي تخاطب المسلمين وتعلمهم أمور دينهم، كما بنى الأمل وهو أول مستوصف صحي إسلامي بمدينة إيرنقا جنوب تنزانيا، ثم توالا بعدها بناء المستوصفات في تنزانيا حتى بلغت خمس مستوصفات وهي: مستوصف الأمل ومستوصف بن حمودة و مستوصف آل الشيخ ومستوصف سراج الدين ومستوصف التقوى، كما بنى مستوصف الجميح للأمومة، وعمل على تزويدهم بسيارات إسعاف، وبنى مستوصف بموكومي في تنزانيا مزود بسيارتي إسعاف، كما بنى المساجد وحفر الآبار الارتوازية في مناطق عديدة ومن مشاريعه حفر مئة بئر في أثيوبيا.
كما حرص رحمه الله على إبعاد النشاط الدعوي عن السياسة حمايةً للدعوة رغم أنه كان يرى أهمية دور السياسة في حماية الدعوة، ولم يكن له نشاط سياسي إلا في أثيوبيا فكان إذا لقي المسلمين في المساجد حثهم على المشاركة في الانتخابات لكي يظهروا قيمتهم الحقيقة ونسبتهم في البلد وهذا سبيل لمشاركتهم في الحكم.
لم يكن طريق هذه المسيرة مفروشًا بالورد، بل لاقى فيها -رحمه الله- المتاعب حتى كاد يرى الموت ثلاث مرات، مرة في البر وأخرى الجو والأخيرة في البحر، إلا أن الله حفظه منها ونجاه من خطرها.
إن الاستمرار في هذا الطريق الشاق يلزم له شخصيات فذة قوية لا تكسرها الصعوبات بل تزيدها عزمًا وقوة كما كان عليه الشيخ -رحمه الله-.
قالوا عنه:
أ.د كمال محمد عبيد مدير جامعة أفريقيا العالمية: “كان الشيخ عبدالرحمن همة لا تعرف الفتور وعزيمة لا تعرف الخور، كان يلقانا في داره العامرة في أشد حالات المرض هاشًا باشًا يتصدر المجلس، يهتم في كل الأمور ويسأل عن أدق التفاصيل، لا يفتأ يذكّر بالهم العام ولا يلتفت للإجابة عن حاله وصحته إلا بمزيد من الحمد لله والثناء عليه، وكنت أقول عندما يحل ضيفًا على بلادنا وقد أرهقه المرض والله ما ترك الشيخ عذرًا لمعتذر”.
شخصيات في حياته:
والدته سارة بنت عبدالرحمن آل الشيخ: ربته صغيرً وشهد في حضانتها كيف يكون للإنسان دور اجتماعي قوي والدفاع عن المظلومين وإيوائهم.
والده سماحة الشيخ عبدالله بن إبراهيم: كان نافذة النور على حياته في الرياض فكان يصحبه دائمًا إلى صلاة الجمعة فيرى هناك وجهاء الناس.
عمه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم: رآى في أكنافه قيمة العلم والعلماء ودورهم في الإصلاح.
ابن عمه سماحة الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم: كان الشيخ عبدالرحمن ملازم لمجلسه يقتفي حسن خلقه وسعة صدره وسعيه في قضاء حوائج الناس.
فضيلة الشيخ صالح اللحيدان: الذي عمل معه في مجلس القضاء الأعلى قرابة العشر سنوات، الذي كان محل ثقته وأعجب في دقة عمله وانضباطه في المواعيد، مع أنه في هذه الفترة تعرض لأزمة قلبية احتاج معها إلى عملية في القلب.
عائلته:
له من الأخوة واحد وهو الشيخ إبراهيم، ومن الأخوات اثنتين وهما الجوهرة ومنيرة، عُرف بشدة بره بوالديه، وله في ذلك مواقف عجيبة.
وله من الأولاد أربعة أولاد هم أ.د.عبدالمحسن أستاذ جامعي في هندسة المياه وبه كان يكنى ود.محمد وهو أستاذ جامعي في الهندسة النووية و م. عبدالملك ويعمل في مؤسسة النقد، ومصعب يحمل الزمالة في المحاسبة، وأربع بنات هن نوال وأمل وغادة وهالة، كان حريصًا على تعليمهم وصلاحهم، داعمًا للعلم فيهم خاصة طلب العلم الشرعي فقد خصص لمن يحفظ كتاب الله من أبناءه وأحفاده جوائز مجزية، حتى بلغ عدد حفاظ كتاب الله من أحفاده اثني عشر حفيدًا وحفيدة.
وفاته:
أصيب -رحمه الله- في السنوات الخمس الأخيرة من عمره بمرض الشلل الرعاشي “الباركنسن”، وكان -رحمه الله- صابرًا عليه، لا يظهر عليه الألم مع شدته ولا يشكو ألمه لأحد، حتى توفاه الله يوم الأربعاء ١٤/٦/١٤٤١هـ، وودعته الرياض بجموع غفيرة وجنازة مهيبة يغشاها الحزن ويلفها الألم على عظيم الفقد وجلل المصاب.
كما ودعته أفريقيا وداع الابن اليتيم لوالده، فقد أقام أبناءها الأوفياء صلاة الغائب على الفقيد، فكان الشيخ -رحمه الله- فقيدًا عظيمًا لأفريقيا، يقول أ.د كمال محمد عبيد مدير جامعة أفريقيا العالمية: “اليوم يشعر كثير من أبناء أفريقيا باليتم ويلفهم الحزن على رجل لم يقعده المرض ولا كبر السن ولا المشغوليات عن الاستجابة لاحتياجات المسلمين في أفريقيا بوقته وماله وفكره”
لقاءاته:
صفحات من حياتي
إذاعة السعودية
منبر أفريقيا
مؤلفاته:
الحبشة أرض الهجرة الأولى
أمينة السلمي
الشيخ محمد بن إبراهيم
نشر :