الشيخ عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن حسين بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله

الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ
هو صاحب السماحة العلامة الفاضل الجليل الشيخ عبد الله ابن الشيخ حسن بن الشيخ حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رئيس القضاة في حياته _ رحمه الله _.
ولد هذا العالم الشهير ببلدة الرياض في اليوم الثاني عشر من شهر محرم الحرام سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين من الهجرة، ونشأ في أحضان والده الشيخ حسن فقرأ القرآن حتى حفظه وعمره عشر سنوات، ثم حفظه غيبا عن ظهر قلب وشرع بعد ذلك في القراءة وطلب العلم فأخذ العلم عن علماء إجلاء منهم والده علامة زمانه الشيخ حسن ابن الشيخ حسين والشيخ العلامة الجليل عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف والشيخ إسحاق ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن والشيخ محمد بن محمود والشيخ العلامة حمد بن فارس أخذ عنه علم النحو وأخذ عن الشيخ عبد الله بن راشد بن جلعود العنزي علم الفرائض وقرأ على الشيخ العالم الجليل سعد بن حمد بن عتيق في الفقه ومصطلح الحديث وأسماء الرجال والتفسير وأجازه الشيخ يعد فيما تجوز له روايته من كتب الحديث والتفسير وأخذ علم التجويد عن الشيخ علي بن داود تلميذ الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن.
وعين في أول حياته إماما لمسجد الإمام عبد الرحمن بن فيصل المشهور بمسجد الديوانية وذلك سنة 1323هـ واستمر يصلي به إلي سنة 1337هـ ثم تركة وذلك أن الملك عبد العزيز أحتاج إلي علماء يمتازون بالمعرفة والعلم وطيب الأخلاق ورحابة الصدر فاختار عدة علماء من أهل نجد وأمرهم بالذهاب إلي الهجر عند رؤساء العشائر والبوادي المعروفين بالإخوان وذلك لبث الدعوة الصحيحة فيهم على المنهج السوي الموافق للكتاب والسنة وتعليمهم واجبات الإسلام وتحذيرهم عن الزيادة الغلو قي الدين.
وكانت هجرة الارطاوية التي يرأسها فيصل بن سلطان الدويش رئيس عشائر مطير من أهم تلك الهجر وأكبرها حيث كان يسكنها في ذلك الوقت ما يربو على عشرين ألفا من المجاهدين، فلم يجد الملك عبد العزيز من يصلح لها إلا الشيخ عبد الله بن حسن فأمره الملك بالذهاب إليها فذهب الشيخ إلي هذه الهجرة المعروفة بالارطاوية وأقام بها سنة وبضعة أشهر، ثم طلبه الملك فرجع إلي الرياض وقد خلف بهذه الهجرة المذكورة أثرا طيبا وذكرا حميدا حيث صار له بين الإخوان المقيمين بها طاعة وإجلال وشهرة بالتقى والعلم والصلاح تربو على الحد والتصور، فلقد أحبه الإخوان المقيمون بتلك الهجرة وودوا لو أقام بينهم مدة حياته فطلبوا من الملك عبد العزيز إبقاء الشيخ عندهم وألحوا في الطلب، ولكن احتياج الملك للشيخ حال بينهم وبين تحقيق رغبتهم لدى الملك، فقد عينه جلالة الملك عبد العزيز قاضيا للجيوش مع جلالته _ رحمه الله _ فباشر ذلك وغزا مع الملك غزوات كثيرة حضر معه فتح مدينة حائل سنة 1340هـ.
ولما جهز جلالة الملك عبد العزيز ابنه جلالة الملك فيصل لتأديب المتمردين في عسير والخرجين عن طاعة الملك عبد العزيز من آل عائض وغيرهم انتدب الملك عبد العزيز الشيخ عبد الله واختاره مرافقا لابنه فيصل وقاضيا للجيش وذلك في شهر شوال آخر سنة 1340هـ فكان فيصل حفظه الله يحترم الشيخ عبد الله ويعمل بمشورته. وقد تم لفيصل النصر على المتمردين والعصاة واستولى على عسير وأمر فيها أحد رجاله سعد بن عفيصان من أهل الخرج وأبقى معه خمسمائة من الجند وعاد فيصل ومعه الشيخ عبد الله إلي والده في الرياض في شهر جمادى الثانية ظافرا منتصرا.
ولما استولت جيوش الملك عبد العزيز على الطائف ومكة المكرمة سنة 1343هـ وسار جلالة الملك عبد العزيز من نجد إلي مكة صحب معه الشيخ عبد الله قاضيا لجيشه فحضر معه الشيخ حصار جدة إلي أن تم تسليمها، فعينه جلالة الملك عبد العزيز إماما وخطيبا للمسجد الحرام فشغل هذا المنصب واستمر فيه إلي أن صدرت الإرادة السنية من الملك عبد العزيز بتعيينه رئيسا للقضاة بالحجاز وذلك سنة 1346هـ ثم اسند إليه الملك زيادة على ذلك الإشراف على الحرمين والمدرسين فيهما واسند إليه وظائف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وملاحظة المساجد والإشراف عليها واختيار الأئمة وتعييهم وتوزيع الكتب المطبوعة على نفقة الملك عبد العزيز على المستحقين من طلاب العلم والمعرفة.
وأسند إليه مع هذا مهمة اختيار الوعاظ والمرشدين وبعثهم إلي القرى والبوادي لإرشادهم وتعليمهم واجبات الإسلام وأمور الدين، فقام _ رحمه الله تعالى _ بأعباء كل ما أسند إليه خير قيام.
وكان إلي جانب كل ما ذكرناه من الأعمال قائما بنشر العلم وتدريسه في الرياض ثم في الحجاز، فقد أخذ عنه العلم في نجد وفي الحجاز خلق لا يحصون نذكر من فضلائهم في هذه الترجمة بالمقتضبة أخوه العلامة الشيخ عمر بن الشيخ حسن، والشيخ العلامة محمد بن عثمان الشاوى، والشيخ فالح بن عثمان الصغير، والشيخ عبد الرحمن بن داود، والشيخ عبد الرحمن بن عقلا، والشيخ عبد العزيز ابن محمد الشثري الملقب بأبي حبيب، والشيخ عبد العزيز بن سوداء, وعلى بن زيد، وإبراهيم بن حسين. هؤلاء قرأوا عليه العلم في نجد واخذ عنه العلم بالحجاز عدد كثير نذكر من فضلائهم محمد عبد الظاهر أبا السمح إمام الحرم المكي قرأ عليه في التوحيد وأصول الدين والعقائد، والشيخ محمود شويل قرأ عليه في رد عثمان بن سعيد الدارمي وسمع عليه فراءات كثيرة في التوحيد الحديث والتفسير، وقرأ عليه الشيخ سليمان أباظة الأزهري فتح المجيد من أوله إلي آخره، وقرأ عليه علي بن محمد الهندي كتبا كثيرة وأمر عليه مجموع الرسائل والمسائل النجدية جمع ابن قاسم من أوله إلي آخره وكان هذا المجموع أربع مجلدات كبار أخذ المذكور في قراءتها على الشيخ نحو ثلاث سنوات، وقرأ عليه ابنه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله في الفقه والتوحيد وكتاب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله وكان الكتاب ذلك اليوم مخطوطا غير مطبوع وقد طبع فيما بعد، وقرأ عليه ابنه الشيخ محمد القرآن الكريم وقواعد التجويد ومؤلفات شيخ الإسلام محمد عبد الوهاب, وقرأ عليه ابنه معالي الشيخ حسن وزير المعارف في هذا العهد السعيد مباديء العلوم وختم عليه القرآن الكريم عدة مرات وبالجملة فقد كانت داره الرحيبة المطلة على الحرم الشريف والمعروفة بالداوودية1 عامرة بالقراءات ينتابها رواد العلم وطلاب المعرفة يتزودون من العلوم والفنون.
وقد كان الشيخ _ رحمه الله _ من خيرة البقية الباقية من علماء دعوة التوحيد والدين وقورا مهيبا أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان على سمت علماء السلف الصالح وهديهم بعيدا عن مفاتن الحياة والتهالك على الدنيا, مثابرا على أعمال البر والخير وواجبات العلم والدين وقائما بكل ما وكل إليه من أمور المسلمين على الطريقة السوية والوجه الأكمل إلي أن توفاه الله في يوم السبت سابع رجب الساعة الثانية ليلا سنة 1378هـ عن واحد وتسعين عاما أمضاها في نشر العلم وبث الدعوة وخدمة الإسلام ونصرة الدين، وقد وجم الناس لموته _ رحمه الله _ وحزنوا عليه حزنا شديدا وصلوا عليه بالمسجد الحرام وحضر الصلاة عليه سعود بن عبد العزيز وشيعه إلي المقبرة وخرج الناس والأعيان والرؤساء معه، فدفن بمقابر العدل بمكة المكرمة.
وقد رثاه _ رحمه الله _ العلماء ورجال الفضل والأدباء نثرا ونظما وذلك على صفحات الصحف المحلية وحسبنا أن نشير في هذه الترجمة الموجزة إلى بعض من رثاه وهم أخوه العلامة الشيخ عمر بن حسن وابنه معالي الشيخ حسن والشيخ صالح جمال والشيخ عبد الله خياط أحد أئمة الحرم وخطبائه والأستاذ أحمد عبد الغفور عطار والشيخ عبد الله البسام قاضي المستعجلة الثالثة بمكة المكرمة1 والأستاذ مصطفى حسين عطار مدير التعليم بمكة المكرمة والشيح محمد عبد الرحيم قاضي مستعجلة المدينة والشيخ علي بن محمد الهندي والشيخ سعيد بن عبد العزيز بن جندول ومحرر هذه الترجمة عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ وعبد العزيز عبد الرحمن آل الشيخ والشيخ عمر عبد الجبار2 هؤلاء المذكورون رثوه نثرا وقد رثاه شعرا أديب الحجاز وشاعرها الكبير الشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي نائب رئيس مجلس الشورى بمكة المكرمة والشيخ محمد بن عبد العزيز بن هليل المستشار الشرعي لديوان المظالم والشيخ عبد الله بن محمد بن خميس الكاتب الشهير والأستاذ محمد بن مقحم _ رحمه الله _ لأنه توفي بعد ذلك ورثاه غير من أوردنا أسماءهم خلق كثير وحسبنا أن نذكر في هذه الترجمة المقتضبة مرثية ابنه معالي الشيخ حسن ونعقبها بذكر مرثية الشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي:
كلمة الشيخ حسن عن والده:
هم يريدون مني أن أتحدث عن والدي والحيرة والتردد يسيطران على مشاعري وأحس إحساسا غريبا لا أستطيع تصويره، يتملك جوانحي وكيف أتحدث عنه والفجيعة بفقده أخرست الألسن وهول رحيله أدمي القلوب؟
نعم، كيف أستطيع الحديث عنه وأنا لم أجد في موته أبلغ من الصمت الحزين عليه؟ إنها مهمة صعبة وقاسية تلك التي أحاول أن أدفع بنفسي أو يحاول من أحب أن يدفع بي إليها.
وأنا وبياني العاجز وقلمي المتعثر مجموعة لا أظن أنها مستطيعة أن تبلغ شأوا ولو كان قصيرا في هذا الميدان ولكني أجدها مناسبة كريمة أن أفتتح هذه الرسالة التي جمعت مشاعر الوفاء والنبل مما شاء إخوة كرام أن يشاركونا به في مصابنا الجلل ولهم شكرنا ومن الله الأجر والمثوبة.
وأنا _ حينما أحاول أن أقدم هذه الرسالة _ أجد الجرح الذي أوجده فراقه الأليم _ على غوره لم يندمل وأحس الحزن على مصابنا فيه _ على عمقه _ لم يتوار ولكن لا نقول إلا كما قال الصابرون "أنا الله وأنا إليه راجعون" واعتقد أن من الصعوبة بمكان أن أتحدث عن شخصية والدي _ رحمه الله _ لأنها شخصية متعددة الجوانب ولكن لا أجد ضيرا إذا استعرضت ما يحضرني من صفاته وأقواله إن كنت لست بمستطيع في هذه العجلة أن أكتب كما أريد.
كان _ يرحمه الله _ حريصا كل الحرص على تعاليم دينه، وعلى فضائل الأخلاق وكان صارما في الخير وقويا في التوجيه يتعهدنا بالنصائح الجامعة والمواعظ البالعة ويقول: "إياكم والدنيا والحرص عليها فقليلها يكفي المرء كساء وقوتا ولا تطلبوها بإضعاف دينكم" كان يغضب لو أقيمت الصلاة ثم وجد أحد أفراد حاشيته يؤدي بعض الفوائت ويقول "أن من يتهاون في ركعة قد يؤول به الحال إلي فقدان الاهتمام بأدائها جماعة في أول وقتها إذا حان وقت الأذان" كانت الصلاة شغله الشاغل حتى تؤديها غفر الله له ورضي عنه.
كان حريصا على اتباع السنة كل قول وفعل يكره أشد ما يكره التساهل في مندوب أو مستحب ويقول: احرصوا عليهما لأنهما سياج يحمي الواجب الذي يتحتم القيام به. يحب في الله ويبعض فيه لم يكن حبه ولا بغضه لدنيا أو جاه أو شرف. كثير العطف على الفقراء والمساكين يؤنسهم بحديثه ويقبل عليهم بوجهه حتى أن أحدهم يقبل عليه وهو يرتجف هيبة ووقارا ثم يتحدث إليه برفق وبساطة حتى يعيد إليه هدوءه وانسه متواضع لا يعرف الكبر ولا العجب سبيلا إلي نفسه وقلبه، بكره التفريط في الوقت وأضاعته، كنت لا أراه إلا ممسكا بكتاب يقرؤه قراءة الباحث المنقب.
ولما ضعف بصره استبدل بقراءته قارئا يصحبه أينما كان وكثيرا ما تشرفت بالقراءة عليه كان لا يدع القراءة إلا ليعود إليها وبين المغرب والعشاء تكون داره أشبه بندوة علمية يحضرها طلبة العلم وكلهم ممسك بكتابه وأحدهم يقرأ حتى يرتفع صوت المؤذن يدعو لصلاة العشاء "عليكم بالدأب على قراءة النافع من الكتب فهي أفضل ما أنفقتم أوقاتكم فيه" كان حريصا على صلة الرحم وكم تحمل في سبيل ذلك من الأذى وكان يلقى الجحود والنكران وكنا نشفق عليه من سماع ما يوجه إليه ولكنه يخلف ظنوننا ويتلقى كل ذلك بهدوء المؤمن الصابر ويقول "هذا لا يضرني" وإذا بلغ به ما سمعه كان يقول: هداهم الله ولقد سمعته ومعي غيري يقول: من نعمة الله علي أنني لم أحدث نفسي يوما بالانتقام لها وقد عودني ربي أن يدافع عني وكان مرافقوه شديدي الدهشة على هذه المواقف الكريمة التي كان يقفها ممن يريد الإساءة إليه إذ كان يقابل إساءتهم بالصفح والتجاوز فعاش سليم الصدر لم يبت ليلة حاقدا على أحد ولم ير غاضبا لنفسه بل لم يكن يغضب إلا إذا تناهى إلي مسامعه انتهاك حرمات الله أو مجاهرة بمنكر أو الإقدام على معصية انه حينذاك يثور ولا يهدأ حتى ينتصر لحدود الله مهما كان معتديها. فعلمنا دروسا كريمة نبيلة قال لي يوما _ ويده اليمني يتخلل بأصابعها لحيته البيضاء _ طيب الله ثراه _ قال: اسمع يا بني لا تحاول يوما أن تنتصر لنفسك فإنك أن كنت على حق فسيدافع الله عنك وأن لم تكن عليه فليكن حديثهم عنك دافعا لك إلي العودة إلي الحق الذي لا أرتضي لك مجاوزته وقال لي يوما: أوصيك بصلة وحمك فصلتها خير لك في دنياك وأخرتك. وكثيرا ما استشهد بالأحاديث النبوية  التي تحث على صلة الرحم ويردد قول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه "ليس الواصل بالمكافي" لقد أوذي في حياته ممن هم دونه ولكنه صمد صابرا صافحا مسامحا وعاش حياته كذلك، ثم خرج منها سليم الصدر رفيع المكانة لم يستطع إنسان أن ينال من مكانته وقدره محبوبا مرهوب الجانب لأنه كان صادقا فيما يقول ويفعل. فأجمع الناس _ بحمد الله _ على محبته.
وكان ر يزداد كل يوم إلا عزة ورفعة وكان كثيرا ما يردد: أخشى أن يكون ما أنا فيه استدراج من الله لي فأنا كل يوم في نعمة جديدة. ثم تختلج الكلمات بين شفتيه وهو يكاد يبكي كانت مجالسه عامرة بذكر الله والحث على التواصي بالخير والزهد في الدنيا والتقليل من شأنها والتحسر على ما وصلت إليه حالة المسلمين اليوم من فقدان الموالاة في الله المعاداة فيه. وكان يروي وقائع في هذا المجال تكاد تكون مستحيلة الوقوع لبعد حاضرنا عنها. كان يعلمنا الإخلاص في العمل ويقول: أخلصوا في أداء ما أنيط بكم من أعمال تفوزوا برضاء الله تعالى وحسن توفيقه إنكم مسؤولون عن أعمالكم فراقبوا الله في أدائها على النحو الذي يرضيه أن ما يعطى لكم من هذا المال كمرتب لقاء أعمالكم لا تستحلوه حتى تقوموا بها كاملة ترضي الله.
واشتد به مرضه وكان يتنقل على الكرسي ذي العجلات الأربع ويقول: لماذا لا أذهب لعملي؟ والأطباء يؤكدون ضرورة راحته وعرض ما يراد عرضه عليه في فراشه وهو يقول: هذا مستحيل لا بد من القيام بعملي وكيف يحل لي تركه وأنا أستطيعه؟ وكانت تقوم محاولات عنيفة تنتهي غالبا بهزيمتنا ونصائح الأطباء أمام عزيمته القوية وينقل إلي مقر عمله وهو يحمل آثار المرض رضي الله عنه وأرضاه.
وكان يحمل على الدنيا ويقلل من شأنها وتحذر من الاغترار بها وينحي باللائمة على من يكنزون أموالهم ويقول: لا تنفعهم فهي وبال عليهم في الدنيا والآخرة. وقال لأكثر من واحد من جلسائه: انه يتضايق إذا علم بوجود نقود تفيض عن حاجته لديه يرحمه الله.. كان نادر المثيل وكانت فجيعتنا بفقده أكبر من الوصف وأجل من التصوير ولئن رزئنا بفقده فإن أهدافه الكريمة وخلائقه الفاضلة ستظل بإذن الله هدفنا ورائدنا.
ولقد مات راضي النفس قرير العين يلهج بذكر الله وينادي وهو في أشد حالات المرض من حوله ويقول: هل صلينا؟. . إذا حضرت الصلاة فأعلموني. ...
كانت هذه كلماته حتى قبيل موته بساعات ولست أزكيه على ربه ولكن أستعرض ما أشرت إليه ليوقظ في نفوسنا الشعور بالعلاقة المتينة التي تربط المسلم بربه والتي يجب أن تظل قوية الأصل متينة الجذور. . رحمه الله رحمة واسعة وأسبغ عليه شآبيب رحمته ورضوانه وجزاه عنا جميعا خير جزاء وأفضله وشمل تقصيره وقصور عمله بعفوه الشامل ورحمته الواسعة ولا حرمنا أجره ولا فتنا بعده ... انه جواد كريم.
وقال الشيخ أحمد إبراهيم الغزاوي يرثي سماحة المترجم له الشيخ عبد الله بن حسن هذه القصيدة المؤثرة البليغة:
ما للعيون بمائها تتحجر ... وقلوبنا بالحزن فيه تفجر
خبر من الرحمن يفجع نعيه ... كانت به التقوى تعز وتفخر
لله عمر في آل الشيخ من أعلامهم ... وجميعهم به التقوى تعز وتفجر
من آل الشيخ من أعلامهم ... وجميعهم بالباقيات مؤزر
لله عمر في الجهاد قضيته ... يزهو به التوحيد وهو يكبر
كافحت فيه عن الشريعة مؤمنا ... وأمرت بالمعروف حيث المنكر
وجعلت دأبك دعوة الصدق التي ... لا يمتري فيها ولا هي تكفر
خلق كأنفاس الربيع مدرع ... بالعلم وهو عن الرسالة يصدر
ما كنت إلا كوكبا متوقدا ... وبك الجوامع كلها تتنور
قبل الآذان إلي الصلاة مبادرا ... والليل داج والرياح تزمجر
في خشية لله دون جمالها ... ما ضمت الدنيا وما هي تؤثر
والحق أنك في خشوعك آية ... ويقينك الحصن الذي لا يقهر
تسعى إلي الصلوات في أوقاتها ... دلجا وتنذر بالهدى وتبشر
بلقاء بيت الله بين حطيمه ... عند المقام مكانك المتخير
كم كنت تدعو للمهيمن هاديا ... ومذكرا وكم انتضاك المنبر
وكم اقتدى بك عالم ومعلم ... ومهلل ومحلق ومقصر
وكم الحجيج أفاض من عرفاته ... حججا وأنت خطيبه المتوقر
هيهات يجحد فضلك القمر الذي ... يشدو به شتى البلاد وتجهر
ما كنت إلا من مصابيح الهدى ... ولك المواقف والعوارف تشهر
تفنى العصور وأنت فيها خالد ... بالصالحات وبالمحامد تذكر
مهما استفاض الشعر فيك مراثيا ... فهو المقصر والمقارب يؤجر
ورجاؤنا في الله أنك عنده ... ممن رضوا عنه وفيه استبشروا
والموت حق والحياة مراحل ... وبنوك دين الله فيهم ينصر
ولنا العزاء بهم في شملهم ... لك قرة وبنورهم نتبصر
يا حافظا لله وهو مودع ... ومطيعة والكائنات تفطر
لك في جنان الخلد ما تجزى به ... ولنا بمن خلفت كنز يبهر
وقد أنجب الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن خمسة أبناء هم الشيخ محمد مدير الشؤون الدينية بالمنطقة الغربية، ومعالي الشيخ عبد العزيز وزير المعارف سابقا وخطيب الحرم المكي حاضرا، ومعالي الشيخ حسن وزير المعارف في هذا العهد المبارك السعيد، وقد عرف معالي الشيخ حسن آل الشيخ بكتاباته الإسلامية ومحاربته البدع ومناصرة الإسلام والدين. وكتاب "دورنا في الكفاح" الذي ألفه معاليه بعض من كفاحه ونضاله الدائب عن الإسلام وحرمات الدين، وقد عرف معالي الشيخ حسن زيادة على هذا بتشجيعه لرجال التأليف والإنتاج من العلماء والأدباء المخلصين لدعوة الإسلام والدين حيثما كانوا حفظ الله معاليه وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة.
وقد خلف الشيخ عبد الله غير هؤلاء الأبناء الثلاثة ابنين هما: إبراهيم وأحمد _ رحم الله _ الشيخ عبد الله وأسكنه فسيح جنته ورضي وأرضاه والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله وسلم.
نشر :