الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن
هو العلامة الأوحد الكبير علامة العقول ولمنقول حاوي علمي الفروع والأصول كما وصفه بهذا علامة العراق محمود شكري الألوسي: الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
ولد هذا العالم المصلح الجليل سنة 1225 ألف ومائتين وخمس وعشرين من الهجرة في مدينة الدرعية موطن دعوة التوحيد ومهد علمائها في ذلك الحين، فنشأ أول ما نشأ بها وقرأ القرآن في صغره ثم أصاب الدرعية ما أصابها من الخراب والتدمير على يد إبراهيم بن محمد علي باشا فنقل الشيخ عبد اللطيف وعمره ثمان سنوات إلي مصر في معية والده الشيخ عبد الرحمن بن حسن وذلك آخر سنة ألف ومائتين وثلاثين من الهجرة فنشأ بها وتزوج فيها وأقام بها إحدى وثلاثين سنة. درس العلم فيها على علماء نجديين ومصريين فمن النجديين والده الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابن عمه وخاله الشيخ عبد الرحمن1 ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ومن المصريين الشيخ العلامة محمد بن محمود بن محمد الجزائري الحنفي والشيخ إبراهيم الباجوري شيخ الجامع الأزهر في زمنه والشيخ مصطفى الأزهري والشيخ أحمد الصعيدي وغيرهم من علماء مصر الأعلام.
وبقي بمصر كما ذكرنا مدة سنين ينهل فيها من العلوم ويتزود من المعارف والفنون حتى بلغ رتبة الإمام في العلم والفضل، فحينئذ خرج إلي نجد وذلك سنة ألف ومائتين وأربع وستين من الهجرة وقدم بلدة الرياض على الإمام فيصل بن الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود وعلى والده الشيخ عبد الرحمن بن حسن وكان والده ظهر قبله من مصر إلي نجد بثلاث وعشرين سنة أي سنة 1241 هـ.
ولما استقر الشيخ عبد اللطيف في مدينة الرياض بضعة أشهر وجلس لطلاب العلم فيها عرف الإمام فيصل ووالده الشيخ عبد الرحمن بن حسن غزارة علمه وسعة إطلاعه وقوة عارضته وقدرته على المناظرة فبعثاه إلي الأحساء لتقرير عقيدة السلف ونشر دعوة التوحيد ومناظرة علمائها في أصول الدين والعقائد لأن الغالب عليهم في ذلك الوقت مذهب الأشاعرة فقدم الشيخ عبد اللطيف الأحساء سنة ألف ومائتين وأربع وستين من الهجرة وأقام بها سنتين يوضح طريقة السلف وينشر دعوة التوحيد ويناظر بعض علماء الأحساء الذين كانوا علي مذهب أبي الحسن الأشعري القديم وطريقته في التأويل والتعطيل فظهر عليهم بالأدلة وقهرهم بالحجة فأذعنوا له وسلموا فأزال رحمه الله ما تبقى في نفوسهم من رواسب الشبه والتأويل وقرر لهم طريقة أهل السنة والجماعة وما كانوا عليه في باب أسماء الله وصفاته ونعوت جلاله وأخبرهم أن إمامهم أبا الحسن الأشعري هجر مذهب التأويل ورجع إلي ما كان عليه أهل السنة والجماعة كما قرر ذلك وأوضحه في المقالات والإبانة وغيرهما من كتبه فاقتنع علماء الأحساء بذلك وأخذوا على أنفسهم التزام طريق السلف وسلوك مذهب أهل السنة والجماعة.
فعند ذلك رجع الشيخ (1) عبد اللطيف إلي الرياض وتساعد هو ووالده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بمناصرة الإمام فيصل ابن الإمام تركي ومؤازرته لهما على نشر العلم وبثه وإحياء معالم الدعوة وتجديد ما اندثر منها فملآ نجدا في زمانهما علما وأعادا إلي الدعوة السلفية قوتها ونشاطها بعدما أصيبت بالوقوف ومنيت بالركود أيام الفتن والاضطرابات التي توالت على نجد ذلك الحين.
وكان رحمه الله إلي جانب ما اتصف به من العلم والفضل قوي الشخصية صادق اللهجة مخلصا لدينه ووطنه، وكان أمارا بالمعروف نهاءاً عن المنكر غيورا على حرمات الإسلام والدين وكان مع هذا عالما ربانيا وزعيما دينيا مهابا محترما عند ولاة الأمور ومن دونهم الخاصة والعامة، كافح عن الإسلام وناضل عن الذين وكرس جهده وأوقف حياته على نشر العلم وبث الدعوة والدفاع عنها في حياة والده. وبعد وفاته _ رحمه الله _ وقد أخذ عنه العلم خلائق من أهل نجد لا يحصون نذكر من فضلائهم في هذه الترجمة الموجزة من يأتي:
تلامذته:
1- علامة نجد في زمنه ابنه الشيخ عبد الله ابن الشيح عبد الليف.
2- وأخاه الشيخ إسحاق ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
3- الفقيه الشيخ حسن بن حسين بن على ابن الشيخ حسين آل الشيخ.
4- الشيخ العلامة حمد بن فارس أخذ عنه علم النحو حتى مهر فيه، وصار أنحى علماء نجد في زمنه.
5- العلامة المؤلف الشهير الشيخ سليمان بن سحمان.
6- العلامة الفقيه محمد بن إبراهيم بن محمود.
7- الشيخ صعب بن عبد الله التو يجري.
8- الشيخ عبد الرحمن بن مانع.
9- الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم.
10- الشيخ محمد بن عمر بن سليم.
11- الشيخ عبد الله بن نصير العنزي.
12-الشيخ إبراهيم بن عبد الملك آل الشيخ.
13- الشيخ عبد الله بن مفدى.
14- الشيخ علي بن عيسى من أهل شقراء.
15- الشيخ المحقق أحمد بن إبراهيم بن عيسى.
16- الشيخ عثمان بن عيسى.
17- الشيخ محمد بن إبراهيم بن سيف.
18- الشيخ عمر بن يوسف.
19-صالح بن قرناس من أهل الرس.
20-الشيخ صالح الشثري من أهل حوطة بني تميم.
21 - الشيخ عبد العزيز بن عبد الجبار من أهل سدير من وهبة تميم.
22 - الشيخ عبد العزيز الصيرامي من أهل الخرج.
23- الشيخ عبد العزيز بن شلوان.
24 -الشيخ أحمد الرجباني.
25-الشيخ عبد الله بن محمد الخرجي.
26- الشيخ عبد الله بن الوهيبي نزيل الأحساء.
27- الشيخ علي بن سليم.
28- الشيخ عبد الله بن جريس.
29-الشيخ عبد الله بن محمد الخرجي.
واخذ عنه خلق غير هؤلاء كثير لا نطيل بذكرهم.
مؤلفاته:
ألف رحمه الله مؤلفات كثيرة نذكر منها ما يأتي:
1- تأسيس التقديس في الرد على داود بن جرجيس "ط"
2- مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام رد به على عثمان عبد بن عبد العزيز بن منصور في "كتابه الذي سماه كشف الغمة".
3- البراهين الإسلامية في الرد على الشبهات الفارسية "خ".
4-تحفة الطالب والجليس في الرد على ابن (3) جرجيس "ط"
5- الإتحاف في الرد على الصحاف (4) "خ" وشرع رحمه الله في شرح نونية الإمام ابن القيم ومهد لذلك بكتابة مقدمة طويلة مشتملة على علم جم ومعان عظيمة ولكن المنية وافته قبل إنجاز المشروع.
6- وله رسائل كثيرة (5) كتبها في أغراض متعددة واجتماعية وسياسية لو جمعت على حدة لبلغت مجلدا ضخما ولكنها طبعت مفرقة في مجاميع الرسائل والمسائل النجدية، نورد منها هذه الرسالة أنموذجا لما تتصف به رسائله من الرصانة والبلاغة.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلي الشيخ عثمان بن منصور أنقذه الله من
طوارق الفتن والشرور ورفع همته عن سفاسف الأمور سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله هو على ما ألبسنا من ملابس فضله التي لا تخلعها الأنداد وأستزيده من بره الذي ليس له انقضاء ولا نفاد.
أما بعد فقد وصل إلينا منك خطان1 فأولها صادف حين الاشتغال بلقاء الأحبة والآل، وأما الثاني فبعد أن ألقيت عصا الترحال وارتاح من ألم شوقه القلب والبال فبمجرد الوقوف على خطك ومطالعة نقشك ووشيك بحثت عن الوجه الذي تدلي به علينا وعن حقيقة المعنى الذي تشير وما هو اللائق في إجابة أمثالك وهل يحسن بنا النسج على منوالك أو نقتصر على موجب {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} إذ ليس وراءها مزية شرعية لأكون على بصيرة من أمري معرفة للحقائق قبل اقتداح زندي: فأخبرني الثقة بالجرح والتعديل الخبر بما قد شاع عنك من القيل أن صاحب الخط ينتمي إلي ممارسة العلوم المنقول منها والمفهوم غير أنه قد نسب عنه هفوات إن صحت فهي من عظائم المعضلات ولم نقف لها على تصحيح يعتمد ولم نلتفت إلي البحث في متنها والسند اكتفاء بإعراضه عن الابتهاج بهذه الدعوة وهذا الأصل والمذاكرة واستغناء بعدم التفاته إلي المؤاخاة في الله المؤازرة بل كل الناس لديه إخوان والضدان عنده يجتمعان يصاحب عابدي الأوثان ما يصاحب أولياء الرحمن ويأنس بالمنقلب على عقبه كما يأنس بالثابت على الإيمان مع أنه قد شرح2 التوحيد وادعي الإتيان بكل
معنى موجز سديد:
يوما بحزوي ويوما بالعقيق وبال ... عذيب ويوما بالخليصاء
وتارة تنتحي نجدا وآونة ... شعب الغوير وطورا قصر إثيماء
فهو وان ينتسب إلي الحق فقد والى من خرج عنه وعق فقلت إيه له من رجل لو استقام وصارم لولا ما عراه من الانثلام لكني أعلم أن للعلم بركات وللملك لمات فأرجو أن يقوده العلم إلي ثمراته وأن يحول بينه وبين الشيطان وخطواته {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن كما رواه المحدثون والأعيان فلعل ميت رجائنا يحييه من يحيي عظام الميت وهي رميم، ولهذا أشرت إلي الشيخ الوالد1 اعز الله قدره ورفع بوراثة النبيين مجده وفخره بأن يرد لك الجواب ويعلمك بالخطب أتي من أي باب طمعا لك في الأوبة والفلاح وحرصا على سلوك الهداية والصلاح لئلا تتوهم غير ذلك من الأسباب التي تنقل عنك بالاستطالة في الأعراض والاغتياب إذ هي لا يلتفت إليها المؤمن العاقل ولا يأخذ بها إلا غر مماحل وهي باقية ليوم ترجعون فيه إلي الله ويجزى كل قائل بما زوره وافتراه ولعل الله أن يمن برجوعك إلي الحق بعد الشرود وأن يقضي بصحبتك على توحيد ربنا المعبود، فأني أسر بذلك وأتأسف على تنكب أمثالك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وصلي الله على محمد.
وكان إلي جانب ما يتصف به من بلاغة الأسلوب في رسائله وجزالة اللفظ فقيها أصوليا ويقرض الشعر، له قصيدة طويلة تبلغ أبياتها ثلاثة وتسعين بيتا رد بها على قصيدة البولاقي المصري التي عارض فيها منظومة الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني في مديحه لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وخلط فيها زيادة على ذلك بين البدع في العبادات والبدع في العادات فتصدى له الشيخ عبد اللطيف ورد عليه بهذه القصيدة التي أشرنا إلي عدد أبياتها وهذا مطلعها:
تبسم وجه النصر في طالع السعد ... وأشرق نور الحق في كوكب الرشد
وأيد نظم للأمير محمد ... فأدبر نحس للطوالع بالسعد
وولى على الأعقاب أفجر عائب ... يرى نفسه جهلا أشد من الأسد
جهول ببولاق المعرة جهله ... صريح ينادي بالتهافت في العقد
إلى آخرها وهي طويلة تبلغ أبياتها كما ذكرنا ثلاثة وتسعين بيتا.
ورد على قصيدة عثمان بن منصور الناصري التي هجا فيها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأحفاده وامتدح فيها طاغية العراق وداعية الكفر والضلال داود بن سليمان بن جرجيس البغدادي فرد عليه الشيخ بهذه القصيدة التالية:
على وجهها الموسوم بالشؤم والغدر ... شمائل زيغ لا تزال مدى الدهر
لئن سودتها كف باغ وغادر ... فأقلامنا بالرد أنهارها تجري
رسالة مختال تجر ذيولها ... إلى مهمه قفر من العلم والذكر
هدية عثمان إلى شر صاحب ... إلى الجسر من بغداد بالود واليسر
مؤيدة حزب الضلال وشيعة ... إلي درك النيران أعمالها تسري
بها من صريح الإفك أخبث مورد ... وإن ظنها الجهال من خالص التبر
رأيت بها ما يستباح بمثله ... على ناظم سل المهند والسمر
فتعسا لها منظومة ما أضلها ... وأبعدها عن منهج الرشد والبر
أيوصف بالسادات يا عابد الهوى ... دعاة إلي باب الجحيم وما تدري
وقد عاش رحمه الله بعد وفاة الإمام فيصل حقبة مقدارها إحدى عشرة سنة كانت مملوءة بالحروب والفتن بسبب النزاع الخلاف القائم بين أميرين من أمراء آل سعود هما الإمام عبد الله بن فيصل وأخوه الأمير سعود بن فيصل، وقد وقف الشيخ رحمه الله في هذه الحروب والفتن العمياء التي عصفت بنجد في ذلك الزمن موافق خالدة، تشهد له بالزعامة والإخلاص والنصح لله ولرسوله وعباده المؤمنين وتشهد له أيضا بالوطنية الصادقة والغيرة المتناهية على حرمات الإسلام والمسلمين والوقوف دون استباحة أموالهم وانتهاك أعراضهم في تلك الحروب التي اندلعت نيرانها بين ذينك الأميرين المذكورين ومواقفه هذه تمضمنتها رسائله السياسية التي طبعت مع غالب رسائله بمطابع المنار بمصر ومطبعة أم القرى بمكة ضمن الرسائل النجدية فمن أراد الوقوف عليها فلير أجعها في محلها من الرسائل والمسائل النجدية.
وحسبنا أن نورد منها هذه الرسالة وهي الرسالة الحادية عشرة من رسائله الواقعة في صحيفة 69 من الجزء الثاني من الرسائل والمسائل النجدية التي طبعت بمطابع المنار بمصر وهي تعطينا صورة واضحة عن بعض مواقفه في تلك الحروب والفتن قال رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلي الأخوين المكرمين زيد بن محمد وصالح بن محمد الشثري سلمهما الله تعالى.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فأحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو على نعمه والخط وصل أوصلكما الله إلي ما يرضيه وما ذكرتماه كان معلوما وموجب تحريره ما بلغني عنكما بعد قدوم عبد الله وغزوه من أهل الفرع وما جرى لديكم من الخوض في أمرنا والمراء الغيبة وأن كان قد بلغني أولا كثير من ذلك ولكن بلغني مع ما ذكر تفاصيل ما ظننتها.
فأما ما صدر في حقي من الغيبة والقدح والاعتراض والمسبة نسبتي إلي الهوى والهوى والعصبية فتلك أعراض انتهكت في ذات الله أعدها لديه جل وعلا ليوم فقري وفاقتي وليس الكلام فيها وإنما القصد بيان ما أشكل على الخواص والمنتسبين من طريقتي في هذه الفتنة لعمياء الصماء فأول ذلك مفارقة سعود لجماعة المسلمين من خروجه على أخيه وقد صدر منا الرد عليه وتسفيه رأيه ونصيحة ولد5 عايض وأمثاله من الرؤساء عن متابعة والإصغاء إليه وصرته وذكرناه ما ورد من الآيات القرآنية ولآثار النبوية بتحريم ما فعل والتغليظ على من نصره ولم نزل على ذلك إلي أن حصلت وقعة جودة فثل عرش الولاية وانتثر نظامها وحبس محمد بن فيصل وخرج الإمام عبد الله شاردا وفارقه أقاربه وأنصاره وعند وداعه أوصيته بالاعتصام الله وطلب النصر منه وحده وعدم الركون إلي الدولة الخاسرة1 ثم قدم علينا سعود بمن معه من العجمان والدواسر وأهل الفرع وأهل الحريق وأهل الأفلاج وأهل الوادي2 ونحن في قلة وضعف وليس في بلدنا من يبلغ الأربعين مقاتلا وخرجت إليه وبدلت جهدي ودافعت عن المسلمين ما استطعت خشية استباحته البلدية، ومعه من الأشرار وفجار القرى من يحثه على ذلك ويتفوه بتكفير بعض رؤساء بلدتنا وبعض الأعراب يطلقه بانتسابهم إلي عبد الله ابن فيصل.
فوقى الله شرإ تلك الفتنة ولطف بنا ودخلها بعد صلح وعقد وما جرى من المظالم والنكث شيء دون ما كنا نتوقعه، وليس الكلام بصدده وإنما الكلام في بيان ما نراه ونعتقده وصارت له ولاية بالغلبة والقهر تنفذ بها أحكامه وتجب طاعته في المعروف كما عليه كافة أهل العلم على تقادم الإعصار ومر الدهور وما قيل من تكفيره لم يثبت لدي فسرت على آثار أهل العلم واقتديت بهم في الطاعة في المعروف وترك الفتنة وما توجب من الفساد على الدين والدنيا والله يعلم أني بار راشد في ذلك ومن أشكل عليه شيء من ذلك فليراجع كتب الإجماع كمصنف ابن حزم ومصنف ابن هبيرة وما ذكره الحنابلة وغيرهم وما ظننت أن هذا يخفي على من له أدني تحصيل وممارسة وقد قيل: سلطان ظلوم خير من فتية تدوم.
أبناءه هم:
أحمد والشيخ العلامة عبد الله، وعبد العزيز، والشيخ إبراهيم، والشيخ محمد، والشيخ عمر، وصالح، والشيخ عبد الرحمن.
فأما أحمد فإنه ولد بمصر ولما أراد والده الشيخ عبد اللطيف الخروج من مصر إلي نجد سنة 1264 هـ أبي أحمد الخروج معه وبقي بمصر إلي أن توفي بها ولا يعرف له ذرية بها، وقد أورد اسمه مختصر تاريخ عثمان بن سند النجدي البصري تاريخ مطالع السعود.
وأما السبعة الباقون فإنهم ولدوا للشيخ عبد اللطيف بمدينة الرياض ونشأوا بها وتعلموا العلم بها وتوفوا بها _ رحمه الله _، وقد خلف كل واحد من هؤلاء الأبناء السبعة المذكورين ذرية كثيرة موجودين بمدينة الرياض يعرفون عند انفرادهم بآل عبد اللطيف نسبة إلي جدهم المترجم الشيخ عبد اللطيف وأشهرهم علامة نجد في حياته الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها قبل وفاته _ رحمه الله _ المترجم الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن، فمثل هذه الترجمة الموجزة لا تفي بجميع مآثره لأن حياته حافلة بجلائل الأعمال ومتعددة النواحي والجوانب تحتاج إلي مؤلف ضخم قائم بنفسه يتحدث عنها بتبسيط وإسهاب.
غفر الله له وأسكنه فسيح جنته وبارك في خلفه وأحفاده انه سميع مجيب، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
__________
1 الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد عبد الوهاب خال الشيخ عبد اللطيف المذكور أعلاه ترجم له الشيخ عبد الرزاق البيطار الدمشقي في كتابه حلية البشر في رجال القرن الثالث عشر ج 2 ص 839 طبعة دمشق المجمع العلمي قائلا بالحرف الواحد ما نصه: "الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الوهاب الحنبلي النجدي العالم المشهور والهمام الذي فضله مأثور ولد في بلاد نجد ثم إن محمد علي باشا وزير مصر لما أمره المرحوم السلطان محمود بمقاتلة الوهابيين أرسل ولده إبراهيم باشا ومعه معسكر عظيم من الأكراد والأرناؤوط وعرب مصر الهوارة لمحاربة عبد الله بن سعود أمير نجد فقاتلهم وقتل ونهب وحرق وخرب، وأسر عبد الله بن سعود وأرسله إلي مصر إلي السلطان محمود فصلبه، وأما ... باقي بيت الشيخ محمد بن عبد الوهاب المعبر عنهم ببيت الشيخ فانه نقلهم إلي مصر وأسكنهم هناك ورتب لهم معاشات تكفيهم وكان من جملتهم المترجم المرقوم فالتفت إلي الطلب والتعليم والاستفادة والإفادة إلي أن صار في الأزهر شيخ رواق الحنابلة وكان ظاهر التقوى والصلاح والزهادة والعبادة، ولم يزل على حالته المرضية وطاعته وعبادته وإفادته السنة إلي أن اخترمته المنية سنة أربع وسبعين ومائتين وألف "رحمه الله تعالى" انتهى. ما ذكره الشيخ عبد الرزاق البيطار وفيه خطآن الأول حذفه اسم والد المترجم الشيخ عبد الله فانه كما ذكرنا الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. والخطأ الثاني ترحمه على السلطان محمود فما كان يستحق ذلك وليس هذا محل إبراز معائب السلطان محمود والعثمانيين الذين تسلطوا على أهل هذه الدعوة السلفية بغيا وعدوانا والحمد لله أن هذه الدعوة السلفية عادت أعظم مما كانت وان أعداءها بادوا لا تحس منهم أحدا ولا تسمع لهم ركزا أيد الله ولاة هذه الدعوة من ملوك آل سعود وجعلهم أنصارا لدينه انه سميع مجيب" تقدمت ترجمة الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد الله في أول هذا الكتاب".
2 كان الشيخ عبد اللطيف يصحب فيصل في بعض غزواته التي يقوم بها لتأديب العصاة المتمردين ويصطحب معه نحو الاثنين أو الثلاثة من تلامذته يقرأون عليه بحضرة الإمام فيصل في التوحيد وأصول الدين ويتولى الشيخ التعليق على القراءة وشرحها قال المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر في معرض حديثه عن إحدى غزوات الإمام فيصل "ثم رحل ونزل المجمعة فركبت للسلام عليه فكان وصولي إلي مخيمة بعد صلاة العصر وإذا بالمسلمين مجتمعون في الصيوان الكبير للدرس فجلس الإمام فيه والمسلمون يمينه وشماله ومن خلفه وبين يديه وجلس الشيخ عبد اللطيف إلي جنبه فأمر القارئ بالقراءة عليه فقرأ في كتاب التوحيد تأليف الشيخ محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه وصدر الباب بقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} إلي آخر الآية ثم ذكر حديث النواس بن سمعان فتكلم الشيخ بكلام جزل وقول صائب عدل بأوضح إشارة وأحسن عبارة فتعجبت من فصاحته وتحقيقه كأن بين يديه كتاب التفسير كالقرطبي أو ابن جرير أو أبي حيان أو ابن كثير الخ.
3 طبع كتاب تحفة الطالب والجليس على نفقة الشيخ علي بن عبد الله بن ثاني بعنوان دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ الذي سماه بهذا العنوان الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع رحمه الله.
4 رد به على عبد اللطيف بن عبد المحسن الصحاف.
5 تبلغ نحو أربعمائة صفحة وهي منثورة ومبعثرة في مجاميع الرسائل والمسائل النجدية وفي الدرر السنية في الأجوبة النجدية وحبذا لو تصدى لها أحد أحفاده وجمعها ورتبها وطبعها على حدة ولا أقدر على هذا العمل العظيم من حفيده الشيخ عبد الملك بن إبراهيم ابن العلامة المترجم الشيخ عبد اللطيف.
نشر :