الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

الشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله
هو العالم النحرير، والعلامة الذكي الشهير، الفقيه المحدث الأصولي، الشيخ سليمان ابن الشيخ العلامة عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ولد هذا العالم المتبحر الفقيه سنة ألف ومائتين من الهجرة في بلدة الدرعية، وكانت الدرعية ذلك اليوم في أيام سعدها، وأوج عزها زاخرة بالعلماء الكبار، والجهابذة الحفاظ، من تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من الوافدين على الدرعية والمقيمين بها من العلماء الإعلام، فنشأ هذا العالم في هذا الوسط العلمي فقرأ القرآن حتى حفظه، ثم أقبل برغبته الشديدة على العلم والطلب، فقرأ على أبيه الشيخ عبد الله، وعلى الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر، وعلى الشيخ عبد الله فاضل من علماء الدرعية، وعلى الشيخ محمد بن علي بن غريب. وأخذ علم الفرائض عن الشيخ عبد الرحمن بن خميس.
وكان _ رحمة الله _ نادرة في العلم والحفظ والذكاء له المعرفة المتناهية بالحديث، ورجاله وحسنه وضعيفة، يسامي في ذلك أكابر المتقدمين من الحفاظ والمحدثين، عالم بالتفسير وفقه والأصول والنحو، حسن الخط، ليس في زمنه من يخط بالقلم مثله بنجد، وقد تصدى للتدريس (1) بالدرعية.

مع وجود والده وأعمامه فأخذ عنه العلم خلق كثير من أهل نجد وغيرهم من الوافدين على الدرعية، في ذلك الحين، ولكن مع الأسف لم يقدر لي الإطلاع على أسمائهم وقد ذكر المؤرخ الشهير عثمان بن عبد الله بن بشر في صحيفة 183 من الجزء الأول من تاريخه عنوان المجد. أن الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد ابن سعود، أرسل المترجم له الشيخ سليمان قاضيا لمكة بالمشاركة مع قضاتها السابقين، الذين أقرهم الإمام سعود بن عبد العزيز على قضاء مكة، بعد ما استولى عليها وذكر ابن بشر: أن الشيخ سليمان أقام مدة يقضي بمكة ثم رجع إلي الدرعية.
وقد ألف _ رحمه الله _ مؤلفات نافعة الجليلة تدل على تضلعه رسوخ قدمه في العلم، منها: "تسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد" لجده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وهذا الشرح من الله بطبعه ونشره بعد ما كان مخطوطا لا يرى إلا نادرا، وألف الشيخ الدلائل في عدم موالاة أهل الإشراك ورسالة في بيان عدد الجمعة، وحيدة في بابها، لم ينسج أحد على منوالها. وحاشية على المقنع في الفقه لموفق الدين محمد بن عبد الله بن قدامة المقدسي تقع في ثلاث مجلدات ضخام، وقد طبعت هذه الحاشية على نفقة صاحب السمو الشيخ علي ابن الشيخ عبد الله قاسم آل ثاني حاكم قطر سابقا. وألف كتابا سماه "التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق " رد به على عبد الله أفندي الراوي خطيب مسجد سليمان باشا، وله غير ذلك رسائل كثيرة طبعت مفرقة في مجا ميع الرسائل والمسائل النجدية التي طبعت بمطبعة المنار بمصر أولا، وثانيا بمطبعة أم القرى.
وكان _ رحمه الله _ مع ما ذكرنا عنه من الفضل والعلم، شديد الغيرة على حرمات الإسلام والدين، أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد أكرمه الله تعالى بالشهادة سنة ألف ومائتين وثلاث وثلاثين من الهجرة، وذلك عندما وشى به بعض المنافقين، إلي إبراهيم بن محمد علي باشا، عندما إ ستولى على مدينة الدرعية سنة ألف ومائتين وثلاث وثلاثين، فأحضره إبراهيم باشا، وتكلم عليه وأنبه تأنيا شديدا، وأحضر آلات اللهو والمنكر(2) بين يديه إغاظة له، ثم أخرجه إلي المقبرة وأمر الجند أن يطلقوا عليه رصاص بنادقهم دفعة واحدة، فأطلقوه عليه فمزق جسمه وفاضت  روحه إلي ربه تشكو الظلم، فنعوذ بالله من هذه الوحشية، والقسوة المجردة عن الإنسانية والرحمة.
ونسأل الله أن يتغمد ذلك الشيخ الصابر المجاهد بالرحمة والغفران، وأن يجعله مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا وصلي الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


__________
1 جلس لطلبة العلم في فنون العلم وكان يجلس بعد صلاة المغرب في قصر الإمام سعود ويدرس درسا عاما في صحيح الإمام البخاري يحضره الإمام سعود ومعه إخوانه وبنو عمه وبنوه وخلق لا يحصون قال الشيخ عثمان بن بشر وهو يتحدث عن سيرة الإمام سعود فإذا كان بعد صلاة الغرب أجتمع الناس الدرس عنده داخل القصر في سطح مسجد الظهر المذكور وجاء إخوانه وبنو عمه وبنوه وخواصه على عادتهم ثم يأتي سعود على عادته فإذا جلس شرع القارئ في صحيح البخاري وكان العالم الجالس للتدريس سليمان بن عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد بن الوهاب فياله من عالم نحرير وحافظ متقن خبير إذا جلس يتكلم عن الأحاديث وطرقها ورواياتها فكأنه لم يعرف غيرها من إتقانه وحفظه.

2 ذكر غير واحد من مؤرخي الخروب الوقائع النجدية المصرية. أن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا أخذ معه في غزوه للحجاز ونجد المغنيات وأخذ معه جميع آلات اللهو من المعازف والمنكرات واستصحب معه بعض الضباط الفرنسيين الماجنين، الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. هذا وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه الذي سماه "المقامات" بالحرف الواحد ما نصه / فأنتهي الأمر إلي الصلح وأعطاهم العهد والميثاق _ يعني بذلك إبراهيم باشا _ على ما في البلد من الرجال والمال. حتى الثمرة التي على النخل. لكن لم يف لهم بما صالحهم عليه لكن الله وفي شره عن أناس في قلبه عليهم حنانه _ أي حنق _ بلغة أهل نجد الدارجة بسبب أناس من أهل نجد. يكتبون فيهم عنده فكف الله يده ويد العسكر وغدروا بسليمات بن عبد الله هو الشيخ المترجم له - وابن كثير عبد الله وآل سو يلم بسبب البغدادي الخبيث. حداه عليهم فاختار الله لهم / انتهى كلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن. ونحن لا ندري من هو هذا البغدادي الذي أثر على إبراهيم باشا هذا التأثير. وأملى عليه هذه الشدة والقسوة المجردة عن الإنسانية والرحمة وليت أن الشيخ عبد الرحمن ذكر اسم هذا البغدادي. ولقبه وعرفه لنا.
نشر :