رسائله التي تبين عقيدته ـ رحمه الله ـ (7)

رسالته إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام


بسم الله الرحمن الرحيم


من محمد بن عبد الوهاب، إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام، نصر الله بهم سيد الأنام، وتابعي الأئمة الأعلام؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جرى علينا من الفتنة ما بلغكم وبلغ غيركم، وسببه: هدم بنيان في أرضنا على قبور الصالحين، فلما كبر هذا على العامة، لظنهم أنه تنقيص للصالحين، ومع هذا نهيناهم عن دعواهم، وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله، فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البنيان على القبور، كبر على العامة جدًا، وعاضدهم بعض من يدعي العلم، لأسباب أخر التي لا تخفى على مثلكم؛ أعظمها: اتباع هوى العوام ١ مع أسباب أخر.

فأشاعوا عنا أنّا نسبّ الصالحين وأنّا على غير جادّة العلماء، ورفعوا الأمر إلى المشرق والمغرب، وذكروا عنا أشياء يستحي العاقل من ذكرها.

وأنا أخبركم بما نحن عليه (خبرًا لا أستطيع أن أكذب)  بسبب أن مثلكم لا يروّج عليه الكذب على أناس متظاهرون  بمذهبهم عند الخاص والعام.

فنحن ولله الحمد متبعين غير مبتدعين ٤، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. وحتى من البهتان الذي أشاع الأعداء: أني أدعي الاجتهاد ولا أتبع الأئمة. فإن بان لكم أن هدم البناء على القبور، والأمر بترك دعوة الصالحين، لما أظهرناه وتعلمون، أعزكم الله، أن المطاع في كثير من البلدان، لو تبين بالعمل بهاتين المسألتين، أنها تكبر على العامة الذين درجوا هم وإياهم على ضد ذلك. فإن كان الأمر كذلك، فهذه كتب الحنابلة عندكم بمكة شرفها الله مثل: «الإقناع» و«غاية المنتهى» و«الإنصاف»، التي عليها اعتماد المتأخرين، وهو عند الحنابلة كـ«التحفة» و«النهاية» عند الشافعية. وهم ذكروا في باب الجنايز هدم البنا على القبورز

واستدلوا عليه بما في صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه: «أن رسول الله ﷺ بعثه بهدم القبور المشرفة وأنه هدمها» ، واستدلوا على وجوب إخلاص الدعوة لله، والنهي عما اشتهر في زمنهم من دعاء الأموات بأدلة كثيرة، وبعضهم يحكي الإجماع على ذلك. فإن كانت المسألة إجماعًا فلا كلام، وإن كانت مسألة اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد؛ فمن عمل بمذهبه في محل ولايته لا ينكر عليه.

وما أشاعوا عنا من التكفير، وأني أفتيت بكفر البوادي الذين ينكرون البعث والجنة والنار، وينكرون ميراث النساء، مع علمهم أن كتاب الله عند الحضر، وأن رسول الله ﷺ بُعث بالذي أنكروا، فلما أفتيت بكفرهم مع أنهم أكثر الناس في أرضنا، استنكر العوام ذلك، وخاصتهم الأعداء ممن يدعي العلم، وقالوا: من قال: «لا إله إلا الله» لا يكفر ولو أنكروا البعث وأنكروا الشرائع كلها.

ولما وقع ذلك من بعض القرى مع علمهم اليقين بكفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، حتى أنهم يقولون: من أنكر فرعًا مجمعًا عليه كفر، فقلت لهم: إذا كان هذا عندكم فيمن أنكر فرعًا مجمعًا عليه، فكيف بمن أنكر الإيمان باليوم الآخر؟ وسب الحضر وسفّه أحلامهم إذا صدقوا بالبعث. فلما أفتيت بكفر من تبر البوادي من أهل القرى، مع علمه بما أنزل الله وبما أجمع عليه العلماء، كثرت الفتنة وصدق الناس بما قيل فينا من الأكاذيب والبهتان.


وبالجملة: هذا ما نحن عليه. وأنتم تعلمون أن من هو أجلّ منّا لو تبين في هذه المسائل قامت عليه القيامة، وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم على دين الله ورسوله، أني متبع لأهل العلم، وما غاب عني من الحق وأخطأت فيه، فبينوا لي، وأنا أشهد الله أني أقبل على الرأس والعين؛ والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

نشر :