رسائله التي تبين عقيدته ـ رحمه الله ـ (5)

 رسالته في الأسماء والصفات

بعد البسملة والحمد لله: الذي نعتقد وندين الله به، هو مذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين، والتابعين لهم بإحسان من الأئمة الأربعة وأصحابهم رضي الله عنهم:

وهو الإيمان بآيات الصفات وأحاديثها، والإقرار بها، وإمرارها كما جاءت من غير تشبيه ولا تمثيل له، ولا تعطيل، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}. 

وقدر الله لأصحابه نبيه ومن تبعهم بإحسان، الإيمان، فعلم قطعاً أنهم الماردون بالآية الكريمة. 

قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ}. 

وقال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} الآية. 

فثبت بالكتاب أن من اتبع سبيلهم، فهو على الحق، ومن خالفهم، فهو على الباطل. 

فمن سبيلهم في الاعتقاد: الإيمان بصفات الله وأسمائه التي وصف بها نفسه، وسمي بها نفسه في كتابه وتنزيله أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة عليها ولا نقصان منها، ولا تجاوز لها، ولا تفسير، ولا تأويل لها، بما يخالف ظاهرها، ولا تُشبهُ بصفات المخلوقين، بل أقروها كما جاءت. وردُّوا علمها إلى قائلها، ومعناها، إلى المتكلم بها . 

وأخذ ذلك الآخر عن الأول: ووصَّي بعضهم بعضاً بحسن الاتباع، وحذرونا من اتباع طريق أهل البدع والاختلاف الذي قال الله فيهم:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. 

والدليل على أن مذهبهم ما ذكرنا أنهم نقلوا إلينا القرآن العظيم، وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقل مصدق لها، مؤمن بها، قابل لها، غير مرتاب فيها، ولا شاك في صدق قائلها ولم يؤولوا ما يتعلق بالصفات منها. 

ولم يشبهوه بصفات المخلوقين، إذا لو فعلوا شيئاً من ذلك لنقل عنهم، بل زجروا من سأل عن المتشابه، وبالغوا في كفه تارة بالقول العنيف، وتارة بالضرب. 

ولما سئل مالك رحمه الله عن الاستواء: أجاب بمقالته المشهورة: وأمر بإخراج الرجل. 

وهذا الجواب من مالك في الاستواء، شاف كاف، في جميع الصفات، مثل النزول والمجيء، واليد، والوجه، وغيرها. 

فيقال في النزول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وهكذا يقال في سائر الصفات، إذ هي بمثابة الاستواء، الوارد به الكتاب والسنة.

وثبت عن الربيع بن سليمان قال: سألت الشافعي (رضي الله عنه) عن صفات الله، فقال: حرام على العقول أن تمثل الله، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الضمائر أن تتعمق، وعلى الخواطر أن تحيط، وعلى العقول أن تعقل، إلا ما وصف به نفسه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. 

وثبت عن إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني أنه قال: إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة، يصفون ربهم بصفاته التي نطق بها كتابه وتنزيله، وشهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت به الأخبار الصحاح، ونقلته العدول الثقات، ولا يعتقدون بها تشبيهاً بصفات خلقه، ولا يكيفونها تكييف المشبهة، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه تحريف المعتزلة والجهمية. 

وقد أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتكييف ومنَّ عليهم بالتفهيم والتعريف، حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واكتفوا في نفي النقائض بقوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وبقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}.

وثبت عن الحميدي شيخ البخاري وغيره، من أئمة الحديث أنه قال: أصول السنة: فذكر أشياء وقال ما نطق به القرآن والحديث مثل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة} ومثل: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}. وما أشبه هذا من القرآن والحديث، لا نرده، ولا نفسره. ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة. 

ونقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}. ومن زعم غير هذا فهو جهمي. 

فمذهب السلف رحمة الله عليهم إثبات الصفات وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها، لأن الكلام في الصفات، فرع عن الكلام في الذات، كما أن إثبات الذات، إثبات وجود، لا إثبات كيفية، ولا تشبيه، فكذلك الصفات، وعلى هذا مضي السلف كلهم. 

ولو ذهبنا نذكر، ما أطلعنا عليه من كلام السلف في ذلك، لطال الكلام جداً فمن كان قصده الحق، وإظهار الصواب، اكتفى بما قدمناه. 

ومن كان قصده الجدال والقيل والقال لم يزده التطويل إلا الخروج عن سواء السبيل، والله الموفق. 

نشر :