رسائله التي تبين عقيدته ـ رحمه الله ـ (3)

رسالته إلى أهل المغرب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مصل له ومن يضلل فلا هادي له و اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله من يطع الله و رسوله فقد رشد ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و لن يضر إلا نفسه و لن يضر الله شيئاً و صلي الله على محمد و آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً أما بعد.

فقد قال الله تعالى:{ قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين} 
و قال تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم} 
و قال تعالى: { و ما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} 
و قال تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً}

فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين و أتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم و امرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا و ترك البدع و التفرق و الاختلاف فقال تعالى:{اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون}
وقال تعالى: { و أن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}

و الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته تأخذ مآخذ القرون قبلها شبراً بشبر و ذراعاً بذراع و ثبت في الصحيحين و غيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا يا رسول الله اليهود و النصارى ؟ قال : فمن ؟ و أخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم و أصحابي.

إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله و التوجه إلى الموتى و سؤالهم النصر على الأعداء و قضاء الحاجات و تفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض و السماء و كذلك التقرب إليهم بالنذور و ذبح القربان و الاستغاثة بهم في كشف الشدائد و جلب الفوائد إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله.

و صرف شئ من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك و لا يقبل من العمل إلا ما كان خاصاً كما قال تعالى: {فأعبد الله مخلصاً له الدين  ألا لله الدين الخالص و الذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من كاذب كفار}
 
فاخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصاً لوجهه و أخبر أن المشركين يدعون الملائكة و الأنبياء و الصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى و يشفعوا لهم عنده و أخبر أنه لا يهدي من كاذب كفار فكذبهم في هذه الدعوى و كفرهم فقال:{إن الله لا يهدي من كاذب كفار}
و قال تعالى: { و يعبدون من دون الله ما لا يضرهم و لا ينفعهم و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ق أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات و لا في الأرض سبحانه و تعالى عما يشركون} 

فأخبر أن من جعل بينه و بين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم و أشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: { قل لله الشفاعة جميعاً } (سورة الزمر آية 44)
فلا يشفع أحد إلا بإذنه كما قال تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }
و قال تعالى: { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن و رضي له قولاً} 
و هو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: { ولا يشفعون إلا من ارتضى} 
و قال تعالى:{ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض و ما لهم فيها من شرك و ما له منهم من ظهير و لا تنفع الشفاعة عنده غلا لمن ارتضى} 

فالشفاعة حق و لا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى: { و أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} 
و قال: { و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين} 

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو سيد الشفعاء و صاحب المقام المحمود و آدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله و صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لا يشفع ابتداء بل: " يأتي فيخر ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها ثم يقال ارفع رأسك، و قل يسمع و سل تعط و اشفع تشفع ثم يحد له حداً فيدخلهم الجنة " فكيف بغيره من الأنبياء و الأوليا .

و هذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين قد اجمع عليه السلف الصالح من الصحابة و التابعين و الأئمة الأربعة و غيرهم ممن سلك سبيلهم و درج على منهجهم.

و أما ما صدر من سؤال الأنبياء و الأولياء بعد موتهم و تعظيم قبورهم ببناء القباب عليها و السرج و الصلاة عندها و اتخاذها أعياداً و جعل السدنة و النذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم و حذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان " و هو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية و سد كل طرق يوصل إلى الشرك فنهى أن يجصص القبر و أن يبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر.

و ثبت فيه أيضاً أنه بعث على بن أبي طالب رضي الله عنه و أمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه و لا تمثالاً إلا طمسه و لهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القبب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا و بين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا و قاتلونا و استحلوا دماءنا و أموالنا حتى نصرنا الله عليهم و ظفرنا بهم و هو الذي ندعوا الناس إليه و نقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله و سنة رسوله و إجماع السلف الصالح من الأئمة ممثلين لقوله سبحانه و تعالى: { و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله} 
فمن لم يجب الدعوة بالحجة و البيان قاتلناه بالسلف و السنان كما قال: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب إن الله قوي عزيز}

و ندعوا الناس إلى إقام الصلاة في الجماعات على الوجه المشروع و إيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان و حج بيت الله الحرام و نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر كما قال:
{الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة و ءاتوا الزكاة و أمروا بالمعرف و نهوا عن المنكر و لله عاقبة الأمور} 

فهذا الذي نعتقد و ندين لله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا و عليه ما علينا.

و نعتقد أيضاً أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين لسنته لا تجتمع على ضلالة و أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم حتى يأتي أمر الله و هم على ذلك و صلي الله على محمد.
نشر :