المذهب الاعتقادي للإمام محمد بن عبدالوهاب

الشيخ علي بن عبدالله النمي

اعتقاد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله اعتقاد أهل السنة والجماعة، يعرف ذلك مَن عاشره، ومَن قرأ كتبه ورسائله، وقد شهِد له بذلك أتباعه والمنصف من أعدائه.

وليس يَصِحُّ في الأذهانِ شيءٌ ♦♦♦ إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ

وندع الشيخ يوضِّحُ لنا مذهبه، فما أَعرَبَ عن الشخص مثلُ لسانه وفِعَاله، فأما فِعَال الشيخ، فناطقةٌ بذلك، وأما لسانه، فقد قال: أما ما نحن عليه من الدين، فعلى دين الإسلام، الذي قال الله فيه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وأما ما دعونا الناس إليه، فندعوهم إلى التوحيد، وأما ما نهَينا الناس عنه، فنهَيناهم عن الشرك.

قال مقيده - عفا الله عنه -:

ومَن كان على دين الإسلام الذي ارتضاه الله لنفسه ولعباده، نال من خصائصه وميزاته ومحاسنه الكثيرة التي لا تُعدُّ ولا تحصى بحسب ما كان عليه من الدين، وهذا سر من أسرار نجاح الشيخ في علمه ودعوته، ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ [البقرة: 257].

قال ابن القيم رحمه الله:

وجعل أهله - أي الإسلام - هم الشهداء على الناس يوم يقوم الأشهاد؛ لما فضلهم به من الإصابة في القول والعمل والهدى والنية والاعتقاد.

وقال الشيخ: عقيدتي وديني الذي أدين الله به، هو مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين؛ مثل الأئمة الأربعة، وأتباعهم إلى يوم القيامة.

وقال في عقيدته التي كتبها بيدِه لأهل القصيم، مطلعها: أُشهِد الله ومَن حضرني من الملائكة، وأُشهدكم: أني أعتقد ما اعتقدَتْه الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة...، إلخ.

بَخٍ بَخٍ، يا لها من عقيدة، ما أجملَها وأجلَّها، لولا خشيةُ الإطالة لنقلتُها بحرفها، فراجِعها في مطلع الجزء الأول من الدرر السَّنية..

والشيخ طالما تمثل بهذه الأبيات:

بأيِّ لسانٍ أشكُرُ اللهَ إنَّهُ 
لذو نعمةٍ قد أعجزَتْ كلَّ شاكرِ 
حَبانيَ بالإسلامِ فضلًا ونعمةً 
عليَّ وبالقرآنِ نورِ البصائرِ 
وبالنعمةِ العُظْمَى اعتقادُ ابنِ حنبلٍ 
عليها اعتقادي يومَ كشفِ السرائرِ 
 
وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن:

والشيخ رحمه الله لا يُعرَفُ له قولٌ انفرد به عن سائر الأمة، بل ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب - أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العمل والعبادات - مُجمَعٌ عليه عند المسلمين.

وقال أيضًا:

قد عُرِفَ واشتهر واستفاض من تقارير الشيخ (يعني محمد بن عبدالوهاب) ومراسلاته، ومصنفاته المسموعة المقروءة عليه، وما ثبت بخطه، وعرف واشتهر من أمره ودعوته، وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته - أنه كان على ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الدين أهل الفقه والفتوى، ثم ساق معتقد الشيخ بشيء من التفصيل.

وإذا تقرَّر أن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله على عقيدة أهل السنة والجماعة وما عليه السلف الصالح، فإن ذلك يعني استفادتَه من خصائص تلك العقيدة وميزاتها الفريدة؛ والتي من أهمها:

أنها العقيدة التي رضِيَها الله جل وعلا لعباده، وآثار رضاه حسنة على العبد في الدنيا والآخرة.

أنها سهلة واضحة لا تعقيدَ فيها ولا غموضَ يعتريها، حججها قوية وبراهينها جليَّة.

أنها عَذْبةُ المَنْبَعِ، قوية المصدر؛ حيث أخذت من الكتاب والسنة على مراد الله ورسوله وفهم السلف الصالح.

أنها صافية بعيدة عن كدر الأهواء والشبهات، عاصمةٌ لصاحبها من العلوم الأجنبية الشيطانية والمدارس الفلسفية العقلانية.

أنها سفينة نجاة من الشكوك والأوهام والحيرة والاضطراب والتناقضات.

أنها من أقوى أسباب الثبات لصاحبها، وحمايته من التحولات والتنقلات.

أنها طمأنينة القلب وسكينته وراحة البال وسَعَةُ الصدر.

أنها تربط صاحبها بسلفه الصالح، وتجعله يسير على خطاهم ويقتفي آثارهم، وتطهر قلبه من الغلِّ للذين آمنوا.

أنها تُهيِّئُ صاحبها لمعالي الأمور، وتُربِّي نفسه على الشجاعة البدنية والقلبية، وتقوِّي حجته، قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: والعامِّي من الموحدين يغلب ألفًا من علماء هؤلاء المشركين




نشر :