عرض ونقد لكتاب:(بِدَع السلفيَّةِ الوهابيَّةِ في هَدم الشريعةِ الإسلاميَّة)

محمد صلاح محمد الأثري

تمهيد:

الكتاب الذي بين أيدينا اليوم هو نموذج صارخ لما يرتكبه أعداء المنهج السلفي من بغي وعدوان، فهم لا يتقنون سوى الصراخ والعويل فقط، تراهم في كل ناد يرفعون عقيرتهم بالتحذير من التكفير، ثم هم أبشع من يمارسه مع المخالفين بلا ضابط علمي ولا منهجي سوى اتباع الأهواء، في سيل جرَّار من السطحية والعبث العلمي الفج.

لعل هذه العبارات شديدة في نظرك أيها القارئ، لكن ظني أنك سترى أنها يسيرة هينة حينما أنتقل بك في جولة داخل هذا الكتاب من خلال هذا العرض الذي بين يديك.

بيانات الكتاب الفنية:

الكتاب اسمه: بدع السلفية الوهابية في هدم الشريعة الإسلامية، وقد كتب في أعلى العنوان: موسوعة بدع خوارج الزمان في هدم دين الإسلام.

المؤلف: المستشار الدكتور محمد يوسف بلال المنصوري الشافعي مذهبًا.

وقدم للكتاب: أ. د. أحمد محمود كريمة، أ. د. الأحمدي عبد الفتاح، أ. د. محمد إسماعيل الحسيني، أ. د. سالم محمد خليل، أ. د. عبد الله كامل.

نشرت مكتبة جزيرة الورد نشرته الأولى عام 2015م.

وهو مجلد من القطع المتوسط ويقع في (495) صفحة.

التعريف بالمؤلف:

المؤلف هو: المستشار الدكتور محمد يوسف بلال، مصري الجنسية، محامي، أحد الأشاعرة الصوفية المعاصرين، وهو مؤسس موقع البيِّنة للدراسات والأبحاث الوهابيّة، ومؤسس الحملة الشرعية لمواجهة السلفية، ومستشار المجلس الأعلى للطرق الصوفية، له عدة كتب في مهاجمة المنهج السلفي، منها هذا الكتاب، ومنها أيضًا: (البرهان في أن السلفية الوهابية خوارج الزمان)، و(فضائح السلفية الوهابية)، و(عقائد الإلحاد والوثنية عند السلفية الوهابية).

الفكرة الرئيسة لمضمون الكتاب:

المؤلف يحاول أن يجمع في هذا الكتاب أيَّ انتقاد كتب في حق المنهج السلفي، ويجمع معه كل ما ظنه دليلًا على تناقض أصحابه، وقد رتب ذلك في فصول، ولكن ستجد لكل فصل فكرته المستقلة وطريقة الرد التي ربما تختلف باختلاف من ينقل عنه، مع مراعاة خط واحد في الكتاب وهو نقد المنهج السلفي ورميه بكل نقيصة.

خطورة الكتاب:

على الرغم من كون المادة العلمية في الكتاب سطحية للغاية، إلا أن خطورة الكتاب تكمن في عدة أمور:

الأمر الأول: أن مؤلفه قد جمع عددا كبيرًا من الشبهات حول المنهج السلفي، ووضعها في كتابه، وحاول أن يصبغ ذلك بالصبغة العلمية، على الرغم من كون بعض هذه التهم متناقضة في حد ذاتها.

الأمر الثاني: كون المؤلف ليس من عوام المخالفين للمنهج السلفي، بل هو أحد رؤوسهم، وممن ينصب نفسه للرد على السلفية في كل موقع وناد، بل أسس مركزًا خاصًّا يواجه به المد السلفي الوهابي المتطرف كما يدَّعي.

الأمر الثالث: عدد المقدمين للكتاب ومراكزهم التي تخدع القارئ غير الخبير، وتضفي على الكتاب موثوقية زائفة.

الأمر الرابع: وضعه جميع الاتجاهات الإسلامية المتطرفة المختلفة كالدواعش والقاعدة وجماعات التكفير والهجرة في بوتقة المنهج السلفي ومحاولة إشعار القارئ تصريحًا وتلميحًا بأن هذا هو المنهج السلفي؛ ولذا حوى قدرًا كبيرًا من الاتهامات الباطلة التي لا يصحّ نسبتها للمنهج السلفي بأي حال من الأحوال.

عرض مجمل لأبواب الكتاب:

قسم المؤلف كتابه إلى: تمهيد، وبابين، وخاتمة.

تناول في التمهيد حديث الفرقة الناجية وأحاديث افتراق الأمة.

ثم الباب الأول بعنوان: بدع السلفية الوهابية في التوحيد، وقد جعله ستة فصول.

الفصل الأول: بدعة الإلحاد في الأسماء الحسنى، وتناول فيه قضية عد الأسماء التسعة والتسعين.

الفصل الثاني: بدعة تقسيم التوحيد وتثليثه، تناول فيه تقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.

الفصل الثالث: بدعة التشبيه والتجسيم لله عز وجل، واتهم فيه السلفية بأنهم يشبهون الله بخلقه؛ لأنهم يثبتون الأسماء والصفات على ظاهرها.

الفصل الرابع: بدعة العصمة السلفية الوهابية، تناول فيه قضية عصمة منهج السلف من الخطأ.

الفصل الخامس: بدعة إلزام النبي صلى الله عليه وسلم بالمنهج الوهابي، اتهم فيه السلفيين بأنهم يضعفون الأحاديث وفقا لمعتقداتهم وبأهوائهم.

الفصل السادس: بدعة الاختلاف في أصول العقيدة، تناول فيه بعض القضايا التي حصل فيها خلاف بين أبناء المنهج السلفي.

وبذلك ينتهي الباب الأول.

ويأتي الباب الثاني الذي سماه: بدع السلفية الوهابية المتعلقة بالقيم والأخلاق، وقد جعله في إحدى عشر فصلًا.

الفصل الأول: بدعة تكفير المسلمين، واتهم فيه السلفية بتكفير عموم المسلمين.

الفصل الثاني: بدعة من لم يكفر المشركين فهو كافر.

الفصل الثالث: تبرؤ وتكفير السلفية لبعضهم البعض.

الفصل الرابع: بدعة حرق كتب أئمة الإسلام.

الفصل الخامس: بدعة اللامذهبية.

الفصل السادس: بدعة الفرقة وهدم وحدة المسلمين.

الفصل السابع: بدعة الوصاية على الإسلام والمسلمين.

الفصل الثامن: بدعة سوء الظن بالمسلمين.

الفصل التاسع: بدعة الهجر السلفي الوهابي للمسلمين.

الفصل العاشر: بدعة الولاء والبراء السلفي الوهابي.

الفصل الحادي عشر: اختلاف أساطين السلفية رغم ادعاء الكتاب والسنة.

ثم الخاتمة التي جعلها بعنوان: السلفية مستنقع الأفكار الشاذة والخاطئة.

وقد اشتملت هذه الفصول على مباحث وقضايا تحتها جملة من الادعاءات الباطلة والتُّهَم المزيفة والفهم المغلوط، وهو ما سنبينه في السطور التالية بحول الله وقوته.

نقد الكتاب:

الكتاب تناول العديد من القضايا التي هي محل خلاف بين الأشاعرة والسلفية، لكنه للأسف لم يتناولها تناولًا علميًّا يمكن معه النقاش العلميّ المعروف بضوابطه وآدابه، فلديه خلط شديد بين العديد من القضايا، والعديد مما يستدل به يعود عليه بالإبطال، بل إن لغة الكتاب لا تساعد القارئ المنصف على تبني ما فيه من قضايا لما فيه من لغة الاتهامات والسباب.

كذلك شُحِن الكتاب بالعديد من الاتهامات الباطلة، وحاول جمع كل نقيصة أُلصقت بالمنهج السلفي دون تحريرٍ أو تمحيص.

ولا يمكننا مناقشة الخلل الموجود بالقضايا العلمية المذكورة بالكتاب؛ لأن هذا يحتاج إلى قدر من البسط والنقاش وعرض الأدلة بصورة ليس هذا مجالها، وإذا كانت الشبهات قد تناولها في (500) صفحة، فماذا يكون قدر الجواب عنها؟! وإنما يمكن للقارئ أن يطَّلع على مقالات المركز في هذه القضايا المطروحة، فقد سبق مناقشة جميع هذه القضايا بصورة مستقلة لكل قضية، لكن غرضنا في هذا النقد أن نبين مقدار الخلل العلمي الموجود بالكتاب، والذي يمكن تلخيصه في عشر نقاط كاملة دون أن نناقش المؤلف في مضمون ما كتب، بل نذكر بعض الأمثلة، ليكون المذكور دليلًا على ما وراءه، والله المستعان.

أنواع الخلل الموجودة بالكتاب:

أولًا: عدم الأمانة في النقل:

أول أبجديات النقاش العلمي هو أمانة النقل؛ ولذا يفقد أي كتاب مصداقيته حينما تُفقَد هذه الصفة فيه، وهو ما حدث في هذا الكتاب، فمن ذلك أن المؤلف أقام الدنيا ولم يقعدها في سبيل الرد على اللجنة الدائمة في دعواها بأن الفرق الثلاث والسبعين كلها فرق كافرة، وسوَّد صفحات في ذلك، وإمعانًا في المغالطة يذكر الفتوى التي ينتقدها بالعزو، فإذا ما رجعت إلى الفتوى المذكورة ستجد اللجنة الدائمة صرحت بخلاف ما يقول، ثم بعد ذلك ذَكَرَت أقوالًا أخرى لبعض أهل العلم، فيقوم المؤلف بنقل هذه الأقوال، ويزعم أن هذه هي فتوى اللجنة الدائمة!، ثم يبني اتهاماته للمنهج على هذا.

ثانيًا: عدم التوثيق لما ينقله:

يذكر الأحاديث دون ذكر لمصدرها في كثير من الأحيان، ومما يذكر هنا أن المؤلف ينقل صفحات بالكامل، حتى إنه نقل ردًّا على الألباني تجاوز الصفحات دون عزو، بل ذكر في الهامش ما ذكره الكاتب المنقول منه في الهامش، فذكره على أنه من كلامه هو، وهو في الحقيقة هو كلام حسن السقاف في رده على الألباني!.

ثالثًا: الاتهامات المرسلة:

المؤلف يرمي السلفية بكل نقيصة، وهو يذكر الاتهامات بلا أدلة، فمن ذلك:

– اتّهام ابن تيمية بالتجسيم والتكفير، ومحمد بن عبد الوهاب بالتجسيم والتكفير وقتل المخالفين.

– الاتهام للسلفية بتكفير المسلمين، وهو يكرر ذلك في كتابه:

يقول: (فالخوارج السلفية يكفرون سائر المجتمع الإسلامي دونهم وجميع العلماء سوى علمائهم).

ويقول عن السلفيين: (فقالوا بكفر أهل الإسلام وتشريكهم وتبديعهم وتفسيقهم، ووجوب هجرهم والبراء منهم، وحرق كتبهم، ونحر أعناقهم وسبي نسائهم وبناتهم، وسرقة أموالهم (غنائم)، الذين تفرغوا لأهل الإسلام وتركوا أهل الأوثان).

– ينسب إليهم أنهم يقولون بعصمة علمائهم فيقول: (يصيح السلفية الوهابية جهارًا نهارًا بعصمة منهجهم وعصمة علمائهم الربانيين وعصمة الصحابة)([8])، ودليله على أنهم يقولون بعصمة علمائهم أنهم يقولون بعصمة منهجهم!

– يرى أن اختلاف السلفيين في تصحيح حديث أو تضعيفه دليل على أنهم يفعلون ذلك بحسب ما يروق لهم! ويستدل على ذلك بدليل هو في الحقيقة ضده، فقد ذكر حديثًا يرى أنه عمدة السلفيين في الدليل على مذهبهم، وينقل اختلاف السلفيين في الحكم على الحديث، فبعضهم ضعفه، وبعضهم حكم عليه بالإرسال وغير ذلك من وجوه التضعيف، هذا دليل المؤلف! ولو تدبر قليلًا لوجده يثبت عكس ما يقول، فلو كان اتهامه صحيحًا لتمالؤوا على تصحيحه لا على القول بضعفه أو على الاختلاف في درجته!.

– يتهم ابن تيمية بأنه كان يكفر أهل مصر وسواد الأمة، وأنه كفر الغزالي والرازي، وحكم بقتل من يجهر بنيته في صلاته. تقرأ هذه العناوين ثم تنظر في النصوص التي نقلها في التدليل على ذلك فلا تجد شيئًا يساعده على زعمه.

– يزعم أن السلفيين كانوا يجمعون فتح الباري وشرح النووي لصحيح مسلم ويحرقونهما بعد صلاة الجمعة أمام الناس، ودليله أن د. أحمد كريمة حدَّثه أنه رأى ذلك، ولنا أن نتساءل: هل أحرقوا الطبعة التي عليها تعليقات الشيخ ابن باز: الشيخ السلفي الوهابي، أم طبعة أخرى غيرها؟!

رابعًا: ينسب للسلفيين ما لم يقولوه:

– في بداية كتابه نقل ما حصل بين اللجنة الدائمة وبين محمد العلوي المالكي من نقاش، ليدلل بذلك على أن اللجنة الدائمة قد كفَّرته وأوجبت عليه حد الردة. حسنًا، أين هذا فيما نقله هو؟ لا وجود له! المؤلف يفهم من الانتقاد ومن القول بأن هذه عقائد شركية( أنه تكفير، ومن ثم لا تستطيع السلفية الوهابية إنكار أنهم خوارج!.

– المؤلف يتهم السلفية بالقول بتوحيد كفار مكة وأنهم لم يكونوا مشركين! فيفهم من تقسيم التوحيد وأن المشركين قد أتوا بتوحيد الربوبية ومع ذلك لم ينفعهم لأنهم لم يقولوا بتوحيد الألوهية أننا نقول: إن المشركين موحدون، ثم ينبري للرد على هذا الفهم المغلوط الذي نسبه للسلفيين!

فيجعل من قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأن إقرار المشركين بكون الله هو الخالق الرازق مالك الكون -كما أخبر القرآن- لم ينفعهم لأنهم لم يوحدوا العبادة لله وذلك بعدم قولهم: لا إله إلا الله، يجعل هذا حكمًا من الشيخ بأنهم موحّدون قد أتوا بثُلُث التوحيد.

– ومثله أيضًا ما ينسبه للسلفيين من أنهم يرون أن أئمتهم معصومون وأتباعهم معصومون كذلك؛ لأنهم يرون أن منهجهم معصوم، ثم يذكر أن العصمة قالت بها الشيعة، وينبري في الرد على ذلك.

خامسًا: محاربة طواحين الهواء:

المؤلف يحارب طواحين الهواء، فهو يعقد الفصول والمباحث بعضها تلو بعض، ويطيل الكلام في أمور يظنها دالة على مقصوده، وهي ليست كذلك، فمن ذلك:

– أنه يعقد مبحثًا كاملًا ليقرر فيه التلازم بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وذلك ردًّا منه على المنهج السلفي في ظنه! وما درى أنه بذلك يقرر ما نقول به في الحقيقة! فنحن نقول: إن الإقرار بمعاني الربوبية يستلزم الإقرار بمعاني الالوهية، فمن لم يقرَّ بمعاني الألوهية لم تنفعه معاني الربوبية، وهذا هو معنى أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية.

– أنه يعقد فصلًا كاملًا ليثبت العصمة لله وللملائكة والأنبياء وأنواعًا من العصمة، وكل هذا لا علاقة لنا به، هو فقط يذكر هذه المباحث ليوهم القارئ أن الأمر جلل، وأننا نخالفه في شيء من هذا، والحقيقة أن كل هذا كان ردًّا على ما ظنّه قولًا بعصمة علماء المنهج السلفي، فينبري للرد عليهم بهذا التهويل.

_ أنه يضع فصلًا كاملًا ينقل فيه كل مسألة خالف فيها الألباني ابن تيمية، أو تراجع عن القول بها، أو مسألة اختلف فيها علماء السلفية؛ ليجعل هذا دليلًا على اختلافهم في العقائد، وبالتالي تكون دليلًا على أن عقيدتهم باطلة!.

وعلى الرغم من كون ذلك منهجًا غيرَ سديد، فإن أول المصطَلين بنار هذه الطريقة هم أبناء مذهبه! فالطرق الصوفية أكثَر من أن تعدَّ وتحصى، والأشاعرة الذين يصرح بالانتماء إليهم اختلفوا في غالب المسائل، سواء بين متقدِّميهم ومتأخّريهم أو بين من هم في طبقة واحدة، فأي الفريقين أحق بالتناقض؟!

– أنه ينبري للرد على ما سماه الإلحاد في أسماء الله الحسنى عند السلفيين، فيذكر معنى حديث الترمذي: «إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا» بكلام حاصله هو عين ما نقول لو تدبر قليلًا فيما ذكره هو!.

سادسًا: المؤلف لا يدري ما يقول ويكتب:

تكرر هذا في الكتاب، لكن شرحه هنا يطول جدًّا، لكن نذكر بعض الأمثلة:

– يتهم السلفيين بأنهم يشبّهون الله تعالى بخلقه، وينقل في الرد عليهم قول الإمام مالك: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)!، ثم بعد ذلك هو يقول بعقيدة الأشاعرة في الاستواء!

– يذكر أن الألباني صحح حديث كشف المرأة لوجهها، ثم يتَّهمه بأنه اخترع حُكمًا من عنده؛ لأنه ذكر بعد ذلك أن كشف الوجه وإن كان جائزًا فستره أفضل، ويزعم بذلك أن الألباني يستدرك على رسول الله ويتساءل: (هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأفضل ليكمِّله هذا الألباني؟!).

وجواب سؤاله هو دليل الألباني فيما أنكره عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد سترت نساؤه جميعًا وجوههن لو يعلم المؤلف!

– المؤلف يتهم السلفية بالعديد من الاتهامات العجيبة، منها مثلًا: إشغال العوام بعلم الكلام بحجة نشر العقيدة الصحيحة!، ومنها: إحياء فكر المعتزلة والجهمية والإرجاء!.

– المؤلف يتهم السلفيين بأنهم يقولون عن الصحابة: هم رجال ونحن رجال!.

سابعًا: يخترع المؤلف إجماعات من عند نفسه:

فمثلًا يقول: (قد أجمع العلماء أن قول المسلم الموحد لو كان يحمل الكفر من ألف وجه ويحمل الإيمان من وجه واحد حمل على ذلك الوجه). أين هذا الإجماع؟! من الذي نقله؟! من أين أتى به؟! لن تجد أي شيء يدل على ذلك.

ويقول أيضًا في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]: (اتفق السلف والخلف على أن الظاهر غير مراد قطعًا)، فمن الذي نقل اتفاق السلف على هذه الفرية؟! لا يذكر لأنه لن يجد.

ثامنًا: يجهل المؤلف أبسط قواعد الاستدلال العلمي الصحيح:

أبجديات النقاش العلمي مفقودة في هذا الكتاب بصورة تدعو للتأمل، ولكي لا يكون حديثنا مرسلًا سنذكر بعض الأمثلة على ذلك:

1- يوثق المؤلف الاتهامات من كتب المخالفين:

من أبسط قواعد الاستدلال العلمي أن تأتي بالدليل من كتب المخالف على ما تتهمه به، لكن أن تتَّهمه بشيء بدليل أن أعداءه اتَّهموه بذلك فأي عاقل يقول ذلك؟!

هذا ما فعله المؤلف في كتابه، فمثلًا يتهم ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين بأنهم قالوا بأن لله أبعاضًا وفمًا أضراسًا، ثم يعزو إلى الكوثري، قبَّحه الله من كذاب.

ويضع المؤلف فصلًا كاملًا للرد على ابن تيمية في مسألة العصمة، ينقله بالكامل من كتاب (ابن تيمية ليس سلفيًا)، وينسب في هذا الفصل الأقوال لابن تيمية اعتمادًا على هذا الكتاب دون الرجوع لكتب ابن تيمية، وهذا ديدنه في كل الكتاب، ينقل عن ابن تيمية من كتب مخالفيه ومناوئيه!

ويتهم محمد بن عبد الوهاب بأنه أحرق كثيرًا من كتب الفقه والتفسير والحديث مما هو مخالف لقوله.

بل إن كل الاتهامات التي في الفصل الثالث الذي بعنوان: (بدعة تبرؤ وتكفير السلفية بعضهم لبعض) المؤلف قد نقلها من كتب بعض السلفيين الذين لم يتركوا عالِمًا سلفيًّا إلا وطعنوا فيه، وهكذا توثَّق التهم من كُتُب الخصوم، فيا لَلإنصاف!

2- يتهم المؤلف السلفية بعين ما يفعله:

لا يحق لصوفي أن ينكر تسميةً اصطلاحية أو تقسيمًا اصطلاحيًّا كالولاء والبراء إلا بعد أن يتبرأ من الصوفية ومن سائر الاصطلاحات الحادثة التي تبناها قبل أن يحدّثنا عن إنكاره لاصطلاح حادث، فالمؤلف شديد الإنكار على باب الولاء والبراء بأن هذه التسمية لم ترد بعينها في السنة!. حسنًا، ومن قال أن مجرد التسمية التي لا يترتب أحكام عليها تحتاج إلى دليل؟! ألم يقل العلماء: إنه لا مشاحة في الاصطلاح، أم أن هذه القاعدة ستختفي حين الحديث عن الصوفية وما أحدثته من اصطلاحات وبنت عليها أحكامًا؟!

ومن ذلك أيضًا أن المؤلف يجعل تصحيح الألباني للأحاديث أو تضعيفها تطاولًا من الألباني على الحديث النبوي!. حسنًا، فلماذا يقوم هو أيضًا بالحكم على الأحاديث بالضعف؟!.

3- يتهم المؤلف السلفية بما يعود على مذهبه بالنقض:

– المؤلف يستدل باختلاف السلفيين في عد أسماء الله تعالى الحسنى التسعة والتسعين التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أحصاها دخل الجنة بأن هذا دليل على الإلحاد في أسماء الله تعالى وصفاته، وبغض النظر عن كون المؤلف لم يناقش القضية من الأساس، وأنه عندما أراد الرد عليهم أتي بعين ما يقولونه! فليحدثنا المؤلف عن الاختلاف الحاصل في قضايا الاعتقاد الرئيسة بين الأشاعرة أنفسهم، ماذا عنها؟! فقضايا الاعتقاد الرئيسة عند الأشاعرة محل خلاف بينهم يعلمه القاصي والداني، وأبسط مثال على ذلك أن ما قاله إمام الأشاعرة في الاستواء والعلو غير ما قاله الباقلاني، وغير ما قرره الجويني، وكلهم يجزم أن مذهبه هو الحق، وأن هذا هو مقتضى العقل، أفليس هذا أولى بالتناقض من الاختلاف في عد التسعة وتسعين اسمًا الذي أقرَّ هو -من حيث لا يدري- فهمنا للحديث؟!

– يقول المؤلف: (لو قدر لنا اللقاء بساداتنا أبي بكر وعمر، أو أحد الصحابة، أو أحد الأئمة الأربعة والعلماء المجتهدين خلال سبعة قرون، وسألنا أحدهم عن تثليث التوحيد، لم يجب ولم يعرف).

ونحن نجيب المؤلف: بأن تسمية تثليث التوحيد لم يقلها إلا أمثاله، وما نقول به هو ما قاله القرآن نصًّا، لكن دعنا نسأل المؤلّف نفس سؤاله: هل لو سألنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم عن الجوهر والعرض والهيولي والعقل الكلي والعقل الفياض والمريد والصوفي والأحوال والمقامات، ماذا سيكون جوابهم؟!

المؤسف حقًا أن القول بأن هذا الأمر لم يعهده السلف هو من أقوى ما يرد على مذهب المؤلف، لو كان يفهم مذهبه حقَّ الفهم، بل إن كبار عماء مذهبه لما رأوا أنهم قالوا بما لم يقله السلف حاولوا الجمع بين قولهم وقول السلف بأن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم، وهي مقولة باطلة، وليس هنا محل بيان وجه بطلانها.

– المؤلف يرى أن أصحاب المنهج السلفي يرون منهجهم معصومًا، ويرى ذلك مستلزمًا لأن يقولوا بعصمة أئمتهم وأتباعهم([36])، ولذا فالسلفيين يرون عصمة أئمتهم وأتباعهم! وبعيدًا عن هذه الطريقة العجيبة في نسبة الأقوال والمذاهب: هل للمؤلف أن يخبرنا عن نفسه أيرى عقيدته الأشعرية صحيحة أم باطلة؟ وهل يوافق على تصريح الأشاعرة بأنها قطعية ومخالفها كافر؟ فهل يلزم من ذلك أن نقول: إن الأشاعرة أيضًا يقولون بعصمة أئمتهم وأتباعهم؟!

تاسعًا: المؤلف كثير السب والشتم:

أسلوب المؤلف ليس أسلوب المناقشة العلمية بالحجة والبرهان، بل أسلوب التهويل والتشغيب، فانظر مثلًا إلى العبارات التالية في وصف السلفية: (أولئك الأوغاد)، (أولئك الغوغاء)، (الجماعات السلفية الوهابية قد جاءت بدين إسلامي جديد)، ويقول عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: (المجنون)، ويقول عنه: (صاحب هذا الأسلوب الأعفك يجهل أبسط قواعد الإسلام)، (المبتدعة الخراصون)، (رئيس عصابة القتلة ابن عبد الوهاب ليوزع أموال المسلمين التي سرقوها وسلبوها على المرتزقة أتباعه)، (هذه هي التطبيقات العملية للسلفية الوهابية: تكفير وقتل ووحشية في بلاد المسلمين التي حولوها إلى ديار حرب، فاستباحوا الدماء والأموال والأعراض)، وغيرها كثير.

عاشرًا: لا يعرف المؤلف من هم الذين يرد عليهم:

كل مخالفي المؤلف سلفيّون وهابيّون تكفيريّون، هكذا هم في نظره؛ ولذا لا يجد غضاضة أن ينسب أقوال جماعة التكفير والهجرة إلى السلفية، وأقوال القاعدة والدواعش إلى السلفية، وهكذا، على الرغم من كون السلفية هي وحدها التي استطاعت صدّ مدِّ جماعة التكفير، وأجابت عن شبهاتهم، وكذلك هي وحدها التي قامت بالرد العلمي على القاعدة والدواعش.
وهم كلهم عنده من الخوارج.

يقول المؤلف: (وهكذا فإن جميع الإمارات السلفية الوهابية في نجد وبلاد الحجاز منذ قرنين، وكذلك القاعدة وطالبان وداعش وأنصار بيت المقدس وبكوحرام وشباب المجاهدين في الصومال وغيرهم، قد تحققت فيهم جميع الأوصاف التي ذكرها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم)([45])، بعدما ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج.

والحقيقة أن ما كل ذكرته هنا هو غيضٌ قليل من فيض كبير، فما ذكرته دليل على ما وراءه ممّا تركتُه وهو أعظم، ولعله يكون قد بيَّن ما في الكتاب من طوام، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.
نشر :