حَرقُ كُتب المخالفين عند أئمة الدعوة في نجد.. تحقيقٌ وتوجيهٌ
فوزي بن عبد الصمد فطاني
اشتهر لدى عموم المشتغلين بالعلم والثقافة أن دعوةَ الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب اعتمَدت بشكل كبير في العقيدة على تقريرات الإمامين الجليلين: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ومؤلَّفاتهما؛ لما لهما من جهود كبيرة وقدَم صدقٍ في الدّفاع عن العقيدة السلفية الصافية الصحيحة. قال الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب: “وعندنا أنَّ الإمام ابن القيم وشيخَه إِمامَا حقٍّ، من أهل السنة، وكتُبهم من أعزِّ الكتب، إلا أنَّا غير مقلِّدين لهم في كلِّ مسألة.
وهذا ما يفسِّر التلازمَ في كُره الخصوم للإمامين ابن تيمية وابن عبد الوهاب رغم تباعُد الأزمان؛ إذ الجامِع بينهما هو المنهج؛ لذا فإنَّ محاولةَ إسقاط هذَين الرَّمزين وأتباعهما ماضيَة على قدَم وساقٍ منذ زمن بعيد.
إلا أننا في هذه الورقة العلمية في مقام التوضيح لأمرين مهمَّين:
الأول: أنَّ كتبَ هذين الإمامين (ابن تيمية وابن القيم) لم تكُن مراجعَ حصريَّة عند أئمة الدعوة في نجد، بل هناك مراجعُ أخرى استقَوا منها علومهم ومعارفَهم، لم تُعرف عند كثير من الناس. وفي هذا ردٌّ ضمنيٌّ لمن يتَّهم السلفيةَ المعاصرة وأتباعَها بإقصاء المخالف.
الثاني: اشتهر عند الناس أيضًا أن الشيخَ محمد بن عبد الوهاب وأتباعَه يُقصُون مؤلفاتِ المخالفين للعقيدة السلفية وكتبَهم في سائر الفنون، فضلًا عن كتُب العقائد، ولا يستفيدون من علومهم، بل يحذِّرون الناسَ منها، وربَّما قاموا بإتلافها، فهل كان هذا حقًّا منهجَهم؟ وهل اختصُّوا به؟
أقسام الكتُب:
قبلَ الإجابةِ المفصَّلة حول هاتين القضيَّتين لا بد من بيان أمرٍ وتوضيحه، ألا وهو تقسيم الكتب إلى عدة أقسام حتى يتسنَّى لنا النظر والبحثُ في موطن النّزاع، وحتى يتَّضح ضحالة هذه التُّهَم.
أولًا: ينبغي أن نعلمَ أنَّ من الكتب ما هي متمحِّضة في الضلال و الكفر، أو يغلب عليها ذلك، فالتحذير منها في مثل هذه الحال واجبٌ على أهل العلم؛ لئلا يضلَّ الناس عن منهج رب العالمين؛ كالتحذير من كتب الزندقة والإلحاد والشعوذة والسحر، فهذه الكتب الأصل فيها المنع والحظر، وقد نصَّ العلماء على وجوبِ إتلافها؛ لأن شرَّها مستطير.
قال السرخسي (ت 490هـ): “قال مشايخنا: وكذلك الجواب فيما يجده المسلم من كتب الباطنة وأهل الأهواء المضلَّة، فإنه يمنع من بيع ذلك مخافةَ أن يقع في يدِ أهل الضلالة فيفتتنوا به، وإنما يفعل به ما ذكرنا في هذا الموضع”.
ويقصِد بما ذكَره في هذا الموضع التفصيل: إن كان لورقهِ قيمة مُحِي الكتاب وجُعل الورق في الغنيمة، وإن لم يكن لورقه قيمةٌ فليغسل ورقُه بالماء حتى يذهب الكتاب ثم يحرقه بعد ذلك إن أحبَّ؛ لأنه لا كتابَ فيه، وإنما جعل الإتلاف بالحَرق بعد الغسل تعظيمًا لذكر الله إن وُجد في الكتاب. وربما يكون في إحراقه بعد غسله المكتوب فيه معنى الغَيظ لهم، وهم المشركون، فلا بأسَ بأن يفعله. ولا ينبغي له أن يدفن شيئا من ذلك قبل مَحو الكتاب؛ لأنه لا يأمن أن يطلبه المشركون فيستخرجوه، ويأخذوا بما فيه، فيزيدهم ذلك ضلالًا إلى ضلالهم.
وقال مفتي المالكية بمصر والشام القاضي شرف الدين عيسى بن مسعود الزوادي (ت 743هـ) وهو يتحدث عن كتب ابن عربي: “وأمَّا ما تضمَّنه هذا التصنيف من الهذيان والكفر والبهتان فهو كلّه تلبيس وضلال، وتحريف وتبديل… ويجب على من ولي الأمر إذا سمع بهذا التصنيف البحث عنه وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها، وأدب منِ اتُّهم بهذا المذهب أو نسب إليه أو عرف به على قدر قوة التّهمة عليه حتى يعرفه الناس ويحذروه.
وقال ابن خلدون الحضرمي المالكي (ت 808هـ): “وأما حكم هذه الكتب المتضمِّنة لتلك العقائد المضلَّة وما يوجد من نسخها بأيدي الناس مثل: (الفصوص) و(الفتوحات المكية) لابن عربي، و(البُدّ) لابن سبعين، و(خلع النعلين) لابن قَسِيّ، و(عين اليقين) لابن برجان، وما أجدرَ الكثير من شعر ابن الفارض والعفيف التلمساني وأمثالهما أن يلحَق بهذه الكتب، وكذا شرح ابن الفرغاني للقصيدة التائيّة من نظم ابن الفارض، فالحكم في هذه الكتب وأمثالها إذهابُ أعيانها متى وجدت بالتحريق بالنار والغسل بالماء حتى ينمحي أثر الكتاب؛ لما في ذلك من المصلحة العامة في الدين بمحو العقائد المختلفة، فيتعيَّن على وليِّ الأمر إحراقُ هذه الكتب؛ دفعًا للمفسدة العامَّة، ويتعيَّن على من كانَت عنده التمكينُ منها للإحراق”.
قال الإمام النووي رحمه الله: “قال أصحابنا: ولا يجوز بيع كتب الكفر؛ لأنه ليس فيها منفعة مباحة، بل يجب إتلافها… وهكذا كتب التنجيم، والشعبذة، والفلسفة، وغيرها من العلوم الباطلة المحرمة، فبيعها باطل؛ لأنه ليس فيها منفعة مباحة”.
وقد جاء في ترجمة الحافظ ابن حجر -رحمه الله- أنه قام بحرق كتاب فيه اعتقادات منكرَة، قال السخاويّ: “ومن الاتفاقيات الدالّة على شدة غضبه لله ولرسوله: أنهم وجدوا في زمن الأشرف برسباي شخصًا من أتباع الشيخ نسيم الدين التبريزي وشيخ الخروفية المقتول على الزندقة سنة عشرين وثمانمائة، ومعه كتاب فيه اعتقادات منكرةٌ، فأحضروه، فأحرق صاحب الترجمة الكتاب الذي معَه، وأراد تأديبه، فحلف أنه لا يعرف ما فيه، وأنّه وجده مع شخص، فظنّ أنّ فيه شيئًا من الرقائق، فأُطلق بعد أن تبرّأ مما في الكتاب المذكور، وتشهّد والتزم أحكام الإسلام”([.
وقال ابن القيم: “كذلك الكتب المشتملة على الشرك وعبادة غير الله، فهذه كلها يجب إزالتها وإعدامها، وبيعها ذريعة إلى اقتنائها واتِّخاذها، فهو أولى بتحريم البيع من كل ما عداها، فإن مفسدة بيعها بحسب مفسدتها في نفسها”.
ونقل الشوكاني عن جماعة -منهم: البلقيني وابن حجر وابن عرفة وغيرهم- أنهم حكموا على مثل هذه الكتب المحتوية على العقائد المضلَّة بإذهاب أعيانها متى وُجدت بالحرق بالنار والغسل بالماء؛ لما في ذلك من المصلحة العامة في الدين.
ثانيًا: من الكتب ما هي متمحِّضة في البدع أو يغلب عليها الإحداث والضلال في دين الله عز وجل، وهذا الصنفُ من الكتب حذَّر منه العلماء كذلك، وألحقه بعضُهم بالقسم الأول في وجوب إتلافه، إلا لمن أراد الاطِّلاع على الباطل وتولِّي الرد عليه وبيان مسالك الغواية فيه.
وقد قال الإمام مالكٌ: “لا تجوزُ الإجاراتُ في شيءٍ من كتب الأهواء والبدع والتنجيم”.
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم: “سمعت أبي وأبا زرعة يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع، ويغلِّظان في ذلك أشدَّ التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثار، وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلِّمين، ويقولان: لا يفلح صاحب كلام أبدا”. قال أبو محمد: “وبه أقول أنا”(.
وقال الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: سلام بن أبي مطيـع من الثقات، حدثنا عنه ابن مهدي، ثم قال أبي: كان أبو عوانة وضع كتابًا فيه معايب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بلايا، فجـاء سلام بن أبي مطيع فقال: يا أبا عوانة، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه، فأخذه سلام فأحرقه. قـال أبي: وكـان سلام من أصحاب أيوب، وكان رجلاً صالحًا.
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: استعرت كتابًا فيه أشياء رَديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم. قال المروذي: قال أبو عبد الله: يضعون البدع في كتبهم، إنما أحذر منها أشدَّ التحذير.
وعن حرب بن إسماعيل قال: سألت إسحاق ابن راهويه، قلت: رجل سرق كتابًا من رجل فيه رأي جهم أو رأي القدر، قال: يرمي به. قلت: إنّه أخذ قبل أن يحرقه أو يرمي به هل عليه قطع؟ قال: لا قطع عليه. قلت لإسحاق: رجل عنده كتاب فيه رأي الإرجاء أو القدر أو بدعة، فاستعرته منه، فلما صار في يدي أحرقته أو مزقته؟ قال: ليس عليك شيء.
وقال نعيم بن حماد: أنفقت على كتبه -يعني إبراهيم بن أبي يحيى- خمسة دنانير، ثم أخرج إلينا يومًا كتابًا فيه القدر وكتابًا فيه رأي جهم، فقرأته فعرفت، فقلت: هذا رأيُك؟! قال: نعم. فحرقتُ بعض كتبه فطرحتها.
وقال أبو القاسم الأصبهاني نقلًا عن أبي منصور معمر بن أحمد: “ثم من السنة ترك الرأي والقياس في الدين، وترك الجدال والخصومات، وترك مفاتحة القدرية وأصحاب الكلام، وترك النظر في كتب الكلام وكتب النجوم، فهذه السنة التي اجتمعت عليها الأئمة”.
وقال ابن القيم: “لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها. قال المروذي: قلت لأحمد: استعرت كتابًا فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم، فأحرقه. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم بيد عمر كتابًا اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعَّر وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه. فكيف لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما صنف بعده من الكتب التي يعارض بها ما في القرآن والسنة؟!”.
وقد حذَّر الذهبيّ من كتب أهل الضلال، فقال بعد أن عدَّد بعضها: “فالحذار الحذار من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شُبه الأوائل، وإلا وقعتم في الحَيرة، فمن رام النجاة والفوز فليلزم العبودية، وليدمن الاستغاثة بالله، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام، وأن يتوفى على إيمان الصحابة وسادة التابعين، والله الموفق، فبحسن قصد العالم يغفر له وينجو -إن شاء الله-“.
وقال ابن السبكي مبيِّنًا آداب ناسخ الكتب: “ومن حقِّه ألا يكتبَ شيئًا من الكتب المضلّة؛ ككتب أهل البدع والأهواء”. وقال أيضًا في حقّ دلَّال الكتب: “وأن لا يبيع شيئًا من كتب أهل البدع والأهواء وكتب المنجمين”.
وفي “تحفة المحتاج” بعد أن عدَّد كتب الكفر ووجوب إتلافها قال: “ولا يبعد أن يُلحَق بذلك كتب المبتدعة، بل قد يشملها قولهم: وكتب علم محرم، والله أعلم”.
إلا أننا ننبِّه بأن المصلحة تقتضي ألا يقوم بإتلاف الكتب إلا الجهات المسؤولة من باب السياسة الشرعية، وأن تطبيق ذلك راجعٌ إلى القضاء أو رأي الإمام، كما هو رأي مفتي المالكية الزوادي وابن خلدون، حتى لا يكون الأمر فوضى بين الناس، كما أن تولّي الرد العلمي على هذه الكتب وبيان الحقائق للناس من واجب العلماء، وهذا لا يمنع من إتلافها خاصة إذا علمنا مبلغ ضررها، وأنها ستؤثر على عبودية الناس لله ربّ العالمين.
وقد طُبّق ذلك ولله الحمد، فقد شكَّل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- هيئة مكوَّنة من طلبة العلم غالبهم على مستوى قضاة، وقد دفعه إلى تشكيلها ما ثبت لديه أن في المكتبات التجارية من الكتب السيئة من الناحية الاعتقادية والأخلاقية ما يقتضي وجوب تطهيرها وحماية المسلمين من شرها. فعمد إلى مصادرة ما يرونه غير صالح للقراءة: إما لما يشتمل عليه من الشركيَّات والبدع والخرافات، أو لما يدعو إليه من التحلّل الأخلاقي أو العقائدي.
كما أفتى الشيخ بحرق بعض الكتب بناء على حكم قضائي.
تبيّن لنا مما سبق: أنّ العلماءَ من السلف الصالح ومن بعدهم من مختلف المذاهب قد أفتَوا بحرمة بيع الكتب الكفرية والبدع والضلال، وأفتى بعضهم بإتلافها؛ حرصًا على عقائد الناس من أن تضيع في متاهات هذه الكتب. ويلحق بها في التحريم: الكتب التي يغلب عليها المخالفات الشرعية؛ كالمجلات الخليعة ونحوها مما يثير الشهوات، ويحرك الغرائز بين الجنسين.
وقد يختلف التقدير عند التنزيل في بعض الكتب: هل هي من الضرر المحض، أو الغالب، أم دون ذلك فيتسامح فيها، إلا أن الجميع متّفقون أنه في حال ثبوت ضررها فإنه يمنع بيعها.
ثالثًا: إذا ما أبعدنا هذين الصنفين الضارَّين من الكتب، نأتي إلى ما هو في قسم النافع من العلوم، وقد عرَّف الإمام الذهبي العلم النافع بقوله: “هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا، ولم يأت نهي عنه”، ويقول ابن رجب: “العلم النافع من هذه العلوم كلها: ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولًا، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيًا، وفي ذلك كفاية لمن عقل”.
ومن خلال كلام هذين الإمامين يتبيَّن لنا أن العلم النافع هو العلم المزكِّي للقلوبِ والأرواحِ، المُثمرُ لسعادة الدّارين، من تفسير وحديث وفقه، وما يعين على فهمها من علوم العربية وغيرها.
وقد أضاف بعض أهل العلم إلى العلم النافع العلومَ الدنيوية كذلك، قال السعدي: “فهذه الشريعة الكاملة أمرت بتعلُّم جميع العلوم النافعة: من العلم بالتوحيد، وأصول الدين، ومن علوم الفقه والأحكام، ومن علوم العربية، ومن العلوم الاقتصادية والسياسية، ومن العلوم التي تصلح بها الجماعات والأفراد. فما من علم نافع في الدين والدنيا إلا أمرت به هذه الشريعة وحثّت عليه ورغب فيه. فاجتمع فيها العلوم الدينية، والعلوم الكونية، وعلوم الدين، وعلوم الدنيا. بل إنها جعلت العلوم الدنيوية التي تنفع من علوم الدين. وأما المتطرّفون فإنهم اقتصروا على بعض علوم الدين، فقصروا وغلطوا غلطًا فاحشًا. وأما المادّيُّون فإنهم اقتصَروا على بعض علوم الكون، وأنكروا ما سواها، فألحدوا ومرجَت أديانهم وأخلاقهم، وصارت علومهم حاصِلها أنها صنائع جوفاء، لا تزكي العقول والأرواح، ولا تغذي الأخلاق”.
وههنا يأتي السؤال: ما موقف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كتب العلوم النافعة؛ من التفاسير وشروح كتب السنة، وغيرها، والتي لا تخلو من وجود بعض الملحوظات على مؤلفيها؛ كالتأويل في باب الصفات، وبعض الهفوات الأخرى، التي تتعلق ببعض أبواب العقائد؟
يبيّن لنا هذا الموقفَ بجلاء الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، حين دخلت مكّة تحت حكم الإمام سعود بن عبد العزيز -رحمه الله-، وبسط نفوذ الدولة السعودية عليها عام 1218هـ، وذلك في وصيته لأهل مكة.
ومعرفة المصادر التي استقى منها علومه مهمّة جدًّا لمعرفة بنائه العلمي وتكوينه الفكري؛ لأنه يمثّل مدرسة سلفيّة اتُّهِمَتْ بالإقصاء للمخالف دون بيان المقصود بالمخالف، ولا نوع المخالفة و درجتها.
وهذه الرسالة مهمّة من ناحية أخرى: وهي أن الكتابة في المناهج تحتاج إلى استقراء، فالوقوف على الجزئيات والمواقف الفردية قد لا يكفي في التقعيد للمنهج، إلا أن الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب -وقد رافق والده واستقى من علومه وفهم منهجه- جاء ليلخِّص لنا هذا المنهج، فهو اختصار لجهود علمية كبيرة، وتلخيص لمسيرة إصلاحية طويلة؛ لذا كانت قيمتها عظيمة.
أورد الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى أهل مكة قوله: “ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجَلِّها لدينا: تفسير ابن جرير، ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذا البغوي، والبيضاوي، والخازن، والحداد، والجلالين، وغيرهم.
وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين: كالعسقلاني، والقسطلاني على البخاري، والنووي على مسلم، والمُناوي على الجامع الصغير.
ونحرص على كتب الحديث، خصوصًا الأمهات الست وشروحها، ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون: أصولًا، وفروعًا، وقواعد، وسيرًا، ونحوًا، وصرفًا، وجميع علوم الأمة“.
هذه هي المراجع التي يعتمِد عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وعلماء الدعوة من بعده، والمنهج الذي يسيرون عليه.
ولنا مع هذا النص عدة وقفات:
الوقفة الأولى: هذه الرسالة بمضمونها جاءت بيانًا للمنهج الذي عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة في نجد وأتباعهم، وقد قرأها علماء مكة، وتناقشوا حول بعض القضايا، وأقروا بما فيها.
قال الشيخ سليمان بن سحمان أثناء تعريفه بها: “فأجاب -رحمه الله- بما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، وهو الذي نعتقده وندين الله به؛ لكي يعلم إخواننا الموحّدون ما نحن عليه وأئمتنا ومشايخنا، وأنا على ما كان عليه سلف هذه الأمة وأئمتها في الأصول والفروع”.
وقال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ عن أهمية هذه الرسالة: “ونحن نوردها بكاملها في هذا الموضع من الترجمة لعظيم فائدتها، ولاشتمالها على معاني دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب“.
الوقفة الثانية: نسب ابن سحمان هذا الكلام إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتبعه د. عبد العزيز بن عبد اللطيف نقلًا عنه في دعاوى المناوئين، كلاهما من قوله: “ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا تفسير محمد بن جرير الطبري ومختصره لابن كثير الشافعي…”.
ولم أقف على هذا النقل عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بنصه، والمشهور أنه لابنه الشيخ عبد الله، وقيل: قد اختصره من رسائل والده؛ كما نص على ذلك محمد بشير الهندي حيث يقول: “قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في رسالة اختصرت من الرسائل المؤلفة للشيخ محمد بن عبد الوهاب“.
وينبه إلى أنه لم يبين تفاصيل تلك الرسائل، إلا أن الذي ذكره الشيخ عبد الله في مقدمة رسالته لأهل مكة من قوله: “ثم دفعت لهم الرسائل المؤلّفة للشيخ محمد في التوحيد المتضمّنة للبراهين، وتقرير الأدلة على ذلك بالآيات المحكمات والأحاديث المتواترة، مما يثلج الصدر، واختصر من ذلك رسالة مختصرة للعوام...” إلخ لا يدلّ على أن كل ما بعده مختصر من رسائل والده، بل الظاهر أنه يقصد بالرسالة المختصرة “القواعد الأربع” التي سيذكرها، فهي من رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب قطعًا.
والحاصل: أن هذه الوصية في الاستفادة من كتب أهل العلم سواء ثبتت نسبتها إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو لم تثبت فإنها لا تغير من المنهج شيئًا.
فالشيخ محمد بن عبد الوهاب من خلال مسيرته العلمية ظاهر أنه على هذا المنهج في الرجوع إلى المصادر العلمية، ومما يؤكد ذلك عدة أمور:
الأول: أن ابنه الشيخ عبد الله إنما قصد بيان منهج والده وما يدعو إليه؛ كما نص على ذلك ابن سحمان.
الثاني: أن ابنه درس على والده، وكان تحت مرأى منه، ولم يحذّره من الاستفادة من هذه الكتب، ولم ينقل عنه ذلك.
الثالث: أنه قد قرأ كثيرًا من كتب هؤلاء الأئمة وغيرهم، بل لديه علم بكتب أئمة المذاهب، وربما أحالهم إلى كتبهم المعتمدة.
– من ذلك قوله: “أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي والشافعي والحنبلي، كلٌّ أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم. فلما أبوا ذلك نقلت كلام العلماء من كل مذهب لأهله، وذكرت كل ما قالوا، بعدما صرحت الدعوة عند القبور، والنذر لها، فعرفوا ذلك، وتحقَّقوه، فلم يزدهم إلا نفورا”.
– ويقول أيضًا: “الكتب عندكم انظروا فيها، ولا تأخذوا من كلامي شيئًا، لكن إذا عرفتم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم فاتبعوه ولو خالفه أكثر الناس”.
– وقد أنكر على سليمان بن سحيم حين اتَّهمه بأنه مبطِل كتبَ المذاهب الأربعة، وبيَّن أنه افتراء عليه، وقال: سبحانك هذا بهتان عظيم. وهذا يدلُّ على تعظيمه لكتب أولئك الأئمَّة الأعلام وأتباعهم.
– ويقول أيضًا: “مع أنك إذا طالعتَ في كتابٍ من كتب أهل الكلام -مع كونه يزعم أن هذا واجبٌ على كلّ أحد، وهو أصل الدين- تجد الكتاب من أوله إلى آخره لا يستدل على مسألة منه بآية من كتاب الله، ولا حديث عن رسول صلى الله عليه وسلم، اللهم إلا أن يذكره ليحرفه عن مواضعه، وهم معترفون أنهم لم يأخذوا أصولهم من الوحي، بل من عقولهم، ومعترفون أنهم مخالفون للسلف في ذلك؛ مثل ما ذكر في فتح الباري في مسألة الإيمان على قول البخاري: وهو قول وعمل”.
وهذا دليل واضح على اعتنائه واطلاعه على فتح الباري لابن حجر، والأمثلة في هذا الباب كثيرة.
الرابع: أن والدَه قد نشأ على تنوُّع القراءة في الكتب، وكذا تنوُّع المشارب في الأخذ عن الشيوخ؛ فكان في صغره كثيرَ المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه، ومعرفة نواقضه المضلّة عن طريقه، ثم بعد ذلك أصَّل في العلم وسار، وجدَّ في الطلب إلى ما يليه من علماء الأمصار، فزاحم العلماء الكبار، وأشرق طالِعُه واستنار، وصار لهلاله أقمار، فوطئ الحجاز والبصرة لذلك مرارًا، وأتى الإحساء لتلك الأوطار، وأخذ العلم عن جماعة، منهم: الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المدني، وأجازه من طريقين… وقد سمع $ الحديث والفقه من جماعة بالبصرة كثيرة، وقرأ بها النحو وأتقن تحريره، وكتب الكثير من اللغة والحديث في تلك الإقامة.
قال ابن قاسم: “أخذ العلم عن عدَّة مشايخ أجلاء وعلماء فضلاء؛ ففي نجد عن أبيه وغيره، وفي المدينة عن الشيخ العالم محمد حياة السندي المدني، وعن الشيخ إسماعيل العجلوني، وغيرهما، وأخذ عن الشيخ علي أفندي الداغستاني وغيره”.
وبعض من ذكر من شيوخه فيه نظر، كما نبه على ذلك مؤلف “محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم”.
ومن شأن هذا التنوع في الشيوخ الاطلاع على الآراء المختلفة، وعلى المدارس العلمية الأخرى ومؤلفاتها.
الخامس: أن والده قد أجيز بكثير من هذه الكتب وغيرها.
قال ابن قاسم: “أجازه محدثو العصر بكتب الحديث وغيرها”، فمن شيوخ والده: الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي المدني، ذكر صاحب “التوضيح عن توحيد الخلاق” أنه قرأ عليه وأجازه بكل ما حواه ثبت الشيخ عبد الباقي أبي المواهب الحنبلي قراءة وتعليمًا من صحيح البخاري بسنده إلى مؤلفه، وصحيح مسلم بسنده إلى مؤلفه، وشروح كل منهما، وسنن الترمذي بسنده، وسنن أبي داود بسنده، وسنن ابن ماجه بسنده، وسنن النسائي الكبرى بسنده، وسنن الدارمي ومؤلفاته بالسند، وسلسلة العربية بسندها عن أبي الأسود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكتب النووي كلها، وألفية العراقي، والترغيب والترهيب للمنذري، والخلاصة لابن مالك، وسيرة ابن هشام وسائر كتبه، ومؤلفات ابن حجر العسقلاني، وكتب القاضي عياض، وكتب القراءات، وكتاب الغنية لعبد القادر الجيلي، وكتاب القاموس بالسند إلى مؤلفه، ومسند الإمام الشافعي، وموطأ مالك، ومسند الإمام الأعظم، ومسند الإمام أحمد، ومسند أبي داود -أي: الطيالسي- ومعاجم الطبراني، وكتب السيوطي، وفقه الحنابلة وسلسلته وأصولهم.
السادس: أن والده يعلم قدر العلماء، ويحترم من لهم قدم صدق وبذل في العلم، يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن ابن حجر الهيتمي وكتبه: “ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحَّت ديانته، وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمّة، ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتآليف فيها، وإن كان مخطئًا في هذه المسألة أو غيرها؛ كابن حجر الهيتمي، فإنا نعرف كلامه في الدرّ المنظم، ولا ننكر سمةَ علمه؛ ولهذا نعتني بكتبه، كشرح الأربعين، والزواجر، وغيرها، ونعتمد على نقله إذا نقل لأنه من جملة علماء المسلمين”.
فهو -رحمه الله- يعلم أن ابن حجر الهيتمي من متأخري الشافعية، وعليه ملاحظات في العقيدة، إلا أنه أنصفه في الحكم عليه والاستفادة منه.
وهذا هو المنهج الذي سار عليه أحفاده من بعده، فقد وجدنا مكانة الحافظ ابن حجر العسقلاني عند أئمة الدعوة تليق بمقامِه في العلم، من ذلك ما ذكره الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في مقدمة شرحه لكتاب التوحيد، يقول: “وحيث أطلقت: شيخ الإسلام فالمراد به الإمام أبو العباس ابن تيمية، والحافظ فالمراد به أبو الفضل بن حجر العسقلاني، صاحب (فتح الباري) وغيره”.
وبعد: فهذه ست قرائن تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يطّلع على كتب أهل العلم من شتى المذاهب وفي شتى الفنون، ويستفيد منها، وأن مصادر المعرفة ومواردها متنوعة لديه؛ مما أهَّله لفهم كلام أهل العلم ومراداتهم.
الوقفة الثالثة: الكتب التي استعان بها الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في تكوينه العلمي هي من جملة كتب أهل السنة، وإن كان بعض أصحابها قد وقعوا في تأويلات الأشاعرة في باب الصفات وغيرها، وهذا يدل على التسامح مع المخالفين، والاستفادة من علومهم، ومعرفة قدرهم، وعدم هجر مؤلفاتهم النافعة؛ إذ هي طريق لفهم الشريعة، ولا إشكال في أن يستفيدوا منها، ويتجنبوا ما وقعوا فيها من أخطاء واجتهادات، وهكذا الشأن في كل العلوم.
أولا: كتب التفسير:
ففي التفسير ذكر رحمه الله: تفسير ابن جرير، ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذا البغوي، والبيضاوي، والخازن، والحداد، والجلالين، وغيرهم.
وإذا ما تجاوزنا تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن فإننا نجد تفسير البيضاوي والحداد والجلالين فيها ما فيها من نَفَس الأشعرية، ومع هذا لم تُترك، بل ظلَّت من المراجع المهمَّة التي يستعان بها على فهم كلام الله تعالى.
أضف إلى ذلك: أن هذه المراجع المذكورة ليست حَصرًا، فقد قال في خاتمتها: (وغيرهم)، أي: وغير هؤلاء المذكورين من المفسرين.
ولو أردنا أن نستعرض منهج هذه الكتب من التفاسير؛ لطال بنا المقام، وهي تفاسير مشهورة متداولة معروفة.
ثانيًا: كتب الحديث:
قال رحمه الله: “وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين: كالعسقلاني، والقسطلاني على البخاري، والنووي على مسلم، والمُناوي على الجامع الصغير”.
وقال أيضًا: “ونحرص على كتب الحديث، خصوصًا الأمهات الست وشروحها”.
فها نحن أمام شُرَّاح الحديث المبرّزين، الذين لا تخلو كتبهم من وجود بعض المخالفات العقدية؛ فالنووي والعسقلاني والقسطلاني والمناوي مذهبهم في مسائل العقيدة التأويل غالبًا على طريقة المتأخرين من الأشاعرة، بالإضافة إلى أن المناوي كان يصرّح بانتسابه للصوفية، وكان مقرًّا لبعض شطحاتهم وهناتهم، ومع ذلك فهو يخالفهم في مسائل، ويرد عليهم، ويحتجّ بمخالفتهم لنصوص القرآن والسنة.
ومع هذا كلّه لم يمنع أئمةُ الدعوة الاستفادةَ من علومهم، والنهل من معينها، مع علمهم بوجود تلك المخالفات العقدية.
ثالثًا: الكتب في سائر الفنون:
قال رحمه الله: “ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون: أصولًا، وفروعًا، وقواعد، وسيرًا، ونحوًا، وصرفًا، وجميع علوم الأمة”.
يفهم منه: الاستفادة من عموم كتب أهل العلم، وأنَّ هذا هو المنهج المتَّبع، وما عداه استثناء، فالأصل الاعتماد على سائر الكتب في سائر الفنون، ما لم يتّضح الخلل فيها، ولا أرى أن هناك عبارةً أوضح مما ذكره؛ لإبراز مرونة التعامل مع المصادر المختلفة.
وهذه المصادر المتنوّعة لو تأملناها اليوم، بعد مرور عدة قرون من هذه الدعوة المباركة؛ لوجدنا نتيجتَها ماثلةً أمامنا، فأتباعُ هذه الدعوةِ مِن أشدِّ الناس حِرصًا على نَشر الكتب وفي شتّى الفنون، وعلى أوسع نطاق، بل هُم مِن أوسع الناس اطِّلاعًا على كلام أهلِ العلم، وأكثرهم تأليفًا وتصنيفًا، بل وأكثرهم متابعة للقضايا التي تمسُّ الجديد من النوازل الفقهيّة والعقديّة، وما تصدّيهم لموجة الإلحاد من خلال المؤلفات التي أثبتت حضورَها في النقاشات والاحتجاجات بالبراهين النقلية والعقلية إلا دليل ما ثلٌ على قدرة المواجهة لكلّ ما يمسّ عقائد الناس.
وهذا ما يجعل نشرَهم لكتب أهل العلم -مع ما فيها من ملحوظات- لا يخيفهم ولا يرهبهم؛ فهم يملكون أدواتِ الرد على الباطل وبيان الحق، فمن كان هذا حاله لا يخشى هشاشة الشبَه المهترئة، مع ما يملك من صرحٍ علميٍّ شامخ البناء.
وبعد هذا التطواف حول المصادر التي استعان بها أئمة الدعوة في تأصيلهم العلمي، والانفتاح لكتب أهل العلم، وفي سائر الفنون، هل يمكن أن نتقبل بسهولة من يتَّهمهم بإتلاف مؤلفات كتب المخالفين لدعوتهم، هكذا بإطلاق؟!
وهذا ما يجرّنا إلى التهمة الثانية التي قصدنا بيان حقيقتها في هذه الورقة العلمية، وهي: ما موقف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الكتب المخالفة؟
وهذا يجرنا إلى تساؤلات عدة: ما الكتب المخالفة؟ وما محتواها؟ وكيف تعاملوا معها؟ وهل هناك حكم متَّفقٌ عليه حول هذه الكتب؟
بيَّنَّا في بداية هذه الورقةِ أن الكتبَ المخالفة على مراتب، وأنَّ العلماءَ قد حكموا بإتلاف الكتب المضلَّة المضرَّة بدين الناس؛ ككتب السّحر والشعوذة، وكتب البدَع، ثم تطرَّقنا للكتب النافعة التي شابتها بعضُ الآراء المخالفة، وبيَّنَّا أن الأصلَ هو الاستفادة من العلم النافع الذي يجده القارئ في أيٍّ من هذه الكتب.
وبيَّنَّا كذلك أنه قد يحصُل الخلاف في التنزيل على الواقع وتحقيق المناط، إلا أن المنهج والتأصيل ثابت.
وكذا نؤكد: أنه متى وُجد المنهج فإنه يمكننا أن نحاكم تصرفات الأفراد والأتباع إليه؛ لأن الأتباع في كلّ مذهب وعبر الزمان والمكان منهم المخطئ ومنهم المصيب، ومنهم المتشدّد ومنهم المتساهل، ومنهم المتطرِّف المتعصِّب، ومنهم الوسط المعتدل، فلو ظلَلنا نرصد كلَّ تصرّفات الأتباع المخالفة لِمَا وضعه أئمّتهم من كلّ مذهب عبر التاريخ لخرجنا بمخالفات كثيرة جدًّا، وما استقام لنا نقاشٌ في أيّ قضية.
بل إن الدين الإسلامي بأكمله؛ بشرائعه وأوامره ونواهيه، لو بحثنا عمن يطبّقها كلّها في حياته لما وجدنا ذلك كثيرًا في أتباعه، فهل هذا يعني بطلان المنهج الذي جاء به الإسلام، أم أن الخلل حاصل في أتباعه؟!
فما موقف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من التعامل مع كتبِ المخالفين التي تدعو إلى البدعة أو تضرّ بعقائد الناس عمومًا؟
نجد أن الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب ووالده قد حسما هذه المسألة، ففي رسالة الشيخ عبد الله إلى أهل مكة ذكر موقف الدعوة في نجد من الكتب المخالفة، يقول: “ولا نأمر بإتلاف شيء من المؤلَّفات أصلًا، إلا ما اشتمل على ما يوقع الناس في الشرك، كروض الرياحين، أو يحصل بسببه خلل في العقائد، كعلم المنطق، فإنه قد حرَّمه جمع من العلماء، على أنّا لا نفحص عن مثل ذلك، وكالدلائل، إلا إن تظاهر به صاحبه معاندًا، أتلف عليه، وما اتّفق لبعض البدو في إتلاف بعض كتب أهل الطائف، إنما صدر منه لجهله، وقد زُجر هو وغيره عن مثل ذلك”.
ولنا مع كلامه عن الكتب المخالفة عدة وقفات:
الوقفة الأولى: أن الحكم العامّ هو عدم إتلاف شيء من مؤلفات أهل العلم.
الوقفة الثانية: الصنف الذي يجِب أن يتلَف هو ما اشتمل على ما يوقع الناس في الشرك، أو يحصل بسببه خلل في العقائد.
ثم يأتي الخلاف بعد ذلك -كما ذكرنا سابقا- في تحقيق المناط أو في المثال: هل هذا الكتاب منه أم لا؟
فنحن نسأل المُتَّهِمِين أولًا: ما رأيكم في الكتب التي توقع الناس في الشرك، أو يحصل بسببها خلل في العقائد؟
فإن قالوا: نعوذ بالله منها. إذن نقول: اتَّفقنا وإياكم على الأصل، بل إن هذا الأصل متفق عليه؛ كما سبق أن بيَّنَّا أقوال أهل العلم من كلّ المذاهب في أول البحث.
وإن قالوا: لا إشكال فيها، فقد خالفوا ما عليه العلماءُ من شتى المذاهب.
ثم يحصُل الخلاف بعد ذلك في بعض الأمثلة، والخلاف في المثال -كما يقال- لا يعترض؛ لأنه يكفي في صحة التمثيل به مجرد الاحتمال.
وقد مثَّل الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الكتب التي توقع الناس في الشرك بـ: روض الرياحين. فما محتوى هذا الكتاب؟
“روض الرياحين في حكايات الصالحين” لأبي السعادات عبد الله بن أسعد اليافعي (ت 768 هـ). ذكر فيه صاحبه منامات الصالحين، وضمَّنه مخالفاتٍ ظاهرات وعبارات فيها غلوّ في الصالحين، وفي أعيان المتصوفة المتأخرين.
ففيه مثلا (ص: 229): جواز الدروشة والذكر المبتدع.
وفيه (ص: 176): أن الله باهى موسى وعيسى -عليهما السلام- بأبي حامد الغزالي.
وفيه (ص: 169): تصريح بالكشف.
وفيه (ص: 34-35): مجالسة شيبان الراعي مع الشافعي وأحمد، وهو خبر كاذب.
هذه نبذة عن بعض الأخطاء العقدية في “روض الرياحين”، ومع هذا فإنَّ هذه التهمةَ أوّل من ذكرها سليمان بن سحيم، حيث اتّهم الشيخ بأنه يحرق “دلائل الخيرات”، و”روض الرياحين”، ويسميه: روض الشياطين.
فأجاب عن هذه المسائل وغيرها مما اتُّهم به بقوله: سبحانك هذا بهتان عظيم!.
وهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب بنفسه يتبَرَّأ من أن يكونَ قد قام بهذا العمل.
قد يقول قائل: ما دام أن الشيخ عبد الله ذكر بأن الإتلاف يحصل في الكتب الداعية إلى الشرك كـ”روض الرياحين”؛ فإننا لا نحتاج إلى إثبات من قام به.
نقول: نعم، هذا صحيح، إلا أننا لا بد أن نعقل كذلك أن الإتلاف يحصل بأمور أخرى غير الحرق، ولا يلزم أن يكون كلها حرقًا. بل إن من طرق إيقاف هذه الكتب: عدم الإعانة على بيعها وتسهيل نشرها؛ حتى لا تتداولها الأيدي.
وبعد أن بيَّنَّا بعض المخالفات الواردة في كتاب “روض الرياحين”، نريد أن نؤكّد بأن من يرى أن هذه المخالفات مؤثرة في عقيدة الناس وإضلالهم، فلا يجوز له بيعها، ولا يلام إذا حذر الناس منها، بل ذلك واجب عليه، فهي مخالفات صريحة لدين الله عز وجل الذي أرسل به رسوله.
وننوِّه كذلك: بأن الإتلاف بالحرق -إن حصل- ليس من خصائص الدعوة السلفية، بل حتى العلماء المخالفين لمذهب أهل السنة لديهم فتوى بإحراق كتب أهل السنة، لكنه إحراق وإتلاف بالباطل، وهذا هو الفرق بينهما.
بل إن كثيرًا من الأمم الكافرة عبر التاريخ قامت بإتلاف كتب المخالفين لها، وكذا ما قام به الحكام المسلمون عبر القرون، فليست القضية خاصة بالسلفية، وإن كان معظم ما أتلف من الكتب سببها الخلاف العقائدي.
وهناك كتاب آخر اتُّهِم الشيخ محمد بن عبد الوهاب بإحراقه، وهو: “دلائل الخيرات” للجزولي.
وهو كتاب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مملوء بالمخالفات الشرعية والعبارات الشركية والأحاديث الضعيفة والموضوعة. وقد سلَّط الضوء على كثير من المخالفات في هذا الكتاب الشيخ محمود الإستامبولي في كتابه “كتُب ليست من الإسلام“، وعلق عليها.
والمطالع المنصف في هذه المخالفات التي ذكرها الإستامبولي يرى هولَ ما وقع فيه مؤلفه وبشاعة ما أورده؛ وإن تعجب فعجب لأولئك الذين يحاولون الدفاع عنها!
فهو كتاب مليء بالمخالفات الشرعية، وقد أدرك الشيخ محمد بن عبد الوهاب تلك الأخطاءَ وخطورتها على عقائد الناس، إلا أنه لم يأمر بحرقه، وقد ردَّ على ابن سحيم لما افترى عليه ذلك، وبيَّن سبب انتشار ذلك عنه، وقال: “وأما (دلائل الخيرات) وما قيل عني: أني حرقتها، فله سبب، وذلك أني أشرت على من قبل نصيحتي من إخواني أن لا يصير في قلبه أجلَّ من كتاب الله، ولا يظنّ أن القراءة فيه أفضل من قراءة القرآن. وأما إحراقها والنهي عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي لفظ كان فنسبة هذا إليَّ من الزور والبهتان”.
بناء على هذا النص الصريح للشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه لم يحرق “دلائل الخيرات” احتج الشيخ محمد بن إبراهيم على خصومه، حيث يقول: “وكان [الشيخ محمد بن عبد الوهاب] يذكر أن ما ينسب إليه من إحراق كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أصل، إلا أنه نصح بعض من يتعلق بكتاب (دلائل الخيرات) بأنه لا يصير هذا الكتاب أجلَّ في قلبه من كتاب الله، فيظن أن القراءة فيه أنفع من قراءة القرآن. ورغم هذه الافتراءات أبى الله إلا أن يظهر الحق ويبطل الباطل، ويعلي الدعوة التي حاول أولئك المبطلون التنفير عنها بمثل تلك الإشاعات الباطلة”.
ومن أهداف الخصوم من إشاعة هذه التهمة: إشعار الناس بأن وسيلة الحرق والإتلاف اتَّخذتها الدعوة السلفية لعدم قدرتها على مواجهة الحجة بالحجة، وهذا كذب وافتراء، فمن طالع رسائل الدعوة في نجد، ومن قبل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وأتباع هذا المذهب إلى اليوم يَجدهم من أكثر الناس ردًّا على الشّبَه الباطلة والمناهج المنحَرفة والمذاهب الفكرية الوافدة.
وكذا بخصوص “دلائل الخيرات”: أرادوا النيل من الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ بإظهاره للناس أنه كاره للرسول صلى الله عليه وسلم -وحاشاه-؛ لذا قام بحرق الكتاب، فظنوا أن هذه التهم كافية لإبعاد الناس عن إصلاحاته.
الوقفة الثالثة: ما حصل من أتباع أئمّة الدعوة من حرق للكتب.
وأما ما حصل من أتباع هذه الدعوة من حرق للكتب فقد أنكره الشيخ عبد الله؛ لأنه مخالف للمنهج الذي يسيرون عليه، فقد قال: “وما اتّفق لبعض البدو من إتلاف بعض كتب أهل الطائف، إنما صدر منه لجهله، وقد زُجِر هو وغيره عن مثل ذلك”.
الوقفة الرابعة: العلم الذي يرى الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب إتلاف كتبه هو المنطق.
ولا يخفَى على كلِّ ذي لبٍّ أنَّ هذه المسألة مبنية على حكم تعلّم علم المنطق، وقد أفتى ابن الصلاح والنووي بتحريمه، ثمّ اختلف أهل العلم هل كتب المنطق كلها محرمة أم أنّ الذي حرّمه العلماء هو ما كان فيه فلسفة وأمور تضرّ بدين المسلم؟
وقد بيَّن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب سبب حكمه بإتلاف كتب المنطق، وهو أنه يحصل بسببه خلل في العقائد؛ ولهذا حرمه جمع من العلماء.
ولا شكَّ أنَّ الذي يسبِّب خللًا في العقائد هو ما كان مشتملًا على الفلسفة اليونانية الباطلة، وهذا ما وجَّهه رشيد رضا كما في تعليقه على حاشية هذه الرسالة في الهدية السنية.
وعلَّق رشيد رضا أيضًا بقوله: “الذي تلقّيناه عن مشايخنا أن المنطق الذي اختلفوا فيه هو منطق اليونان الذي نقل في عهد المأمون؛ إذ كان في كتبه من المسائل والأمثلة ما يخالف الإسلام، وربما يكون شبهة عليه”.
وذكر رشيد رضا أن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ قد درس علم المنطق، رغم أن والده كان يفتي بتحريمه.
وذكر الشيخ نعمان خير الدين الألوسي (1317 هـ) أن أخاه الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (حفيد إمام الدعوة) قد تعلم علم المنطق في الهند، وذلك في وصيته له بتعليم علم المنطق وغيره من العلوم التي تعلمها في الهند إذا رجع إلى دياره في نجد، وحذّره من إهمال علمَي المنطق والنحو، وعلل ذلك قائلًا: “وذلك لأنّ عبارات كثير من الكتب الآن مملوءة من الاصطلاحات المنطقية والقواعد النحوية، ومن المعاني والبيان، فإذا جهل العالم هذه العلوم يفوته كثير من التبيان، ومن إذا قرأ منه شيء يعين على فهم عبارات المتأخرين فلا بأس. فهذا شيخ الإسلام أبو العباس كتبه ومؤلفاته مملوءة من المنطق والردّ عليه، ومن الحكمة والردّ على الحكماء؛ لإظهار حقيقة الشريعة المطهرة، فلو لم يعرف هذه العلوم كيف كان يمكنه الرد عليهم وفهم باطل كتبهم؟!
لكن، لا أقول: إن الإنسان يتضلَّع من الفلسفة والمنطق والهيئة ويترك علوم الدين مثل جمّ من المحصلين، فهذا -والعياذ بالله تعالى- وبالٌ وحُمق وضَلال، فالحريّ بكم تحصيلُ شيءٍ من علومِ الرسوم لتدرّسوها في نجد -إن شاء الله تعالى- لأصحاب الفهوم، وهؤلاء آباؤكم المرحومون تأليفاتهم مملوءة من العلم العقلي والنقلي، ولولا ذاك لما تسلَّطوا بالبحث مع المخالفين بهذه الدرجة”.
وهذه القرائن ممَّا يقوِّي أن تحريمَ المنطق لم يكن على إطلاقه، بل المراد منه المنطق المشوب بالفلسفة، وهو المضرّ بالعقيدة.
وعلى الاحتمال الآخر -وهو تحريم المنطق على عمومه- نرى أن أتباع هذه الدعوة يرون أهمية تعلُّمه والاستفادة منه؛ لفهم كلام أهل العلم، وللرد على المخالفين لعقيدة السلف الصالح؛ كما وصى بذلك الألوسي.
وبهذا يتبيَّن لنا مرونة التعامل مع الآراء المخالفة، حتى على القول بتحريم علم المنطق، إلا أن تعلّمه والاستفادة منه لفهم كلام أهل العلم ومعرفة حججهم لم يكن هاجسًا لدى أتباع أئمة الدعوة، ونحن نرى أتباعها اليوم يبَرّزون في هذا الميدان، ويخوضون فيه بعلم، والحمد لله على توفيقه.
ومع ذلك لا أعرف أن إتلافَ كتب المنطق بشتّى صنوفه كان عملًا مسلوكًا لدى أئمة الدعوة رحمهم الله.
وهذا الموقف من علم المنطق الذي كان عليه أئمة الدعوة شاركهم فيه غيرهم ممن كانوا في عصرهم، مع اختلاف في التعامل معه، فقد جاء في “النبوغ المغربي” لعبد الله كنون أن السّلطان أصدَر مرسومًا ملكيًّا سنة 1203هـ في إصلاح المنهج التعليمي بالمغرب، وألزم العلماء والوعاظ به، وتوعّد بالعقوبة كلّ من خالفه، ومما جاء فيه: “ومن أراد علم الكلام فعقيدة ابن أبي زيد رضي الله عنه كافية شافية، يستغني بها جميع المسلمين”. ثم قال: “ومن أراد أن يخوض في علم الكلام والمنطق وعلوم الفلاسفة وكتب غلاة الصوفية وكتب القصص فليَتَعَاطَ ذلك في داره مع أصحابه الذين لا يدرون بأنهم لا يدرون، ومن تعاطى ما ذكرنا في المساجد ونالته عقوبة فلا يلومنَّ إلا نفسه، وهؤلاء الطلبة الذين يتعاطَون العلوم التي نهينا عن قراءتها ما مرادهم بتعاطيها إلا الظهور والرياء والسمعة، وأن يُضلّوا طلبة البادية”.
نأخذ من هذا الموقف خطورة الخوض في هذه العلوم، خاصّة من غير المتخصّص في الشريعة؛ إذ يعتبر ضربًا من المجازفة في ديانة المسلم؛ لذا أمر من يريد أن يتعاطى ذلك العلم أن يكون في مكان منعزلٍ عن عامّة الناس، ولا يكون في المساجد.
وقفتان لا بد منهما:
الأولى: أنَّ ظاهرة حرق الكتب عبر التاريخ لا تدلّ بالضرورة على أن الكتب المحروقة كلها كتب ضلال وإفساد، فقد قامت الفرق الأخرى كذلك بحرق كتب أهل السنّة، وهذا يجعلنا نتريَّث ونسأل قبل الحكم على أي كتاب حُرق: ما محتواه؟ وما الذي اشتمل عليه؟ وما مدى خطورته على معتقدات الأمة؟
فبمعرفة الأسباب الداعية للحرق يمكننا أن نفرّق بين الحرق بحقّ أو بباطل، وبين اتباع الهوى ونور العلم، وعلى طالب العلم التمييز بين هذا وذاك.
ومن يتأمّل التاريخ يجد أن خصوم الدعوة السلفية قد بلغ بهم الأمر في بعض البلاد الإسلامية أن يصادروا ويحرقوا كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأنصاره، بل ويطاردوا الأشخاص الذين يعتبرونهم “وهابيّين”، ويسجنونهم، ويغرون بهم العامّة، وقد يضربونهم، فأكثر الناس لا يعرفون من الوهابية إلا أنها مذهب آخر لا يقرّه الإسلام، وهذه الأفعال والصنائع لا تستغرب من أهل البدع، فكم سجّل التاريخ من ظلم واعتداء على الإمام أحمد وعلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى.
الثانية: ما أوردناه في هذا البحث من التقعيد في التعامل مع الكتب المخالفة هو الأصل الذي عليه منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، ولا يخلو في التاريخ عبر القرون من وجود شواذّ الفتاوى والأفعال، بل ولا ننفي وقوع خلاف ذلك في أي طبقة من الأتباع، ولكن حسبنا أنه خطأ، ويبيَّن، ولا يقرّ عليه، ويبقى أنه خطأ محدود أمام صواب ممدود، والعاقل من يزن الأمور بموازين العدل والإنصاف.
والحمد لله رب العالمين
نشر :