السلفيون (الوهابيون) والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم!

مركز سلف للبحوث والدراسات
 
الحمد لله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.

أما بعد، فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال الصالحة التي يتقرب العبد بها إلى ربه، وأكثرها بركة ونفعًا في الدنيا والآخرة، وقد حرص سلفنا الكرام على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأوقات، ورغبوا فيها، واستمر أتباعهم على ذلك إلى يوم الناس هذا، ومع ذلك لم يسلموا من كيل الاتهامات لهم بالباطل، تارة بأنهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة بأنهم يحرِّمون الصلاة والسلام عليه، وتارة…وتارة…إلخ. وقائمة الاتهامات بالباطل لا تنتهي.

وقد نهى الله تعالى عن اتهام الناس بالباطل؛ فقال سبحانه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، أي: لا ترم أحدًا بما ليس لك به علم.

كما زجَر النبي صلى الله عليه وسلم عن التحديث بكل ما سمع الإنسان؛ فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب؛ لإخباره بما لم يكن؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

وفي هذه المقالة نعرض لواحدة من الأراجيف التي يلقيها أعداء دعوة التوحيد التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وأتباعه، حيث اتهمهم أعداؤهم بأنهم يمنعون الناس من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بل وينزلون بهم إذا فعلوا ذلك العقاب.

وهذه فرية قديمة -قدم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب– وقد تصدَّى لردها وبيان زيفها بعض المنصفين، وسطر ذلك في شهادته على هذا الأمر؛ يقول الأستاذ محيي الدين رضا: “همس في أذني بعض الحجاج المصريين ونحن في الباخرة (كوثر) في العام الماضي [يعني: في عام 1353 هـ] أثناء تأديتي فريضة الحج: إن الوهابيين يمنعون الناس من الصلاة على النبي، وإذا صلى أحدٌ عليه أمامهم أنزلوا به عقابًا شديدًا.

فقلت له: هذا وهم؛ يود إذاعته بعض رجال السوء من القالين للوهابيين.

فقال: بل هو عين الحقيقة، وسترى الأمر بنفسك”.

ولم يأل الكاتب جهدًا في التثبت من هذه الاتهامات بحياد تام، ومن مظاهر ذلك أمور:

لما قابل الكاتب الملك عبد العزيز آل سعود في يوم 12 مارس [أي: في يوم الثلاثاء من عام 1935م = يوافقه يوم 7 من شهر ذي الحجة من عام 1353 هـ]، وكان أحد العلماء يتلو عليه تفسير القرآن، فلما انتهى المفسر أخذ الملك عبد العزيز في سرد طائفة من فضائل الدين الإسلامي الحنيف، وكان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتبع اسمه بالصلاة عليه ولا يغفل عن الصلاة عليه مرة مطلقًا.

ثم قابل الكاتب الشيخ النجدي عبد الله بن بليهد، فقدَّم الشيخ إليه رسالته “جامع المسالك في أحكام المناسك”، يقول الكاتب: فلحظت أن الشيخ ابن بليهد يلتزم ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل مرة يرد اسمه فيها.

فقال الكاتب للشيخ ابن بليهد: إن بعضهم يتهم الوهابيين بإهمال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك أراكم التزمتم إيراد الصلاة عليه في كل مرة يرد اسمه الشريف فيها، بينما نرى غيركم لا يلتزم ذلك، وبعضهم يضع حرف (ص) أو حروف (صلعم)، فقال الشيخ ابن بليهد: إن وضع هذه الحروف قبيح، والواجب أن يتبع اسم النبي بالصلاة عليه، كما التزم ذلك العلماء الموثوق بهم، وأورد أسماء طائفة من العلماء المتقدمين وما قالوه في هذا الباب مما لا يحضرني الآن؛ لأنني أكتب هذه الكلمة بعد مضي نحو ثلاثة أشهر على المقابلة.

يقول الكاتب: ولما قابلت الملك عبد العزيز في قصره بمكة في يوم 19 مارس الماضي [أي: يوم الثلاثاء من عام 1935م = الموافق 14 من شهر ذي الحجة من عام 1353 هـ] مع وفد الصحافة، وتحدثنا مع جلالته وكنت أطرح الأسئلة عليه، قلت لجلالته: إنني ألحظ أنكم تصلون على النبي في كل مرة يرد ذكره فيها، ومع ذلك نرى بعضهم يتهم الوهابيين بعدم الصلاة على النبي، فقال الملك: هذا أمر غريب جدًّا، كيف لا نصلي عليه؟! ومن الذي نحبه بعد الله أكثر من نبينا صلى الله عليه وسلم، فوالله إنه أحب إلينا من كل شيء، وإنا نغار عليه، وندافع عن دينه، كما نغار على حريمنا وأكثر…فهل بعد ذلك يقال عنا أننا لا نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي جاء بالدين الحق الذي ندين الله به؟!

يقول الكاتب: وفي المدينة المنورة قابلت حضرة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم أمير المدينة، ولاحظت أنه يلتزم الصلاة على النبي أيضًا، فنوهت باتهام بعضهم للوهابيين بترك الصلاة عليه، فانطلق يسفِّه مزاعم أولئك، ويفصِّل القول بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومما قاله: إننا معشر الوهابيين نعتبر الصلاة والسلام عليه في الصلاة ركنًا من أركان الصلاة لا تتم إلا به، بينما بعض المذاهب لا يعتبرها
ركنًا، وهذه حجة دامغة للمزاعم الباطلة.

ثم واصل الكاتب حديثه إلى أن قال: أجمعت قولاً وكتابة على أن ما رُميت به الوهابية محض افتراء، وإفك وبهتان.
كلام الشيخ محمد وأتباعه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

تعالوا معًا نكشف السِّتر عن كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه حول الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وما قاله أتباعه عن ذلك:

كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

أشاع أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عنه بعض الشائعات والافتراءات، ومنها:

يقول الشيخ: “فما ذكره المشركون عليَّ أني أنهى عن الصلاة على النبي، أو أني أقول: لو أن لي أمرًا، هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أني أتكلم في الصالحين، أو أنهى عن محبتهم، فكل هذا كذب وبهتان، افتراه علي الشياطين، الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل”.
ويقول أيضًا: “وأما دلائل الخيرات، وما قيل عني: أني حرقتها، فله سبب؛ وذلك أني أشرت على من قبل نصيحتي من إخواني: أن لا يصير في قلبه أجل من كتاب الله، ولا يظن أن القراءة فيه أفضل من قراءة القرآن، وأما إحراقها، والنهي عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي لفظ كان، فنسبة هذا إليَّ من الزور والبهتان“.

كلام ابنه عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:

وتعرض الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب لرد تلك الفرية، كما قرر منزلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

فقال في معرض رده على مناوئي دعوة والده الشيخ محمد بن عبد الوهاب: “وأما ما يكذب علينا -سترًا للحق وتلبيسًا على الخلق-:… وإنا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم…”.

وقال في معرض منزلة الاعتناء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: “وأما أحزاب العلماء المنتخبة من الكتاب والسنة، فلا مانع من قراءتها، والمواظبة عليها، فإن الأذكار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار، وتلاوة القرآن، ونحو ذلك، مطلوب شرعًا؛ والمعتني به مثاب مأجور، فكلما أكثر منه العبد كان أوفر ثوابًا…”.

كلام الشيخ عبد الله أبي بطين:

لما سئل الشيخ أبو بطين عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قنوت الوتر؟
أجاب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قنوت الوتر مستحبة، فقيل: وآله؟ فقال: لا بأس به، كما في التشهد.

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الصلاة:

قد بلغ الأمر عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في تعظيم قدر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلى درجة أن جعلوها ركنًا من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بها، وفيما يأتي بعض أقوالهم:

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: “وأركان الصلاة أربعة عشر: القيام مع القدرة…والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليمتان”.

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: “وأركانها [يعني: الصلاة] أربعة عشر: القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام… والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليم”.

ولو ذهبنا نستقصي جميع ما قالوه حول الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واستحبابها والأمر بها لطال بنا المقام، وحسبنا ما ذكرناه؛ ليتضح لنا بما لا يدع مجالًا للشك حجم الشائعات التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله– وبيان زيفها وبطلانها.

والله تعالى من وراء القصد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
نشر :