مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ (1)
عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
- الافتراء على الشيخ بادعاء النبوة
لقد أوضح الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله معتقده في مسألة ختم النبوة في مواضع من مؤلفاته، منها ما ورد في رسالته لأهل القصيم لما سألوه عن عقيدته فقال - بكل وضوح -:
(وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته).
ويقول أيضا في هذه المسألة:
(وأول الرسل نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم)( ) ويذكر الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسين في إحدى رسائله معتقد الشيخ الإمام في هذا المقام، فيقول:
(ويعتقد – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب – أن القرآن الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين وخاتم النبيين كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود..).
ويوضح صاحب كتاب جواب الجماعة معتقد الشيخ في هذه المسألة:
(ويؤمن – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب) بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته) ( ).
يتضح جلياً مما سبق ذكره اعتقاد الشيخ في مسألة ختم النبوة، كما أن أتباع الشيخ – من بعده – تحدثوا عن هذه المسألة في كتبهم ورسائلهم، ونورد منها هذه النماذج التالية:
يقول الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في إحدى رسائله:
(ونؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وأفضلهم).
ويقول صاحب كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق) في تلك المسألة:
(وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم بالنص والإجماع).
ويقول الشيخ أحمد بن مشرف الإحسائي (ت 1285هـ) – أشهر شعراء الدعوة السلفية – هذه الأبيات التالية حول ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم:
ثم جميع الأنبياء والرسـل *** بينهم تفاوت في الفضـل
لكنهم قد ختموا بالأفضل *** منهم نبيناً خاتم الرســل
فلا نبي بعده كـلاَّ، ولا *** مبشرا أو منذراً أو مرسـلا
فما لشرع دينه من ناسخ *** وما لعقد حكمه من فاسخ
ويمتدح الشاعر أحمد بن مشرف المصطفى صلى الله عليه وسلم - في قصيدة أخرى - ويذكر مسألة ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيقول:
هو خير الخلق طرّاً وبه *** للنبيين جرى ختم وفــتح
فبه قد بدئوا واختتـموا *** فهو كالمسك له في الختم نفح
وقد أورد الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالته التي بعثها إلى أهالي الحجاز وجنوب الجزيرة العربية، اعتقاد أئمة الدعوة السلفية في نجد، فكان مما قاله – رحمه الله – في مسألة ختم النبوة:
(ونؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين).
ويقول صاحب جواب الجماعة في هذه المسألة:
ثم ختم النبوة والرسالة بصفوة النبيين والمرسلين وصفوته من الخلق أجمعين {ما كان محمداً أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}.
وبهذه النقول المتعددة تكون مسألة ختم النبوة عند الشيخ وأتباعه قد اتضحت وبانت، فالنبوة قد ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا نبي بعده، والوحي قد انقطع، فهذه العقيدة مسلَّم بها لا يشوبها أدنى شكًّ أو ريب، وما سبق من نقول تأكيد بأن هذه المسألة ليست محلاً للنقاش والجدال عند أئمة الدعوة السلفية، ومادام هذا هو موقف الشيخ من مسألة ختم النبوة، فإنه من المناسب بيان موقف الشيخ ممن اعتدى وتجرأ على هذا الختم وزعم أنه نبي يوحى إليه.
يتحدث الشيخ عن أهل الرَّدَّة - بعد وفاة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم - فيقول:
(قتال أهل الردة: وصورة الردة أن العرب افترقت في ردتها فطائفة رجعت إلى عبادة الأصنام، وقالوا: لو كان نبياً لما مات، وفرقة قالت نؤمن بالله ولا نصلي، وطائفة أقروا بالإسلام وصلّوا، ولكن منعوا الزكاة، وطائفة شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولكن صدقوا مسيلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه معه في النبوة، وقوم من أهل اليمن صدقوا الأسود العنسي في ادعائه النبوة وقوم صدقوا طليحة الأسدي، ولم يشك أحدٌ من الصحابة في كفر من ذكرنا، ووجوب قتالهم، إلا مانع الزكاة …).
ويقول في موضع آخر:
(ومثل إجماع الصحابة في زمن عثمان رضي الله عنه على تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمة في نبوة مسيلمة مع أنهم لم يتبعوه، وإنما اختلف الصحابة في قبول توبتهم) (8).
وقد أطال رحمه الله في بيان أخبار المرتدين، فذكر قصة المختار بن أبي عبيد الثقفي، وما أظهره من صلاح.. ثم زعمه في آخر أمره أنه يوحى إليه.
وقال الشيخ بعد هذه القصة:
(وأجمع العلماء كلّهم على كفر المختار – مع إقامته شعائر الإسلام – لما جنى على النبوة).
بل إن الشيخ رحمه الله يصرح بأكثر من ذلك بعبارة موجزة، فيقول في ذكر الحقوق الواجبة على كل مسلم:
(وأعظمها حق النبي صلى الله عليه وسلم، وأفرضه شهادتك له أنه رسول الله وأنه خاتم النبيين، وتعلم أنك لو ترفع أحداً من الصحابة في منزلة النبوة صرت كافراً) .
مما سبق بيانه ندرك أن الشيخ رحمه الله يقرر ويؤكد بأن دعوى النبوة – بعد ختمها بمحمد صلى الله عليه وسلم - كفر وانسلاخ عن دين الإسلام، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الشخص الذي يرفع أحداً إلى منزلة النبوة يصير كافراً، حتى ولو كان هذا – الذي رفع منزلته – صحابياً.
ومع كل ما سبق فإننا نرى بعض خصوم هذه الدعوة السلفية يسطرون فرية ادعاء النبوة للشيخ، ويسودون الصحائف بهذا البهتان.
ومن أوائل الذين ألصقوا بالشيخ هذه الفرية، محمد بن عبد الرحمن بن عفالق حيث يقول في رسالته التي ألفها رداً على عثمان بن معمر أمير العيينة آنذاك، حيث يطعن ابن عفالق في الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فيقول:
(كما ادعا نزيله مسيلمة – أي النبوة – بلسان مقاله، وابن عبد الوهاب حاله).
ويقول ابن عفالق في موضع آخر من هذه الرسالة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه ادعا الرسالة ، وفي رسالة أخرى ألّفها رداً على جواب ابن معمر، يقول فيها مخاطباً ابن معمر:
(والله لقد ادعا النبوة بلسان حاله لا بلسان مقاله، بل زاد على دعوى النبوة، وأقمتموه مقام الرسول، وأخذتم بأوامره ونواهيه.
ويقول ابن عفالق متهكماً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومخاطباً ابن معمر: (وأما من قال أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وادعى النبوة، وأرسل رسله إلى سائر الأمصار).
ويسوق صاحب كتاب (فصل الخطاب) أحمد بن علي القباني نفس الفرية بقوله عن الشيخ أنه متنبي نواحي اليمامة.
وفي موضع آخر يقول مخاطباً الشيخ محمد بن عبد الوهاب وساخراً به:
(هل أخذته من بقايا صحف مسيلمة الكذّاب عندكم في نواحي اليمامة) .
ويتهكم به مرة أخرى فيقول:
(أترى أن كل هؤلاء العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ضلّوا وأضلّوا من نحو ستمائة سنة إلى أن بعث الله متنبي العيينة داعياً إلى دين الإسلام).
كما أن من أوائل الذين تولوا كبر فرية ادعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب النبوة، المدعو علوي الحداد في كتابه (مصباح الأنام) حيث يقول:
(وكان يضمر دعوى النبوة، وتظهر عليه قرائنها بلسان الحال، لا بلسان المقال، لئلا تنفر عنه الناس، ويشهد بذلك ما ذكره العلماء من أن عبد الوهاب كان في أول أمره مولعاً بمطالعة أخبار من ادعى النبوة كاذباً كمسيلمة الكذّاب وسجاح والأسود العنسي وطليحة الأسدي وأضرابهم).
ويقول رابعهم حسن بن عمر الشطي في تعليقه على رسالة في إثبات الصفات للحازمي: (فإنه - أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب - كانت لوائح دعوى النبوة تظهر عليه).
ثم جاء أحمد بن زيني دحلان فأشاع هذه الفرية وسطرها في كتبه، وتلقفها من بعده خصوم آخرون كالعاملي وجميل صدقي الزهاوي، ومختار أحمد باشا المؤيد، وعبد القادر الأسكندراني، وغيرهم.
ثم يأتي السمنودي في كتابه (سعادة الدارين)، فيحاول (تلطيف) هذه الفرية وتخفيفها ظنَّا منه أن ذلك أدعى لقبولها وأيسر في التمويه على سواد الناس، فيقول:
(فكان محمد بن عبد الوهاب المذكور بينهم – أي بين أتباعه – كالنبي في أمته لا يتركون شيئاً مما يقول، ولا يفعلون شيئاً إلا بأمره).
ولكن يجئ خصم آخر – وهو محمد وفيق سوقية – يرفض ذلك التخفيف، ويسعى بزيادة البهتان على أسلافه فيقول:
(وأوحت له نفسه دعوى النبوة، كسلفه مسيلمة الكذَّاب، ولكن كان الضعف يخفيها، ولو وجد قبولاً تاماً من أتباعه النجديين لأظهرها، ودعا الناس إليها، أو لو كان يجد من يمده بالقوة لحمل جميع الأمة لإظهار ما كان يكنه في صدره، نعوذ بالله من الغواية بعد الهداية).
ويقول نفس الكاتب أيضا:
(ولما كان – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب – مولعاً بمطالعة أخبار أسلافه الذين ادعوا النبوة، مثل مسيلمة الكذَّاب والأسود العنسي، وسجاح، وطليحة الأسدي، قام بنشر دعوته الإصلاحية للتوصـل لدعوى النبـوة افتراء).
ونلاحظ أن بعض الخصوم سطَّر هذه الفرية عبر أبيات شعريـة كما فعـل المدعو عبد الرحمن بن عمر الإحسائي حيث يقول طاعناً في الشيخ الإمام وأتباعه:
وفي ذاك دعوى للنبوة ظاهـــر *** فيا فرية حطت وأوهت عن المرقـا
ونحن الأولى بالدين قاموا ومهـدوا *** وما شعروا أن قد به فتقوا فتــقا
فيا ويحهم من أين جاءهـم الهدى *** أوحي أتاهم وهو قد أحكم الغلقا
ويقول يوسف النبهاني في رائيته الصغرى - ناعقاً بهذه الفرية -:
أولئك وهابية ضل سعيهــــم *** فظنوا الردى خيراً وظنوا الهدى رشدا
ضعاف النهى أعراب نجد جدودهم *** وقد أورثوهم عنهم الزور والــوزرا
مسيلمة الجد الكبير وعرســـه *** سجاح لكل منهم الجدة الكــبرى
فقد ورثوا الكذّاب إذا كان يدعي *** بأن له شطراً وللمصطفى شطــرا
ما سبق نقله بعض النماذج لمزاعم الخصوم ومفترياتهم مأخوذة من كتبهم ومصادرهم، ولعل ما نقلناه عن الشيخ الإمام رحمه الله في اعتقاده في مسألة ختم النبوة، وكذلك اعتقاد أتباعه - من بعده - في هذه المسألة، وموقف الشيخ الإمام من أدعياء النبوة، إن هذا يعتبر بحد ذاته من أعظم وأبلغ الحجج في دحض ورد تلك الفرية الكاذبة الخاطئة، ومع ذلك فسنورد بعض الردود في قمع هذه الفرية، من باب الزيادة في إسقاطها وتهافتها.
ويقول الشيخ سليمان بن سحمان في كتابه (الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد) راداً على علوي في فريته بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب مدعي للنبوة، (والجواب أن يقال لهذا الملحد المفتري: هذا من أبطل الباطل وأمحل المحال وبطلانه من وجوه:
الوجه الأول: أنه زعم أنه يضمر دعوى النبوة، وهذا أمر قلبي لا يطلع عليه إلا الله، فكيف ساغ له أن يدعي علم ما في القلوب مما لا يطلع عليه إلا علام الغيوب.
أيدعي علم الغيب أو أنه يوحى إليه ومن ادعى ذلك فهو كافر ثم ما هذه القرائن التي يزعم هذا الدجال المفتري أنها تظهر عليه بلسان الحال، فهلا ذكر قرينة واحدة من ذلك فإنا لا نعلم إلا دعوة الحق إلى إخلاص العبادة لله وحده، وأن يكون الدين كلّه لله، ثم كيف ساغ له دعوى أن الشيخ يضمر في قلبه دعوى النبوة وهي كذب ظاهر وينفيه بدعواه الباطلة لما قال الشيخ في المشركين عباد القبور: إنهم يعظمون مشاهد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومشاهد الأولياء تعظيماً بليغاً حتى يطلبون منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تبارك وتعالى، وهذا أمر معلوم مشهور عنهم واعتقادهم في الأنبياء والأولياء لا ينكره إلا مكابر في الحسيات مباهت في الضروريات، فقول هذا الملحد فمن أين اطلع عليه واعتقد فيهم على سبيل القطع، حتى بنى عليه تكفيرهم إلى آخره.
فيقال: اطلع عليه بأفعالهم الظاهرة التي لا تصدر إلا عن اعتقاد القلب فيمن يدعونه، ويستغيثون به، ويلجئون إليه في مهماتهم وملماتهم حالاً ومقالاً، بخلاف ما زعمت أنت وأصحابك المفترون من أن الشيخ يضمر دعوى النبوة وهو أمر قلبي لا يطلع عليه إلا الله، مع أنها دعوى كاذبة خاطئة، وبيتم على ذلك تكفيره وتكفير من اتبعه على دين الله ورسوله، واستحلال دمائهم وأموالهم من غير ذكر قرينة حال أو مقال إلا بدعوى مجردة عن الدليل).
من خلال نقل هذا النص للشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله يظهر جلياً قوة الحجة التي أدلى بها الشيخ في مواجهة تلك الفرية، ولم يكتف بذلك رحمه الله، بل وضح تناقض الخصم وتضاربه حين ذكر أن الشيخ الإمام رحمه الله يقرر أن المشركين عباد القبور يعظمون المشاهد والأضرحة، ويطلبون منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، فأنكر هذا الخصم محتجاً بأنه لا يطلع على اعتقادهم في تلك المشاهد والأضرحة، مع أن الشيخ الإمام قرر ذلك بقرائن وأدلة تثبت ما يقول، وهذا المفتري زعم أن الشيخ ادعى النبوة، ولم يذكر أي قرينه تدل على دعواه. ثم ذكر ابن سحمان وجهاً آخر للرد على هذه الفرية، فقال:
(إن الشيخ قد ذكر في كتاب التوحيد ما رواه البرقاني في صحيحه قوله في الحديث (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ..) إلى أخر الحديث.
وقال في المسائل المستنبطة من هذا الباب، الثامنة: العجب العجاب خروج من يدعي النبوة مثل المختار مع تكلمه بالشهادتين وتصريحه أنه من هذه الأمة وأن الرسول حق وأن القرآن حق.
وفيه أن محمداً خاتم النبيين، ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح، وقد خرج المختار في آخر عهد الصحابة، فكيف يضمر مع هذا دعوى النبوة، وكيف يزعم هذا ويرمي به الشيخ رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وبهذا تعلم أن هذا من تزوير من شرق بهذا الدين من أعداء الله ورسوله تنفيراً للناس عن الإذعان لإخلاص التوحيد لله بالعبادة.
وقوله: ويشهد لذلك ما ذكره العلماء من أن ابن عبد الوهاب كان في أول أمره مولعاً بمطالعة أخبار من ادعى النبوة كاذباً كمسيلمة وسجاح والأسود العنسي وطليحة الأسدي وأضرابهم.
والجواب أن يقال: وهذا أيضاً من الكذب والفجور وقول الزور بل كان رحمه الله مولعاً بكتب الحديث والتفسير كما قال رحمه الله في بعض أجوبته: ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلَّها لدينا تفسير محمد بن جرير الطبري ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذلك البيضاوي، والبغوي، والخازن، والجلالين وغيرهم، وعلى فهم الحديث بشروحه كالقسطلاني والعسقلاني على البخاري، والنووي على مسلم، والمناوي على الجامع الصغير، ونحوهم من كتب الحديث، خصوصاً الأمهات الست وشروحها، ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون فروعاً وأصولاً وقواعد وسيراً وصرفاً ونحواً وجميع علم الأمة).
يقول ابن سحمان في كتابه (الضياء الشارق في الرد على شهبات الماذق المارق)، مكذباً هذه الفرية التي تلقفها الزهاوي وسوّد بها كتابه المسمى (الفجر الصادق).
(وأما قوله: وكان محمد هذا باديء بدأته:
فالجواب أن نقول: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً فإن هذا معلوم كذبه بالاضطرار لا يمتري فيه من له أدنى معرفة بمقادير الأئمة الأخيار، ومن طالع كتب الشيخ ومصنفاته ورسائله، وتأمل حال نشأته ودعوته إلى الله تبيّن له أن هذا من الكذب والافتراء وأنه من وضع أعداء الله ورسوله الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب الفساد، يريدون ليطفئون نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
ولا يكتفي الشيخ ابن سحمان – رحمه الله – في دحض هذه الفرية بما كتبه آنفا فقط، بل يشنع على هذه الفرية بقصائد شعرية متعددة.
فيقول رحمه الله في ديوانه، وفي قصيدة له يذكر مفتريات أحمد دحلان على الشيخ الإمام:
وما قال فيما يدعيه ويفتري *** عليه من البهتان للأعين الرمّد
كدعواه أن الشيخ يزعم أنه *** نبي ولكن كان يخشى فلم يبد
ثم يورد الرد عليه فيقول:
فويحك كم هذا التجاوز والهذا *** وكم ذا التجري والتجاوز للحــد
فجوزيت من مولاك شر جزائه *** وحلّ عليك الخزي في القرب والبعـد
أتقفو بلا علم أكاذيب مفتـر *** وأوضاع أفاك حسود وذي حــق
ويقول ابن سحمان في قمع هجاء الملا أبي بكر عبد الرحمن بن عمر الإحسائي:
وأعظم من هذا ضلالاً وفريـة *** مقالته الشنعاء بما أظهر الحــقا
بأن قال دعواه النبوة ظاهــراً *** وذا فرية منهم على أنه الأتقــى
نعم قام بالتوحيد والدين الهدى *** ونرجو له الزلفى فيرقى إلى المرقى
ويشنع ابن سحمان على مفتريات النبهاني في رائيته الصغرى، فيسطر قصيدة طويلة سماها (الداهية الكبرى) وكان مما قاله:
وقد ورثوا مجداً أصيلاً مؤثـلا *** لأهل الهدى منهم فنالوا الفخـرا
مسيلمة الكذاب ليس بجدهـم *** وليس له نسل يقرر أو يـــدرا
ولا لسجاح ويل أمك فاتئـد *** فما الفشر غلا ما هذوت به نشرا
ويأتي رد الشيخ ناصر الدين الحجازي على هذه الفرية بأسلوب آخر، وذلك في رسالته (النفخة على النفحة)، حيث يزعم عبد القادر الأسكندراني - كأسلافه - أن الشيخ الإمام قد ادعى النبوة، فكان جواب الشيخ ناصر الدين الحجازي على هذا الإفك: (أقول (من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة)، ولكن أقول كأن صاحب الرسالة ذهل عن قاعدة: إن كنت ناقلاً فالصحة، أو مدعياً فالدليل، فإن كنت مقلداً لدحلان في نقلك، أليس لك ما تميز به بين الغث والسمين، فتعلم أنه ما نقل عن هؤلاء القوم إلا فكاهات تضحك الثكلى، ويهزأ بها الطفل الصغير فكيف يقبلها عقل رجل بلغ من الذكاء أن أرجع أمة من الجهل إلى العمل بالكتاب والسنّة.
وأما قولك وكان يضمر دعوى النبوة إلا أنه لم يتمكن من إظهارها فهذه دعوى كشف واطلاع على ما في القلوب، فهي بين أمرين إما تصريح بالكذب وإما مشاركة لله تعالى في قوله (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور).
فاختر أى الشقين شئت، وإن كنت مدعياً فعليك الدليل من كتبه التي طبعت في الهند وفي مصر وسارت في الأقطار.
ومما أورده الشيخ فوزان السابق في كتابه (البيان والإشهار) في دحض فرية ادعاء النبوة للشيخ رحمه الله، ننقل هذه السطور رداً على من بهت الشيخ بادعاء النبوة في نفسه.
(إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد اشتهر مذهبه ودعوته التي يدعو الناس إليها في مصنفاته المطولة ورسائله المختصرة، فلم يترك لمعارضيه شبهة إلا كشفها، ولا طريقاً توصل إلى الله وإلى اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بينّها وأوضحها. فأي شيء يخفيه في نفسه بعد ذلك أيها الضالون ؟ فلو كان لهذه الفرية أدنى قيمة لأوردت من كلام الشيخ رحمه الله ما يكفي ويشفي في ردها. ولكنها فرية تمثل الزور والفجور، فلا تستحق رداً أكثر من احتقار صاحبها وكشف عورته وليس أبلغ من رد هذا الملحد على نفسه فاسمع إذاً ما يعوله بعد دعواه على الشيخ الكتمان. قال المعترض: فلما مات أبوه في نحو سنة 1143هـ ابتداء ابتدأ لإظهار مذهبه حتى سنة 1151هـ فأشهر أمره وأظهر دعوته وعقيدته في نجد وأطرافها).
فالشيخ فوزان رحمه الله يقرر تفاهة هذه الفرية وحقارتها، بحيث لا يلتفت إليها ولا تستحق الاهتمام أو الرد، ثم يشير إلى عوار هذه الفرية ويكشف تناقض مفتريها وتضاربه، فيقول رحمه الله:
(فنقول لهذا الملحد: إذاً فليس فيه كتمان، كما افتريته على الشيخ، فقد أبطلت دعواك بإقرارك بنفسك فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى واشتهر به من الدعوة إلى كتاب الله تعالى واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من أئمة الهدى والدين، فقد ظهر واشتهر أمره، فلا ينكره إلا معاند مثلك أيها المفتري الذي أكذب نفسه بنفسه فالحمد لله على ظهور الحق وخذلان الباطل وأهله).
ويشير د. عبد الرحمن عميرة في بحثه (الشبهات التي أثيرت على دعوة الشيخ..) إلى دحض ذلك الافتراء، فكان مما قال:
(والمتفحص لهذه الادعاءات والمفتريات يرى اتفاقها جميعاً على أن ادعاء النبوة عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان إضماراً في داخله ولم يصرح به لأحد مطلقاً.
هذا هو المفهوم من كلامهم ولا يمكن أن يفهم غير ذلك ونقول إذا كان كذلك، وأن الشيخ أضمر النبوة في نفسه، ولم يتمكن – كما يقول الأدعياء – من إظهارها، فمن أطلعهم على هذا الشيء المضمر …؟
هل أوحى الله إليهم بما في سرائر العباد؟ فإن قالوا نعم، فهم الأدعياء حقاً، وتكون قولتهم هذه امتداد لما قاله مسيلمة وسجاح وكل المردة أتباع الشيطان. وإذا لم تكن هذه أتراهم اطلعوا على الغيب وقرأوا ما في اللوح المحفوظ كما كان يدعي بعضهم.
فإن كان هذا هو حالهم. خرجوا عن ملّة الإسلام وألحقوا بإخوانهم في الجاهلية من الكهان وأدعياء البهتان لأن الغيب لا يعلمه إلا الله.
قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ً}.
من خلال ما أوردناه من براهين متعددة، وردود متنوعة، في دحض فرية ادعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب النبوة، نأتي على ختام هذا المبحث متذكرين قوله عزَّ وجلَّ { سبحانك هذا بهتان عظيم }.
نشر :