انتشار دعوة الشيخ في الخارج

_ انتشرت دعوة الشيخ في الخارج نجد بعد أن سيطرت الدولة السعودية على مكة المكرمة سنة 1218هـ وأصبح حجاج البلاد الإسلامية يفدون إلى مكة المكرمة ويشاهدون علماء هذه الدعوة الحقة، ويستمعون خطبهم ومواعظهم وإرشاداتهم السديد وتوجيهاتهم القيمة، كما شاهدوا سيرة الدولة السعودية إذ ذاك، وما هي عليه من الاعتصام بالكتاب والسنة، ونشر الأمن والعدل والإنصاف.

فتأثر بعض الحجاج بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فأخذ ينشر في بلاده التوحيد، ويحارب الخرافات الشائعات في بلاده، كما قام بالتصدي للقبوريين، والداعين إلى تقديس القبور، وبناء القباب عليها.
فانتقلت هذه المبادئ الإصلاحية إلى السودان في إفريقيا وسومطرة، في آسيا والهند.
كما انتشرت في العراق والشام ومصر والجزائر وجاوة، وعمان، وفارس.

وكان هدف رعاتها في كل مكان تحل به، هو محاربة الفساد، والقضاء على البدع والخرافات وتصحيح العقيدة.

_ أما في السودان فقد كان الداعية هو الشيخ عثمان بن فودى، أحد أفراد قبيلة الفولا، وهي من قبائل رعاة السودانيين، فإنه بعد التقائه بعلماء الدعوة في موسم الحج، وبعد اقتناعه بالمبادئ التي دعا إليها الشيخ – عاد إلى بلاده وأخذ يحارب البدع الشائعة بين عشيرته وقومه، ويعمل للقضاء على بقايا الوثنية وعبادة الأموات التي كانت لا تزال مختلطة بالعقيدة الإسلامية، في نفوس السودانيين، وأخذ ينشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة، ويذيع المبادئ التي الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فاستطاع أن يجمع حوله، قبيلته في وحدة متماسكة، مرتبطة برباط الدين المتين،بعد أن كانت منقسمة إلى عدة وحدات ضعيفة متخاذلة.

وبعد ابتدأ حروبه سنة 1802م ضد قبائل الهوسا، وقضائه على مملكة غبر، التي كانت على مجرى نهر النيجر، أقام عثمان مملكة ( سوكوتو ) في السودان على أساس من الدعوة الدينية الصحيحة، ومدت رواقها على جميع الأقطار الواقعة بين ( تمبكتو ) وبحيرة ( تشاد)، وبقيت محافظة على استقلالها ووحدتها نحو القرن، حتى استطاع الاستعمار الأوربي، أن يقضي على ما كان لها من استقلال ووحدة.

_ وكما غزت هذه الدعوة المباركة السودان، كذلك غزت بعض المقاطعات الهندية، بواسطة أحد الحجاج الهنود، وهو السيد أحمد.
وقد كان الرجل من أمراء الهند، وذهب إلى الحجاز، لأداء فريضة الحج بعد أن اعتنق الإسلام، سنة 1816م.
فلما التقى بعلماء الدعوة، في مكة اقتنع بصحة ما يدعون إليه، وأصبح من دعاة التوحيد الذين تَملَّكهم الإيمان، وسيطرت عليهم العقيدة.
ولما عاد سنة 1820م – إلى وطنه في الهند بجهة البنغال، وجد ميداناً صالحاً للدعوة، بين سكان المنطقة من الهنود المسلمين، الذين، اختلطت عقائدهم وتقاليدهم الدينية، بالكثير من عقائد الهندوس وعوائدهم.
فابتدأ الدعوة في مدينة (بتين) ودعا إخوانه المسلمين ليؤمنوا بمبادئ الإسلام الصحيحة، ويتركوا البدع والعقائد الهندوسية، التي كانت شائعة بينهم، وبعد مرحلة من الجهاد، استطاع الداعية، السيد أحمد أن يقيم دولة تقوم على أساس العقيدة الصحيحة بجهة البنجاب.
ولم تلبث هذه الدولة طويلا حتى قضى عليها الاستعمار الإنكليزي في العقد الرابع من القرن التاسع عشر
ولكن هذه الدعوة المباركة، ظلت قائمة هناك على يد خلفاء السيد أحمد من بعده ولم يستطيع المستعمرون أن ينالوا منها.

_ وفي سومطرة ابتدأت الدعوة السلفية سنة 1803م على يد أحد الحجاج من أهل الجزيرة، وكان قد عاد من الحج في نفس السنة، بعد أن التقى بمشايخ الدعوة واطلع على صحة ما يدعون إليه.
فلما عاد إلى وطنه، ابتدأ دعوته، ثم تطورت الحركة إلى حروب طاحنة، بين المسلمين الوهابيين الذين أصبحوا قوة كبيرة في سومطرة، وبين غير المسلمين من سكانها الأصليين، حتى رأت حكومة الاستعمار الهولندية سنة 1821م أن تناهض هذه الحركة القوية محافظة على كيانها ونفوذها هناك.
واستمرت المناوشات والحروب بينهم وبين المستعمرين الهولنديين، ما لا يقل عن ستة عشر عاماً.

_ كذلك الحركة السنوسية، التي ابتدأت في الجزائر أواسط القرن التاسع عشر ثم غزت طرابلس بعد ذلك، وانتشرت في شمال أفريقيا، ثم مدت رواقها نحو الجنوب، فتمكنت في السودان هذه الحركة السنوسية، التي ناهضت الاستعمار في كل مكان، والتي كانت ولا زالت مدرسة تربية وتهذيب للشعب السنوسي، قد تأثرت بدعوة الشيخ رحمه الله.
فالسيد محمد على السنوسي، مؤسس الحركة السنوسية، كان في مكة يطلب العلم، فعاشرهم، وتتلمذ على علمائهم، وتأثر بدعوتهم.
ثم عاد إلى الجزائر، وابتدأ حركته الإصلاحية، على ضوء تعاليم الإصلاح الدينية الإسلامية، التي أضرم نارها في الجزيرة العربية محمد بن عبد الوهاب.

_وكما انتشرت في الجزائر بواسطة الدعوة السنوسية، فقد انتشرت هذه الدعوة المباركة بحضرموت، وجاوة، بواسطة السيد محمد رشيد رضا، وتأليفه جمعية الإرشاد الداعية هناك إلى الكتاب والسنة، ونبذ البدع والخرافات، طبق مبادئ الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وقد تأثر فيها كثيرون. بحضرموت، وعدن، وجاوة، كما هو معروف.
وبالجملة، فقد كان لهذه الدعوة أثر عظيم في العالم الإسلامي من نواح مختلفة، وكانت الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله تأثر بها زعماء الإصلاح في سائر الأقطار الإسلامية، وكل الحركات الإصلاحية، مدينة لهذه الدعوة المباركة.

المصدر كتاب: الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه للشيخ أحمد آل أبو طامي.


نشر :