حوار مفتوح عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى ما لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله -من أثر في واقع الأمة وقد اختلف عليها الناس مابين قادح ومادح بسبب ضعف العلم بواقعها تارة وتعصبا تارة أخرى، ومن هنا فقد عقدنا العزيمة لفتح حوار مفتوح، تفتح فيه القلوب والعقول ملتزمين أدب الحوار وحسن السؤال مع باحث في هذه الدعوة ومتخصص في تأريخهاوهو الشيخ الدكتور/ عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف الأستاذ المشارك في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام في الرياض، الذي قدم أطروحة بعنوان : دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - عرض ونقض –
1. ما هو واقع الأمة قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -؟ بمعنى آخر ماهي مبررات قيام الشيخ بهذه الدعوة؟
جــ 1 / كان واقع الأمة الإسلامية - قبل الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - - حافلاً بالانحرافات العقدية والسلوكية، إذ قد استفحل الشرك والخرافات، وظهرت المحدثات والمنكرات، وغابت الفضائل، و اندرست أصول الدين، و انمحت معالم التوحيد، و تمزّقت الأمة شيعاً و أحزاباً، و استولى الخوف و الهلع، و غلب الضعف الاقتصادي، و الفقر الحضاري - كما هو مبسوط في موضعه -.
وقد كشف الشيخ الإمام عن هذا الواقع القاتم - في نجد – و حكى – مثلاً - أن بادية نجد يكذبون بالبعث، و ينكرون الشرائع، و يفضّلون حكم الطاغوت على حكم الله - تعالى -، كما أورد - رحمه الله - أمثلة ظاهرة وأحداثاً واقعة في بلاد نجد على ذلك الانحراف، مثل اتخاذ القبور مساجد، والتعلق بالأشجار، و التبرك بالأحجار، و الغلو في أدعياء الولاية.
فجاءت هذه الدعوة التجديدية لإحياء ما اندرس من دين الله، ودعوة الناس إلى الإسلام و السنة، و بيان التوحيد بكل صفاء و نقاء، بعيداً عن شكوك المتكلمين، و شطحات المتصوفة، و التحذير من الشرك و مجانبته و سد الذرائع المفضية إليه.
وقد سطّر الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب خلاصة دعوته في رسالته إلى عبد الرحمن السويدي - أحد علماء العراق - قائلاً: " أخبرك أني و لله الحمد متبع، و لست بمبتدع، عقيدتي و ديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة و الجماعة الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة، وأتباعهم إلى يوم القيامة، لكني بيّنت للناس إخلاص الدين لله، و نهيتهم عن دعوة الأحياء و الأموات، و عن إشراكهم فيما يعبد الله به، من الذبح والنذر والتوكل و السجود و غير ذلك مما هو حق لله لا يشركه فيه ملك مقرّب، لا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل أوّلهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة " ( مجموعة مؤلفات الشيخ 5/36 ).
2. ما هو موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب من آل البيت - رضي الله عنهم -؟
جــ 2 / من المعلوم بالضرورة أن الشيخ الإمام على طريقة أهل السنة و الجماعة، هو يحبّ أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و يحفظ فيهم وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : " أذكّركم الله في أهل بيتي ( ثلاثاً ) " ( أخرجه مسلم ).كما أنه وسائر أهل السنة والجماعة وسط تجاه آل البيت بين جفاء النواصب، و غلو الروافض.و لما أنكر بعض أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تقبيل يد أحد الأشراف – في الأحساء – و لبسه الأخضر، فعاتبهم الشيخ الإمام على هذا الإنكار و بيّن طرفاً من حقوق الآل فقال: " و أما تقبيل اليد فلا يجوز إنكار مثله، وهي مسألة فيها اختلاف بين أهل العلم، و قد قبّل زيد بن ثابت يد ابن عباس وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا، وعلى كل حال فلا يجوز لهم إنكار كل مسألة لا يعرفون حكم الله فيها، وأما لبس الأخضر فإنها أحدثت قديماً تمييزاً لأهل البيت لئلا يظلمهم أحد، أو يقصّر في حقهم من لا يعرفهم، و قد أوجب الله لأهل بيت رسول الله على الناس حقوقاً، فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم، ويظن أنه من التوحيد، بل هو من الغلو، ونحن ما أنكرنا إلا إكرامهم لأجل ادّعاء الألوهية فيهم، أو إكرام المدّعي لذلك " ( مجموعة مؤلفات الشيخ 5/284 ). وقد سمّى الشيخ الإمام أكبر أبنائه عليّاً، وكذا سمّى حسيناً وفاطمة - رحمهم الله -.
3. ما هو سبب النفرة الشديد من قبل البعض من دعوة الشيخ محمد - رحمه الله -؟
جــ 3 / يحتمل أن هذه النفرة باعثها معلومات مكذوبة و أقاويل مغلوطة عن هذه الدعوة المباركة، فقد ألصق بهذه الدعوة الكثير من الأكاذيب والمفتريات، كما أن جملة من الاعتراضات و الشبهات التي أثيرت حول هذه الدعوة الإصلاحية لأجل ألفاظ مجملة محتملة، و أسماء لا تخلو من اشتراك و إيهام، مثل إطلاق التكفير، و تحريم التوسل.. و لو أنصف القوم، و نظروا في تراث هذه الدعوة، لاستبان الأمر، وزال الاشتباه والأشكال، و من أسباب هذه النفرة و المكايدة لهذا الدعوة ما سطّره أهل الأهواء ضد هذه الدعوة - لاسيما الصوفية و الرافضة - حيث سوّدوا الصحائف و الرسائل في الكيد لهذه الدعوة و التحذير منها، فإن هذه الدعوة السلفية تناهض بل و تحارب مظاهر الشرك والوثنية و الغلو في الأئمة و الأولياء.
والتصوف الغالي و التشيع يقومان على عمارة المشاهد و الأضرحة، و تأليه البشر.إضافة إلى العداء السياسي، و الحروب التي قامت في جزيرة العرب بين آل سعود و خصومهم - مع بداية الدولة السعودية الثالثة - إذ لا يزال بعضهم يجتر تلك الأحداث و الحروب، و يحمّل الدعوة السلفية ما لا تحمله، كما أن السياسات المعاصرة قد تقلب الحقائق، و تتلاعب بالوقائع، و تستعين بأرباب العقول المعيشية في تزويق الباطل و الوثنية، وتشويه الحق و التوحيد.وأيضاً فإن بعض متسننة هذا العصر قد غشيتهم الانهزامية، و اعتراهم الخور و الهوان تجاه الكفرة و المبتدعة، فصار مقصودهم و هجيراهم : التعايشي السلمي، و هاموا في أحلام الإنسانية، و استروحوا التودد و المداهنة للأعداء، و النكوص عن ميادين المدافعة والاحتساب، و من ثم فقد شرقوا بهذه الدعوة و ما تقرّره من مسائل التكفير والقتال، و الولاء و البراء، و ربما عمدوا إلى " تهذيب "، دعوة الشيخ الإمام وتطويعها بما يتفق مع عجزهم و خورهم.و المقصود أن هذه النفرة و الانقباض سرعان ما يزول أو يقلّ عند مطالعة تراث هذه الدعوة مع تحري العدل و الإنصاف، و التحرر من المواقف المتحاملة، و المقررات السابقة.
4. هل تعتبر الوهابية مذهبا منفرداً كالمذاهب الأربعة؟
جــ 4 / يقول الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - " لست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه، أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيّم و الذهبي و ابن كثير و غيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، و أدعو إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أوصى بها أول أمته و آخرهم..." ( مؤلفات الشيخ 5/252 ).
وقال في رسالة أخرى : "و أخبرك أني و لله الحمد متبع، و لست بمبتدع، عقيدتي و ديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة و الجماعة الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة و أتباعهم إلى يوم القيامة. " ( مؤلفات الشيخ 5/36 ) و قال في رسالة ثالثة : " و أما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، و لا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذ لم يخالف نصّ الكتاب و السنة و إجماع الأمة و قول جمهورها". (مؤلفات الشيخ 5/107 ).
والمقصود أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي امتداد لمذهب السلف الصالح في المسائل و الدلائل، فليست مذهباً جديداً كما يدّعي بعضهم، وخص الشيخُ الإمامَ أحمدَ، لأنه أظهر السنة و صبر على المحنة.. وكان كثيراً ما يتمثل هذه الأبيات :
بأي لسان أشكر الله إنه لذو نعمة قد أعجزت كل شاكر
حباني بالإسلام فضلاً و نعمة علي و بالقرآن نور البصائر
وبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبـل عليها اعتقادي يوم كشف السرائر
( تاريخ ابن بشر 1/91 ).
5. هل هناك علاقة بين الوهابية والتكفير حيث قرأت الكثير يزعم أن الوهابية مكفرة؟
جــ 5 / يقرر علماء هذه الدعوة مسائل التكفير وفق منهج أهل السنة و الجماعة، و أن التكفير حق الله – تعالى -، فلا يكفّرون إلا من كفّره الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الشيخ الإمام يكفّر من أشرك بالله في عبادته بعد ما تبيّن له الحجة على بطلان الشرك، وأما دعوى أن الشيخ الإمام يكفّر عموم المسلمين، فهذا من الكذب و الافتراء الذي يصدون به الناس عن دين الله – تعالى -، و نقول كما قال الشيخ الإمام عن هذه الفرية : سبحانك هذا بهتان عظيم.
يوضح الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ تورّع جدّه - الشيخ الإمام - عن التكفير فيقول : "والشيخ محمد - رحمه الله - من أعظم الناس توقفاً و إحجاما عن إطلاق الكفر، حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور، أو غيرهم، إذا لم يتيسّر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها. " ( منهاج التأسيس صـ 65 ) و المقصود أن علماء الدعوة السلفية متبعون لأصول أهل السنة و الجماعة في باب التكفير و سائر أصول الدين و فروعه، و تكفيرهم مبني على علم و عدل، و أهلية و اجتهاد و ديانة، وإن كان ثمة خطأ فهو في تنزيل تلك الأحكام على الوقائع و الأعيان، و هذا من تحقيق المناط الذي تتفاوت فيه الاجتهادات.قال ابن القيّم : " إن الرجل إذا نسب المسلم إلى النفاق والكفر متأوّلاً، و غضباً لله ورسوله و دينه لا لهواه و حظه، فإنه لا يكفر بذلك، بل لا يأثم به، بل يثاب على نيته و قصده، و هذا بخلاف أهل الأهواء و البدع، فإنهم يكفِّرون و يبدعون لمخالفة أهوائهم ونحلهم. " ( زاد المعاد 3/423 )
6. لماذا التمسك بآراء الشيخ تحديداً ؛ بحيث نهمل الآراء الأخرى ؛ خاصة و المنهج : الرجوع إلى فهم السلف ؛ فلماذا لا نطرح أفكارنا باسم النص و من قال به من المتقدمين؟
جــ 6 / سبحان الله ! وهل للشيخ الإمام آراء تفرّد بها على سائر السلف الصالح، فلا موجب للتشغيب بما يوهم مفارقة الشيخ الإمام لفهم السلف الصالح، و الذين يظنون المفارقة بين منهج الشيخ الإمام و منهج السلف الصالح، هم في الحقيقة و الواقع لم يعرفوا منهج ومذهب السلف، ولا منهج الشيخ الإمام!
و لو فُرض أن أقواماً قد قبلوا منهج السلف الصالح في التلقي و الاستدلال، و في المسائل و الدلائل، لكنهم تحاشوا قبول شخصية الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب لأجل هذا العداء الحانق، والمكر الكبّار لهذا الإمام الرباني.. لو كان الأمر كذلك لهان الخطب، لكن الواقع يثبت أن التحامل على دعوة الشيخ الإمام هو الدهليز للطعن في المنهج السلفي في العقيدة و الشريعة.لقد ابتلي أتباع هذه الدعوة المباركة بنزق المبتدعة و بغيهم، وفجورهم في الخصومة، كما ابتلوا ببعض المنتسبين للسنة، ممن استحكم عليهم الضعف و الجبن، و الانحدار مع الضغوط و المتغيرات، فصاروايتطاولون على هذه الدعوة متدثرين بالموضوعية و روح النقد، و صدق الله القائل { بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } [القيامة 14].
و أخيراً فإن الشيخ الإمام من أبعد الناس عن الاحتفاء بآرائه الشخصية و اجتهاداته، و كان يقول : لا تأخذوا بكلامي و اضربوا بكلامي بعرض الحائط.. ويقول أيضاً : " يا عباد الله لا تطيعوني، و اسألوا أهل العلم من كل مذهب عمّا قال الله ورسوله " ( مؤلفات الشيخ 5/55 )
7. التعميم في موقف الشيخ من الآخر: ألا يعد خطأ منهجياً ؟ بمعنى: لماذا مهاجمة الصوفية والتصوف و المذهبية والتمذهب والأشعرية والماتريدية عامة، ونحن نعلم أن منهم من أجمعت الأمة على فضله وإمامته ؟
جــ7 / ما كان الشيخ الإمام ذا تعميم في مواقفه كما ظنه السائل، بل كان يتحرى العدل و الإنصاف مع مخالفيه، و ينزّل الناس منازلهم، ويخاطبهم بما يعرفون، بل كان - رحمه الله - يدرك ما قد يعتري النفوس البشرية من استعلاء واستكبار عن قبول الحق الذي جاء من شخص لا ترغبه تلك النفوس، فكان يخاطب تلك النفوس ويوجهها إلى التضرع إلى الله – تعالى -، وسؤاله الهداية، ومرة يخاطبها بالرجوع إلى كتب أهل العلم دون الرجوع إليه، ومرة ثالثة يرشدها إلى تدبر آيات القرآن الكريم.
لقد كان الشيخ الإمام حريصاً على هداية خصومه- فضلاً عن غيرهم – و يبذل الأسباب الكفيلة بقبولهم الحق و الدليل، يظهر التلطف والإشفاق عليهم، كما في رسالته لشيخه عبد الله بن محمد ابن عبد اللطيف الشافعي - أحد علماء الأحساء - حيث خاطبه قائلاً : " فإني أحبّك وقد دعوتُ لك في صلاتي، وأتمنى من قبل هذه المكاتيب أن يهديك الله لدينه القيّم، وما أحسنك لو تكون في آخر هذا الزمان فاروقاً لدين الله".
(الدررالسنية 1/32)
8. لماذا يغلب على المتكلمين باسم دعوة الشيخ المسارعة إلى الألفاظ العقدية السلبية في موقفهم من الآخر، فكلمة " شرك " و"كفر" و"بدعة" و"زندقة" من أكثر الكلمات التي ترد على الأسنة: فلماذا؟ وخاصة في القضايا الخلافية - كما نوهنا سابقاً -؟
جــ 8 / إن أهل السنة و الجماعة يعلمون الحق ويرحمون الخلق، و العبرة و الميزان هو ما عليه منهج السلف الصالح – و منها دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - من جهة التنظير و التأصيل، فلا عبرة بما يقع من أفراد السلف الصالح قديماً و حديثاً من تجاوزات و أخطاء، كما أن إطلاق هذه الأسماء الشرعية مثل الكفر والشرك متحقق في الأشخاص والأعيان بعد اجتماع الشروط و انتفاء الموانع، فهي أسماء شرعية دينية تلحق من اتصف بها، بعد قيام الحجة، و ليست ألفاظاً سلبية على حدّ تعبير السائل.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب : " ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة، إذا قال قولاً يكون القول به كفراً، فيقال من قال بهذا القول فهو كافر، و لكن الشخص المعيّن إذا قال ذلك، لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها ". ( الدرر السنية 8/244 ).
ولا يسوغ أن تتخذ المواقف الرخوة، فتغيّب هذه الأسماء الشرعية لأجل شناعات المخالفين وأراجيفهم، و بالجملة فأهل السنة – ومنهم أتباع الدعوة الوهابية - هم أهل العلم و الفقه، وكلما زاد الشخص علماً و فقهاً، كلما زاد رحمة و رأفة وإعذاراً، وأنت ترى أهل الأهواء والبدع قد كثف جهلهم، وقلّ علمهم، ومن ثم زَعِر سلوكهم و قست قلوبهم.
9. لماذا نسحب القضايا الفقهية الفرعية إلى الساحة العقدية الأصولية ؟
جــ9/ نعم لا يسوغ أن يُسوّى بين المسائل الاجتهادية التي يسع فيها الخلاف، و التي لم يتبيّن فيها الصواب، وبين ما كان أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، فلا يسوغ مخالفته مطلقاً، وقد أشار الشيخ الإمام لهذا التفريق بقول: "و استدل العلماء على وجوب إخلاص الدعوة لله، و لنهي عما اشتهر في زمنهم من دعاء الأموات بأدلة كثيرة، و بعضهم يحكي الإجماع على ذلك، فإن كانت المسألة إجماعاً فلا كلام، و إن كانت مسألة اجتهاد فمعلوم أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، فمن عمل بمذهبه في محل ولايته لا ينكر عليه " ( مؤلفات الشيخ 5/41 = بتصرف يسير، انظر الدرر السنية 4/4, 5 ).
وقال أيضاً : "بالجملة فمتى رأيت الاختلاف فردّه إلى الله و الرسول، فإذا تبين لك الحق فاتبعه، فإن لم يتبين و احتجت إلى العمل، فقلّد من تثق بعلمه ودينه " ( مؤلفات الشيخ 3/33 )و كان الشيخ الإمام يفرّق بين من دعا الله مخلصاً له الدين، لكن يقول في دعائه أسألك بنبيك، أو بعبادك الصالحين، وبين من استغاث بمخلوق، و طلب منه تفريج الكربات، و دفع المضرات مما هو الشرك الصراح. ( ينظر مؤلفات الشيخ 5/68 )
10. دعوة الشيخ : هل هي دعوة تعريفية بالإسلام ؟ أم هي حركية تهدف إلى تطبيق - أو : حمل الناس - على العمل بالإسلام ؟
جــ 10 / بل هي دعوة إصلاحية تجديدية، تهدف إلى تصحيح واقع المسلمين، وبيان التوحيد الخالص، ووجوب إفراد الله – تعالى - بالعبادة، والتحذير من الشرك وذرائعه، و التكفير والقتال لمن حارب التوحيد و أبغضه، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله – تعالى -.
(ينظر: مؤلفات الشيخ 5/24, 25 ).
فهي دعوة تهدف إلى تغيير جذري لواقع المسلمين، كما أنها حركة ذات برنامج عملي يتمثل في إقامة دين الله – تعالى – وتبليغه، و إحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله – تعالى -.
11. ما هي علاقة الوهابية بالمخابرات الانقليزية في بداية ثورتها؟
جـ 11/ هذا من الإفك العظيم، والبهتان المبين، فإن الإنجليز يكذِّبون ذلك ! فهم من أوائل المهنئين للطاغية إبراهيم باشا ( رسول حضارة الغرب ) لما قضى على أتباع الدعوة، فأسقط الدولة السعودية الأولى، وهدم الدرعية، حيث أرسل الإنجليز( سادلير ) ليهنئ إبراهيم باشا على النجاح الذي حققه ضد الوهابين، و رغبة الإنجليز في اتفاق مع إبراهيم باشا بهدف سحق نفوذ الوهابيين بشكل كامل ( ينظر : رحلة عبر الجزيرة العربية لسادلير صـ 7 ’ 156 ) بل إن الإنجليز رموا كل من عارضهم في بلاد الهند، و رأوه خطراً على كيانهم بالوهابية ! ( ينظر : دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب للنعماني صـ 105 ).
12. السؤال الأول: أورد الصوفي القبوري الحضرمي علوي الحداد في كتابة ( مصباح الأنام وجلاء الظلام في رد شبه البدعي النجدي الذي أضل بها العوام ) حديث يرويه عن النبي للطعن بالشيخ محمد بن عبدالوهاب وهذا نص الحديث (( عن العباس بن عبدالمطلب - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيخرج في ثاني عشر قرناً في وادي حنيفه رجل كهيئة الثور لايزال يلعق براطمه في قوياء يكثر في زمانه الهرج والمرج يستحلون أموال المسلمين ويتخذونها بينهم متجراً ، ويستحلون دماء المسلمين ويتخذونها بينهم مفخراً وهي فتنة يعتز فيها الأرذلون والسفل تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه إلى أخر الحديث ، وهو طويل وله شواهد توقي معناه وان لم يعرف نخرجه وأصرح من ذلك أن هذا المغرور محمد بن عبدالوهاب من تميم ويحتمل أنه من عقب ذي الخويصرة التميمي )) ونقل هذا الحديث عن الحداد الصوفي أحمد زيني دحلان في كتابة خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام للتشنيع على الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله -.
سؤالي : هل هذا الحديث ورد في كتب أهل السنة ، أم أن هؤلاء يفترون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم للطعن بالشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ؟
ـ السؤال الثاني : نشر أهل الشرك والخرافة من المتصوفة في مواقعهم خبر بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان ينتقص من النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنبر فأصابه الله بألم في بطنة وذهب للحمام ومات في الحمام ويقولون هذه سوء خاتمة لهذا النجدي ولو كان به خير لما ختم له بهذا المكان النجس ، ما هو تعليقكم حفظكم الله حول هذه الفرية ؟
ـ السؤال الثالث: يفتري عباد القبور ومرضى القلوب من المتصوفة وغيرهم من أهل البدع بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - كان يقول ( إن عصاي خير من محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لأن عصاي انتفع بها بخلاف محمد رسول الله ، فإنه قد مات ).
هل هذا صحيح عنه أم افتراء عليه.. نرجو التوضيح ؟
جــ 12/ يجمعها جواب واحد:هذا من الإفك العظيم، والبهتان المبين، أما هذا الحديث الملفق المكذوب فأين إسناده ؟! ومن أخرجه ؟وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".
وأما ما دعوى أن الشيخ الإمام كان ينتقص الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويقول : إن عصاي خير من محمد - صلى الله عليه وسلم -.. وأن الشيخ الإمام ساءت خاتمته فمات في الحمام.. !!فهذا كله من أرذل الكذب و الفجور وقول الزو، والاشتغال بمدافعة الإفك الرخيص، والباطل المحض هو تضييع للزمان، وإتعاب للحيوان.
فهذا الإمام الرباني أفنى حياته في نصرة سنة سيد المرسلين، ودعا الناس إلى لزوم الدليل، وجاهد في ذات الله لأجل نشر السنة والقيام بحقوقه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من التصديق والتوقير، والمحبة والإجلال، والإتباع والإذعان. " لقد قرر - رحمه الله - على شهادة أن محمداً رسول الله من بيان ما تستلزمه هذه الشهادة وتستدعيه وتقتضيه من تجريد المتابعة، والقيام بالحقوق النبوية من الحبّ والتوقير، النصرة والمتابعة والطاعة، وتقديم سنته - صلى لله عليه وسلم - على كل سنة وقول، والوقوف معها حيث ما وقفت، والانتهاء حيث انتهت في أصول الدين وفروعه، ما ظهر به فضله وتأكد علمه ونبله ". (منهاج التأسيس، لعبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ صـ 41).
يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - :" وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، و تلبيساً على الخلق، بأنا نضع من رتبة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بقولنا : النبي رمّة في قبره، و عصا أحدنا أنفع له منه.. وجوابنا عن ذلك : سبحانك هذا بهتان عظيم، فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا و افترى، و من شاهد حالنا، و حضر مجالسنا، و تحقق معنا علم قطعاً أن جميع ذلك و ضعه و افتراه علينا أعداء الدين، و إخوان الشياطين " ( الدرر السنية 1/127 ).
و لقد مات الشيخ الإمام على خاتمة حسنة، على الإسلام و السنة، مات - رحمه الله -، بعد أن أظهر التوحيد، و حارب الشرك، و نشر السنة، وقمع البدعة، و لم يخلّف حين و فاته ديناراً و لا درهماً، فلم يوزع بين ورثته مال و لم يقسم، إذ كان لا يرد سائلاً و لا محروماً، و كان يوم جنازته مشهوداً، إذ تزاحم الناس، و خرج الصغير و الكبير. فاللهم اغفر للشيخ الإمام و ارفع درجته في المهديين.
13. قام مجموعة من العلماء بالرد على بعض أفكار محمد بن عبد الوهاب و بينوا نقائصها و منهم أحد أشقائه و هو أبو القاسم بن عبد الوهاب فهل عدل محمد بن عبد الوهاب من أفكاره و قام بمراجعة بعض مواقفه و آرائه إذا تبين له ضعف رأيه في بعض الأمور ؟
جــ 13 / كتب سليمان بن عبد الوهاب رسالةً في الردّ على أخيه الشيخ الإمام بعنوان " فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب " وطبعت بغير هذا العنوان، وادّعى سليمان أن مسألة الذبح لغير الله، والنذر لغير الله، ونحوهما من الشرك الأصغر، وزعم أن ابن تيمية وابن القيم على هذه الرأي!
وهذه الرسالة تكشف عن جهل سليمان، و سوء فهمه، إذ الذبح و النذر من العبادات التي يجب صرفها لله وحده، فمن ذبح لله وحده أو نذر لله وحده فهذا إخلاص و توحيد، و من ذبح أو نذر لغير الله فهذا شرك أكبر وتنديد.
قال ابن تيمية : " إن عبادة الله بالصلاة له و النسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، فإن العبادة لغير الله أعظم كفراً من الاستعانة بغير الله.. " ( اقتضاء الصراط المستقيم 2/563 )، و قال أيضاً : "ولا يجوز أن ينذر أحد إلا طاعة، ولا يجوز أن ينذرها إلا الله، فمن نذر لغير الله فهو مشرك، كمن صام لغير الله، وسجد لغير الله، ومن حجّ إلى قبر من القبور فهو مشرك" ( منهاج السنة 2/440 ).
و المقصود أن الذبح لغير الله، وكذا النذر لغير الله هو شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام، و هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، و قد قرره المحققون من العلماء في سائر المذاهب الأربعة.ويقال إن سليمان بن عبد الوهاب قد تاب في آخر حياته، و تخلّى عن تلك المزالق، و استجاب لهذه الدعوة الإصلاحية.
14. هل تعد محاربة الخلافة العثمانية خروجاً على الحكام؟
جــ 14 / لم يحارب الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - الدولة العثمانية، و لم يخرج عليها، إذ أن نجداً لم تكن تحت نفوذ العثمانيين، فلم يكن في نجد إمارة للأتراك، والشيخ الإمام - رحمه الله - على طريقة أهل السنة والجماعة من وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برّهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، وقد جاء في رسالته لفاضل آل مزيد رئيس بادية الشام قوله – رحمه الله -: " إن هذا الذي أنكروا عليّ، وأبغضوني، و عادوني من أجله إذا سألوا عنه كل عالم في الشام أو اليمن أو غيرهم، يقول: هذه هو الحق وهو دين الله و رسوله، ولكن ما أقدر أن أظهره في مكاني لأجل أن الدولة ما يرضون، وابن عبد الوهاب أظهره، لأنه الحاكم في بلده ما أنكره، بل لما عرف الحق اتبعه " ( مؤلفات الشيخ 5/32 ) ففي هذا النص دلالة ظاهرة على أن الشيخ الإمام لا يجد شكاً بأن محل دعوته ليست خاضعة لدولة الخلافة العثمانية.
15. هل يصح أن تنسب الدعوة التي أمر الله - تعالى - بها نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى غيره ؟ على أن نقول على سبيل المثال "دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله رحمة واسعة -" أو دعوة فلان و فلان ولا نقول دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
جــ 15 / الدعوة مصدر يضاف إلى الفاعل و المفعول، فإذا أضيف إلى الرسول أو العالم فلأنه الداعي المبلّغ، البشير و النذير، و العلماء ورثة الأنبياء..، وإذا أضيف إلى الله – تعالى -، فهو باعتبار أن الله - عز وجل - هو المدعو المقصود..، فالدعوة تنسب إلى الله – تعالى -، كما في قوله تعالى : { لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ } الرعد 14، باعتبار أن الله – تعالى - هو الحق، فمن دعاه دعا الحقَ - تعالى -، فهو - عز وجل - المدعو المطلوب المراد، وتنسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باعتباره المبلّغ لهذا الوحي، والقدوة للناس جميعاً، فيجب اتباعه و تصديقه و طاعته بإطلاق، و تنسب إلى العلماء و نحوهم باعتباره أنهم على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيدعون إلى الله على علم وبصيرة، ويجددون ما اندرس من هذا الدين، قال الله تعالى : { قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } يوسف 108.
16. بعض الناس يهاجمون دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، و ليس لدي سوى علم قليل فهل أدافع عن دعوة الشيخ بما أملك من قلة علم؟
جــ 16 / نعم عليك أن تذبّ عن الحق و الصواب على قدر علمك، فلا تحقر جهدك و سعيك، فالحق أبلج، ورحم الله من أعان على نصرة الإسلام والسنة و لو بشطر كلمة.
نشر :