بواعث قيام الدعوة الإصلاحية وأهدافها الكبرى
مجموعة من العلماء والمثقفين السعوديين
قامت هذه الدعوة الإصلاحية في نجد في الوقت الذي كانت أحوج ما تكون إلى الإصلاح في جميع النواحي الدينية والدنيوية، لقد كان انتشار الخرافة، والإشراك بالله، والانحراف عن هدي الإسلام، وانتشار البدع، وسيطرة التقاليد والأعراف المنافية للحق، وكثرة لجوء الناس إلى الكهان والمشعوذين والسحرة والدجالين، وما نتج عن ذلك من تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية.
كل هذه كانت أسباباً ملحة استوجبت قيام الدعوة الإصلاحية لإعادة الناس إلى صفاء التوحيد وإخلاص العبادة لله رب العالمين، وهي القضية الكبرى في الإسلام وفي كل الأديان السماوية، وهي المهمة الأساسية التي ينهض بها المصلحون في الإسلام على تعاقب الأجيال.
فإذا استقام أمر التوحيد تبعه القيام بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لضمان استمرار صلاح المجتمع وانتظام حياته وتحقيق التكافل والمحبة بين الناس تحقيقاً لأمر الله "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ"(آل عمران: من الآية 110).
كان الناس في نجد قبل الدعوة يعيشون فوضى مطلقة في الدين والدنيا، فلم يكن لهم سلطة جامعة، ولم يكن يوجد عندهم قضاة ولا محاكم للفصل في الخصومات وإحقاق الحق، فتحقَّق بقيام الدعوة الإصلاحية دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بمؤازرة الدولة السعودية نتائج عظيمة، فقد كان من أهدافها:
1- تحقيق الأمن والنظام: فقد كانت الفوضى هي السائدة في المناطق التي تعرف الآن باسم المملكة العربية السعودية، خصوصاً في نجد والمناطق الصحراوية، وكانت الضرورة تقتضي قيام دعوة إصلاحية وولاية شرعية تحفظ للناس أمنهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وتقوم بالعدل والقضاء بين الناس، وتقيم الحدود وتنشر العلم والخير وتدفع الشر والظلم، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما أمر الله _تعالى_، فكانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإسلامية.
2- نشر العلم ومحاربة الجهل وإخراج الناس من حالة الخرافة وأسر الجهالات، فقد ظهرت الدعوة الإصلاحية وتأسَّست بها الدولة السعودية في عصر التخلف وشيوع الجهل والتقليد الأعمى وسيادة الأمية في أكثر مظاهر الحياة الفردية والجماعية، مما جعل قيام هذه الدعوة ضرورة.
3- تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة، فمن المعروف أن المسلمين أصيبوا بالفرقة والشتات والتنازع من جراء كثرة الأهواء والبدع والجهل والإعراض عن الدين، واتباع سبل الغواية والشهوات والشبهات، ونتج عن ذلك الكثير من الذل والهوان والفشل الذي حذر الله منه في قوله _تعالى_: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" (الأنفال: من الآية46)، فكان لا بد من إصلاح أحوال الأمة بالعقيدة والشرع المطهر الذي به تحصل الجماعة والاستقامة.
وفي الجملة فإن هذه الأسباب وغيرها كانت من الدوافع الطبيعية التي استدعت (بالضرورة) قيام دعوة إصلاحية شاملة تنهض بمهمة إعادة إحياء الإسلام، وتوطيد النظام في هذه الصحراء التي كانت مقطوعة عن مراكز العلم والحضارة، وتعمل هذه الدعوة على إصلاح أحوال الأمة في سائر نواحي الحياة في العقيدة والعبادة والعلم والسلطة والاقتصاد والاجتماع.
وكل هذه البواعث والأسباب لقيام الدعوة الإصلاحية لها ما يقتضيها من النواحي الشرعية والموضوعية والتاريخية المعقولة والعادلة، بل هي أسباب ملحة لقيامها، وحين قامت الدعوة استهدفت علاجها، فكانت النتائج والثمار قيمة وإيجابية ومحمودة.
نشر :