الموقف من (دعوة الإمام المجدد)

 الدكتور/ خالد الماجد

العداء لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولمزها بـ(الوهابية) قديم، بدأ أول ما بدأت، وحمل رايته المبتدعة، وتبعهم من المسلمين من جهل حقيقتها، أو حالت بينه وبين الرياسة الدينية والدنيوية، وهي في هذا ليست ببدع، فهذا ما قوبلت به دعوات المصلحين قبلها، إلا أن الذي يسترعي الانتباه مؤخراً انتقال موجة معاداتها من الإقليمية إلى العالمية، فأصبح يعاديها أئمة الكفر ودولهم، بشتى مللهم.

والموقف من الدعوة وما تواجهه من الحرب العالمية المعلنة وما يتعلق بذلك متشعب، غير أني أكتفي بإيجاز أهم محاوره فيما يأتي:


1- إن لكل صنف من المعادين للدعوة أسبابه التي تحمله على العداوة، وإذا قمنا بتصنيف هذه الأسباب فسنجدها –أو يجدها الكاتب على الأقل- ترجع إلى سببين اثنين هما:

الأول: كراهيتها الشديدة للشرك والبدعة، وبسبب هذه الكراهية لمزت بـ (بغض الأولياء والصالحين).
والثاني: تقريرها الجلي لعقيدة الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين، وبخاصة شطر هذه العقيدة الثاني، باعتبارها ثمرة الإيمان بالله واليوم الآخر، ونجد شانئيها يعبرون عنه بـ (إقصاء الآخر، أو نفيه، أو رفضه..).

2- إن الحرب موجهة في الحقيقة إلى المنهج الذي دعت إليه (الوهاية) عقيدة وشريعة، والباحث المنصف من أعدائها لن يلبث طويلاً حتى يعلم أن موقفها المذكور في السببين السابقين هو من أجل ثوابت دين الإسلام، ومن أهم مفردات المنهج الذي سار عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بلا مواربة ولا مجاملة، وحينئذ فيجب إذا عاداها لهذين السببين أو أحدهما أن يكون شجاعاً صريحاً فيقر بأنه يعادي أهم ثوابت الإسلام، ويرفضها، وأن عليه نبذ مسلك التلبيس الذي يدعو إلى احتقار سالكه؛ إذ لا يمكن للمطلع على القرآن وصحيح السنة أن يعمى أو يصم عن قراءة وسماع النصوص الكثيرة التي يبرأ فيها الله ورسوله من الشرك والكفر وأهلهما على اختلاف أصنافهم، وتلك النصوص التي تحرم التشريع في دين الله ما لم يأذن به الله، وهو ما نسميه البدعة. ومن هنا فإن الامتحان الحق المتعلق بهذه الدعوة لكل مسلم هو في قبول موقفها من الشرك والبدعة وأهلهما، والثبات عليه، أو رفضه والنكوص عنه، ومن ثم رفض أهم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأما أنها حق فأمر مفروغ منه في ديننا.

3- إن هذه الدعوة أبعد ما تكون عن التعصب للأشخاص أو البلدان، لأن جذورها في المدينة ومكة حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم عمرت البلدان: مصر حيث كان مثل الشافعي، والعراق حيث كان مثل ابن حنبل، والشام حيث كان مثل الأوزاعي، ثم ابن تيمية، ثم حمل رايتها أهل نجد حيث محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه إلى وقتنا هذا، ثم أصبحت عالمية، يحملها كل من سار على منهج السلف في العالم كله. ولذا فإن أتباع هذه الدعوة لا يعنيهم -بحال- اسمها، بل إنهم يرفضونه، ولا يقبلون أن يلمزوا به، كما أنه لا يعنيهم الأشخاص الذين حملوا رايتها، إلا بقدر ما لهم من حق الذب عن أعراضهم، الثابت لهم بالإسلام، وبالسابقة في الفضل والدعوة.

4- إن منهج أي مصلح -عدا الأنبياء- يحتمل الاشتمال على الخطأ، ومنهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب غير مستثنى من هذه القاعدة، ولكن لدعوته جانبان : الأول: تقرير العقائد والأحكام، التي منها ما يلزم الأخذ بها، ولا يُقبل التشكيك فيها؛ لأن عليها إجماع السلف، وهذه في العقيدة أغلب، ومنها ما لا يلزم الأخذ بها وهي ما كان من مسائل الاجتهاد التي لا يضلل فيها المخالف إذا كان مجتهداً أو مقلده، وهذه في الأحكام أغلب. والجانب الثاني: تطبيق مقتضيات تلك العقائد والأحكام على الأشخاص والمذاهب والأفكار المخالفة، واحتمال الخطأ في هذا الجانب أكثر منه في الجانب الأول، ولذا كان قبول الانتقاد فيه أكثر، كما تختلف فيه درجة الخطأ من حيث الكم والنوع بحسب العالم المجتهد، إلا أن احتمال الخطأ لا يجوز أن يتخذ ذريعة لتعيير الدعوة ورفضها ورميها بالتهم الجزاف؛ لأن هذا النهج في الانتقاد –وهو التذرع بالخطأ في التطبيق للحكم بخطأ التنظير- لن يسلم من وضره كل حق ولو كان الإسلام نفسه المنزل من عند الله، ولن يسلم منه كل داعية ولو كان محمداً صلى الله عليه وسلم الذي يوحى إليه؛ لأنا وجدنا من أصحابه المجتهدين من أخطأ في التطبيق، بل ومنهم من خالف مخالفة صريحة، كالذي زنى منهم، أو شرب الخمر، أو قتل النفس المعصومة.

5- إن كل امرىء عرف أن أعظم ما يكتسب العلم والدين، وأخطرَ ما يتقي الشرك والخرافة والبدعة، ونظر إلى حال البشر -ومنهم كثير من المسلمين- وما هم فيه من الرضا بالجهل واتباع الهوى يدرك ما لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من عظيم المنة وكبير الفضل على أهل البلدان التي امتدت إليها، فقل من رجل أو امرأة في الجزيرة العربية ليس لدعوة الشيخ عليه منة كبرت أو صغرت، ولذا فإن من انعدام الوفاء وعظم الجحود التنكر لهذه الدعوة الذي يبديه هذه الأيام بعض من يحسب عليها؛ مداهنة وضعفاً أمام حملات التشويه، باسم الانفتاح على الآخر وقبول النقد، الذي ينقلب إلى سيئة إذا نتج عنه ترك الحق، أو التنكر له. فليتق الله هؤلاء وليستحيوا منه حق الحياء، وإذا لم يحملهم الوفاء على الذب عن هذه الدعوة وحملتها، فلا يحملنهم الجحود على قالة السوء فيها، ظلماً، وعدواناً.

6- إنه لا يستحق شرف الانضواء تحت راية هذه الدعوة إلا من استقام على منهجها، وأما من نكص، أو حاول تفسيرها بما يرضي أعداءها فهو بعيد عنها وإن كان قريب النسب من أئمتها، أو ساكناً دارها، كما أن أحداً لا يختص بحق تفسيرها، فهي إرث مشاع للقريب والبعيد ممن هو أهل لتبليغها.

7- إن من فضل الله على هذه الدعوة وأهلها أن عداوة الكفار لها بما استتبعت من الحرب الشديدة الواسعة، والتي يتولى كبرها صهاينة الإدارة الأمريكية، تأخرت إلا أن رسخ منهج الدعوة في القلوب، وامتد رواقه ليلف الأرض كلها، ولذا فلا خوف عليها، بل إن قبولها عند الناس يتناسب طردياً مع تزايد معاداة أمريكا لها، لتعاظم موجة الكراهية لكل ما هو أمريكي. وإن كان شيء من أثر هذه العداوة يخشى على الدعوة منه فإنما هو التنكر لها من بعض المنتسبين إليها.

8- إنه بقدر شدة هذه العداوة بقدر ما تنبيء عن النصر الذي حققته الدعوة حتى أصبحت (يخافها بنو الأصفر والأحمر)، كما خاف أسلافهم محمداً صلى الله عليه وسلم ودعوته، ثم نصره الله عليهم. ولا يحسبن الناكصون عنها –من خاصة أو عامة، جماعة أو أفراد، دول أو شعوب- أنهم بانقلابهم عليها ستعدم من يحمل رايتها، وينصر منهجها، كلا، بل الذي سيحدث أن الله سيستبدل بهم قوماً يحملونها، هم أصدق وأصبر، كما وعد وتوعد بقوله سبحانه: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)،.وهذا؛ لأنها حق، والحق لا بد له من ناصر منصور، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم..).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
نشر :