حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأثرها على العالم الإسلامي
الشيخ صالح الفوزان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةِ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وأصَحْابِهِ أَجْمَعِينَ.
أخبر النَبِيِّ (صَلىَّ اللهُ عَلَيِهِ وَسَلِّمْ) أن اللهُ - سُبْحَانَهُ - يبعث في هذ الأمة في كل قرنٍ من يجددَّ لها دينها، وكان من المجددين أو أكبر المجددين في القرن الثاني عشر فيما نحسبه كذلك واقعًا من سيرته ومن آثاره العلمية؛ الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي، من أكبر علماء نجد وهو من بيت علم فآباؤه وأجدادُه وأعمُامه علماء تلقى عنهم العلم ثم سافر لطلب العلم إلى العراق إلى الموصَّل، سافر إلى العراق والتقى بعلماء العراق المحققين وأخذ العلم عنهم؛ منهم الشيخ المجموعي وأراد أن يسافر إلى الشام ولكنه لم يتيسر له ذلك .
نظر في مجتمعه بعدما عاد إلى بلاد نجد وتأمل أحوال البادية والحاضرة، فرأي في معتقداتها دخلًا أو دخيلًا من الشُّبه والعادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان، تراكمت في عقائد أهل هذه البلاد كغيرها من البلاد الأخرى، لأنه كلما تقدم الزمان يفشى الجهل وتكثر البدع والمحدثات، إلا اللهُ يُقيَّضَ لها من يُبيَّن ضررها على الناس ويدافعها عنهم . فكان من أولئكم هذا الأمام الجليل - رحمه الله - بعدما تضلَّعَ بالعلم من خلال الرحلات العلمية التي رحلها لطلب العلم وعكف على كتب الشيخين الإمامين: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، فنهل منها علمًا غزيرًا زاد ما كان عنده من العلم الذي تلقاه عن علماء وقته، فلم يرِ بُدًا بأن يُبيَّن للناس وأن يدعوهم إلى الله، وهذه مهمة العالم، قال اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فهو - رحمه الله- رحل في طلب العلم وتلقاه عن أكابر علماء وقته، ثم إنه نشَّرعلمه على أهل هذه البلاد، ودعا إلى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ – على بصيرة، دعا إلى الله على بصيرة، بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هى أحسن، كما قال اللهُ - جَلَّ وَعَلاَ- لنبيَّه محمدٍ (صَلىَّ اللهُ عَلَيِهِ وَسَلِّمْ) ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
فهذا الإمام سَّلك هذا المسَّلك الذي أرشد اللهُ إليه في هذه الآية بعدما تضلَّعَ بالعلم ورحل في طلبه، وتلقاه عن أكابر علماء وقته، فقام بالدعوة إلى الله؛ دعوة إلى التوحيد، لأن علماء وقته كانوا يهتمون بالفقه، تلقي الفقه يسافرون إلى الشام ليتلقوا العلم عن علماء الحنابلة في الشام ويعودون؛ إهتمامهم بالفقه؛ بينما هذا الإمام انتبه إلى العقيدة، جدَّ وإجتهد، في إماطة ما علق بها من الضلالات والشُّبهات، وجددَّ هذا الدين ووفقه الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بما قيَّضَ له من ولاة الأمر الذين بايع إمامهم وجَدَهم الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - بايعه على نُصرةِ دين الله والدعوة إلى الله فاتفقا على ذلك؛ هذا بسلطته وهذا بعلمه .
وجعل اللهُ من أثر ذلك خيرًا كثيرًا على هذه البلاد وما حولها، فإمتدت دعوة الشيخ إلى خارج بلاد نجد، إمتدت إلى الهند إلى علماء الحديث هناك؛ وإمتدت إلى مصر ومن آثارها أنصار السُّنة المحمدية، وإمتدت إلى السودان، وامتدت يمينًا وشمالًا ونفع اللهُ بها نفعًا عظيمًا، وأيقظ الله بها أجيالًا متتابعة لا تزال و- للهِ الحَمَدْ- على هذه الطريقة المحمدية التي جددَّها هذا الإمام، ودعا إليها وبَصَّرَ بها وذلك من فضل الله عليه وعلى الناس .
كثيرٌ هم العلماء ولكن قليلٌ من يتجه هذا الإتجاه؛ وهو الدعوة إلى إصلاح العقيدة، قليلون ولكن هم ثمرةُ العلماء في كل زمانٍ ومكان . فهم مجددَّون هذا الدين ويميطون عن العقيدة ما عَلِق بها من الشُّبهات والعوائد المخالفة وهذا من فضل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - .
فهم يُجدِدون هذا الدين يميطون عن العقيدة ما علِق بها من الشبهات، والعوائد المخالفة، وهذا من فضل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مصداقًا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» تبارك وتعالى، فهذا الإمام قام بالدعوة إلى الله وتصحيح العقيدة وألفَّ الكتب والرسائل، وجلس لطلبة العلم، وهاجر إليه طلبة العلم من مختلف البلاد فأورث ذلك نهضة علمية في هذا البلاد، توارثها من جاء من بعد الإمام وجيله توارثوها، وكان من نتاجها هذه الثروة العلمية الخالصة المفيدة التي بأيدي الناس اليوم .
هكذا يكون المجددَّون قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: « فَوَاللَّهِ لَئِنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»، فاللهُ - جَلَّ وَعَلاَ - هدى بهذه الدعوة أجيالًا كثيرة، ولا تزال ولله الحمد أثرًا محمودًا وطريقًا مضيئًا يهتدي به الناس، تمدد ذلك في مختلف البلاد الإسلامية، ونشأ من ذلك أجيالٌ نشأت على التوحيد وماتت على التوحيد يرجع فضلها إن شاء الله إلى هذا الإمام المجدد، وهكذا ينبغي للعلماء دائمًا وأبدًا. وهذه الدعوة آتت ثمارها ظاهرةً نتيجة للإخلاص الذي نشأت عليه، فهي دعوةً خالصةً وإلا كثير منهم الدعاة الآن، وهناك جهاتٌ للدعوة وهناك ميزانيات للدعوة ولكن الثمرة قليلة؛ وهذه الدعوة ولله الحمد نظرًا للصدق فيها وأنها مرتبطة بالعلم الصحيح .
قال اللهُ - سُبْحَانَهُ - لنَبِيَّه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ): هذه طريقة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو ومن اتبعه ممن يأتي بعده من الدعاة إلى الله - عَزَّ وَجَلَّ- (عَلَى بَصِيرَةٍ ): يعني على علم؛ لأن الداعي لابد أن يدعو عن علم لا عن جهل، يدعو عن علم تعلم أولًا، فهذا الإمام ما باشر الدعوة إلا بعد ما تضَّلع بالعلم على علماء وقته من في بلده ومن سافر إليهم، ولما تضَّلع بالعلم، ونظر في أحوال الناس قام بالدعوة إلى الله عن صدق وإخلاص ولكن الدعوة تحتاج الداعية يحتاج إلى ما يسنده ويعينه من السلطة، ولهذا كان رَسُّول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعْرِض نفسه على القبائل في موسم الحج فيقول: «مَنْ يُؤْوِينِي مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي». حتى قيَّض اللهُ له الأنصار من المدينة وبايعوه على النُصرة والإعانة وانضموا إلى إخوانهم من المهاجرون والأنصار حول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فانتشرت دعوة الرَّسُّول وتأيدت وانتصرت باللهِ، ثم بالمهاجرين والأنصار من حول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
فهذا الإمام نحى هذا المنحى مقتديًا برسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعَرضَ هذه الدعوة على الإمام محمد بن سعود أمير الدرعية في وقته؛ كانت بلاد نجد قبل دعوة هذا الإمام متفرقة كل بلد لها أمير تحكم نفسها ولا تخضع للبلدة الأخرى، كانت بلاد نجد على هذا النمط، والعقيدة لا يهتمون بها إلا من شاء الله فلمَّا قامت هذه الدعوة توحدت البلاد كلها من أقصاها إلى أقصاها تحت قيادة واحدة وإمامة واحدة، ببركة هذه الدعوة ولا تزال ولله الحمد ونرجو الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أن تستمر وأن تقوى وأن تزيد بإذن الله، لأنها دعوة نشأت على العلم النافع وعلى العقيدة الصحيحة، وعلى الإيمان الراسخ وعلى الجهاد في سبيل الله لنصرة دين الله فكان لها النجاح ولله الحمد وإلا ما أكثر الدعاة ومؤسسات الدعوة والميزانيات التي تُجعل لها؛ لكن أين البركة فيها؟ وأين الإنتاج فيها؟ فيها خير إن شاء الله لكن أين إذا قارنتها بدعوة الشيخ وبغيرها من دعوات المصلحين، تجد الفرق واضحًا شخص واحد قام بها بدون ما يبيدون شيء فطيب الله لهم النصرة وامتدت دعوته وبقيت وفيها الخير والبركة فهذا نتيجة الإخلاص ونتيجة أنها تقوم على علم وبصيرة لا تقوم الدعوة إلا على علم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ)، (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وهذا لا يكون إلا بالعلم فلابد أن تكون الدعوة عن علم.
فلابُدَّ أنْ تكون الدعوة عن عِلْمٍ؛ هذا شيءٌ، ولابُدَّ أنْ تكون عن إخلاصٍ ونيةٍ صالحة، وهذا هو الأساس، وبذلك تنجحُ الدعوة بإذن الله.
والمسلمون بحاجةٍ إلى الدعوة دائمًا وأبدًا، فالدعوة تكونُ للمؤمنين، يُدْعَوْنَ إلى الاستقامة وإلى التوبة وإلى الإخلاصِ للهِ-عزَّ وجلَّ-، والكُفَّار يُدْعَونَ إلى الدخول في دين اللهِ-عزَّ وجلَّ-، فالدعوةُ تكونُ للمؤمنين أولًا وتكونُ للكُفَّارِ أيضًا ليدخُلُوا في دين الله.
والدعوةُ تَسْبِق الجهاد في سبيل اللهِ، الدعوة أولًا ثُمَّ مِنْ بعدها الجهاد في سبيل الله.
فالدعوة تقومُ على هذين الأساسين اللّذان هما العِلْم أولًا: {ادعو إلى الله على بصيرة}، وتقوم أيضًا على السُلْطةِ المؤيدةِ لها، لَمَّا تبايع الإمام محمد بن عبدالوهاب مع الإمام محمد بن سُعُودٍ على الدعوةِ إلى اللهِ والجهاد في سبيل الله جَعَلَ اللهُ لذلك أثرًا عظيمًا في هذه البلاد وامتَدَّ إلى غيرها ولله الحمد، وتَطَهَّرت العقيدة عمَّا عَلِقَ بها مِنَ الشُبُهاتِ والضلالاتِ وحَصَلَ الخيرُ الكثير، فهكذا تكونُ الدعوةُ إلى الله-عزَّ وجلَّ-.
والناسُ بحاجةٍ إلى الدعوة إلى الله في كُلِّ وقتٍ؛ ولو كان الناس مسلمون ومؤمنون يحتاجون إلى الدعوة إلى الله لتصحيح العقيدة والسير على المِنهاج السليم والعمل الصالِح، فالدعوةُ يحتاجها المسلمون أولًا ثُمَّ أيضًا الكُفَّار لدخولهم في الإسلام.
الإسلام يقوم على أمرين: الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله-عزَّ وجلَّ-، ولا يَصْلُح الناس بدون دعوة، ولو قالوا الناس مسلمون الناس يعرِفون، لا؛ يحتاجون إلى دعوةٍ ويحتاجون إلى تبصيرٍ وتعليمٍ وتفقيهٍ في دين الله-عزَّ وجلَّ-، والحمد لله الإمكانيات الآن مُتَوَفِّرةٌ في هذه البلاد، فعليهم أنْ يُواصِلوا هذه الدعوة إلى الله وألَّا يغفُلُوا عنها في المناهج الدِراسيَّة وفي المساجد وفي جميع المجالات.
وكلُّ مُسْلِمٍ يذهب إلى بلاد الكُفَّار فإنَّه يحمِل هذا الدِّين ويُبَلِّغه للناس ويدعوهم إليه، هذه وظيفةٌ عظيمة، فالمُسلم يُمَثِّل الإسلام بعمله أولًا وأخلاقه وتعامُلِهِ مع الناس، ثُمَّ أيضًا يدعوهم إلى الله بعِلْمِهِ وبصيرَتِهِ.
يجب على كُلُّ مُسْلِمٍ أنْ يدعو إلى الله-عزَّ وجلَّ- حسب ما يُمْكِنه من ذلك، ولو فعل المسلمون هذا لانتشرَّ الإسلامُ في مشارِقِ الأرضِ ومغارِبِها، فهذا أمرٌ عظيمٌ يجب التنَبُّه له.
فدعوةُ الشيخ محمد بن عبدالوهاب سارَتْ على هذا المِنوال، يُقَال أنَّه لمَّا بدأ الدعوة في بلدٍ وضُيِّق فيها وأُخْرِجَ منها خرج إلى البلدة الأخرى وفي يده مروحة يدوية يتروح بها ويقول: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا* ويرزقه من حيث لا يحتسب}، ويُرَدِّد هذه الآية حتى قَيَّض اللهُ له مَنْ نَصَرَهُ وأعانهُ وقام معه، فبارك اللهُ هذه الدعوة وجعل لها أثرًا عظيمًا في الأُمَّةِ وانتشرت حتى في خارج هذه البلاد كما هو معلومٌ.
والمسلم يكون داعيةً إلى الله في أي بلدٍ يذهب إليها، يكون داعية أولًا بعمله وأخلاقه وتعامُلِهِ، ويكون داعية بعِلْمه وفِقْهه وما آتاهُ اللهُ من البصيرة، يكون داعيًا إلى الله-عزَّ وجلَّ-.
دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بارك الله فيها مع أنَّها قامت على يد رجُلٍ واحدٍ، الآن في جمعيات للدعوة وفي ميزانيات وكذا، نرجو الله أنْ يجعل فيها بركةً وخيرًا، لكن يجب على القائمين عليها أنْ يتنبَّهوا لذلك، وأنْ يقوموا بهذا الأمر على الوجه المطلوب وعلى السُنَّةِ النبويَّةِ وعلى مسيرةِ السلف الصالِح وعقيدة السلف الصالِح.
الدعوةُ لابُدَّ أنْ تبدأ بالعقيدة، قال-صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لِمُعاذِ بن جَبَلٍ لمَّا بَعَثَهُ إلى اليمن، قال له: (إنَّكَ تأني قومًا مِنْ أهلِ الكتاب، فليَكُن أوَّل ما تدعوهم إليه شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، فإنْ هم أجابوك لذلك فأعلِمْهُم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإنْ هم أجاوبك لذلك فأعلِمهُم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً تُؤخَذ مِنْ أغنيائهم وتُرَدُّ في فقرائهم).
فهذا فيه التدرُّج في الدعوة وأنَّه يُبدأ فيها بالعقيدة، فأي دعوة لا تبدأ بالعقيدة فهي دعوةٌ فاشِلة ولا فائدة منها، فالدعوات التي تُنَحِّي العقيدةَ وتُبْعِدُها وتدعو إلى الأخلاق الفاضلة وإلى التعامل الطيب وهكذا هذه دعوة لا فائدة منها، لأنها أهْمَلَت الأساس والرأس، إذا فُقِدَ الرأسُ فبماذا ينفع بقية الجسد؟
فيُبدأ بالعقيدة أولًا، يُبْدَأ بتبصير الناس في عقيدتهم، ثُمَّ بعد ذلك بأمور دينهم؛ بالصلاةوالزكاة وبقيَّة أمور الدِّين، التدرُّج في الدعوة شيئًا فشيئًا هذا أمرٌ مطلوبٌ، فدعوةُ الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي على هذا المنهج السليم النبويّ الذي أرشد إليه النبيُّ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-.
فالذي يُنَحِّي الدعوة عن منهجه ويقول هذه دعوةٌ إسلامية فهذه ليست دعوة إسلامية ولا تنجح أبدًا، كم نسمع مِنْ الدَعَوات ومِن المؤسسات الدَعَويَّة ولكن أين الثمرة؟ لأنها لم تَقُم على الأساس الأصيل وهو العقيدة.
هذه ليست دعوة إسلامية، ولا تنجح أبدًا، كم نسمع من الدَّعوات، ومن المؤسسات دعويَّة، ولكن أين الثمرة؟!، لأنها لم تقم على الأساس الأصيل، وهو العقيدة، ولم تسعى لإصلاحِ العقيدة، وتنقية العقيدة أولاً، ليكن أول ما تدعوهم إليهم، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، إلى آخره، فالعقيدة هي الأساس، وهي الرأس، وتترتَّب عليها بقية الأعمال، لأن الأعمال بدون أن تكون على عقيدة سليمة، لا تنفع، لا تنفع صاحبها مهما كانت، فهذا أمرٌ يجب التَّفطٌّن له، دعوة الشيخ قامت على هذا الأساس، أول ما بدأ -رحمه الله- الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، ألَّف كتاب التوحيد الذي هو بين أيدينا الآن لتوحيد العبادة، ألَّفهُ وكل باب مبني على آية وحديث وكلام أهل العلم، فنفع الله بهذا الكتاب، وأفاد منهُ المسلمون، وأفاد منهُ العلماء والطَّلاب، ألَّف الثلاثة الأصول، معرفة الله –جلَّ وعلا-، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، ألّف كشف الشُّبهات، التي يُدلي بها المغالطون للدعوة الصَّحيحة، وبيَّن خطأها، واحدةً واحدة، فكتاب التَّوحيد، وكشف الشُّبهات، أساسٌ يعتمدهُ الدُّعاة لله – عزَّ وجل- وينشرونهُ للناس، يشرحونهُ للناس، ويُبيِّنونهُ للناس، هذا الأساس التي تُبنى عليه الدعوة، ثلاثة الأصول، معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، كل أصل له أدلة، وليس هناك شيء من أمور الدين، إلا وله دليل يعتمدُ عليه، لكن يحتاج إلى بيان وإلى توضيح، والبيان والتوضيح يحتاج إلى علم وفقه، وإلا فكلٌ يدَّعي الدعوة الآن، لكن أين الآثار؟، وأين الثَّمرات؟، لا نقول أن لا خير، نقول فيها خير، إن شاء الله، لكن نريد منها أكثر من هذا، فلا يزال الناس كما تعلمون في جهلهم، وفي ما علق بعقيدتهم من شبهات، ومن انحرافات، ومن، يحتاجون إلى بيان، وإلى توضيح، وهذا يحتاج إلى علم، ومعرفة، وبصيرة.
فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أثمرت هذه الأجيال التي نشأت عليها، وماتت عليها، على التوحيد، يرجع أجرُها إلى هذا المُجدِّد، وهذا الدَّاعية إلى الله –عزَّ وجل-، من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجرمن اتَّبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا.
هناك دُعاة ضلال، هناك دُعاة ضلال، كما أنّ هناك دُعاة توحيد، ودُعاة، لكن فرق بين الدُّعاة والدُّعاة، وفرقٌ بين الآثار، هذا دعوة الحق ينشأُ عنها الحق والخير، والصَّلاح، ودعوة الضَّلال ينشأ عنها الشر، والشُّبهات والانحرافات، وإلا هناك دُعاة ضلال كثير، وكلٌ سيُجازيه الله، بحسب ما ورَّث في الأُمَّة من خيرٍ أو شر، من دعا إلى الهدى كان لهُ من الأجر مثل آجار من تبعه، من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، نسأل الله العافية.
ولكن الدعوة كما ذكرنا، تحتاج إلى علم، والعلم يحتاج إلى تعلٌّم، وتبصُّر، يحتاج إلى صبر، قال الله –سبحانه وتعالى- : بسم الله الرحمن الرحيم: (*وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لفي خسر* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ*) هذه الأمور الأربعة، هؤلاء ينجون من الخسار، الذين آمنوا، هذا هو العلم النَّافع، والعقيدة السَّليمة، وعملُ الصَّالحات، العلم لا ينفع بدون عمل، لابد من العمل مع العلم، وتواصوا الحق، ما يكفي الإنسان أن يكون متعلِّمًا، وعالمًا لنفسه، ومُهتديًا في نفسه، ما يكفي هذا، بل يجب أن يدعو الآخرين، ( تواصوا بالحق)، هذا هو الدعوة إلى الله –سبحانه وتعالى-، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، (وتواصوا بالصبر)، لأنَّ الذي يدعو إلى الحق يُؤذى، بل قد يُهدَّد، فيحتاج إلى الصبر، (وتواصوا بالصَّبر)، يصبرون على ما ينالوا، يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ.
هكذا كانت دعوة الشيخ تقوم على هذه الأساسات العظيمة، على العلم، وعلى العمل، وعلى الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعلى الصبر عليها، وعلى ما يترتَّب عليها من أذى الناس والمُعارضين، والمُعاندين، يحتاج إلى صبر، وإلا من لا صبر له، لا يستطيع الاستمرار، لا يستطيع الاستمرار في الدعوة والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، (* وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ* *وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ*) فدعوة الشيخ تتمثَّل هذه الصِّفات القُرآنيَّة، ولذلك نجحت، وأثمرتولله الحمد، فالواجب القيام بهذه الدعوة، والاستمرار عليها، والصبر على ما يحصل بسببها، أو سبيلها، وهذه هي الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، نسأل الله –عزَّ وجل- أن يجعلنا وإياكم من الداعين إليه على بصيرة، من المؤمنين أولًا، من المؤمنين الداعين إليه على بصيرة، وأن يرزقنا الله وإياكم الصبر والإخلاص، والجهاد في سبيله، الجهاد ليس مقصورًا على حمل السلاح، الجهاد يكون بالقلب، ويكون باللسان،ويكون بالسلاح، الجهاد أنواعٌ كثيرة، كلٌ يقوم بما يسَّر الله لهُ منه، ومن الجهاد القيام بالدعوة والصبر عليها، والاستمرار عليها، والثبات عليها، هذا من الصبر، ويحتاج إلى صبر.
الجهاد ليس مقصورًا على حملِ السلاح ، الجهاد يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بالسلاح، والجهاد أنواعٌ كثيرة كلٌ يقوم بما يسر الله لهُ منهُ ومن الجهاد القيام بالدعوة والصبر عليها والاستمرار عليها والثبات عليها هذا من الصبر يحتاج إلى صبر نسأل الله –عَزَّ وَجَلَّ- أن يوفقنا وإياكم للصدقِ في القول والعمل والإخلاص في الدعوة إليهِ والصبر على ذلك وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عّلى نَبِيْنَا مُحْمَد وَعَلى آلهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين..
نشر :